هل يجب الإعلان عن جميع الأعمال الصالحة؟

يؤكد القرآن على الإخلاص في الأعمال الصالحة وينهى عن الرياء. إخفاء الخيرات غالبًا ما يكون أفضل للحفاظ على النية الخالصة، لكن إظهارها بنية تشجيع الآخرين على الخير، يمكن أن يكون مشروعًا ومستحبًا.

إجابة القرآن

هل يجب الإعلان عن جميع الأعمال الصالحة؟

في الثقافة الغنية والعميقة للقرآن الكريم، يحظى مفهوم النية والدافع في أداء أي عمل بمكانة خاصة. إن السؤال "هل يجب الإعلان عن جميع الأعمال الصالحة؟" ليس مجرد استفسار أخلاقي، بل له جذور عميقة في التعاليم القرآنية والإسلامية التي تؤكد بشدة على الإخلاص والابتعاد عن الرياء. فالقرآن الكريم يحث المؤمنين مرارًا وتكرارًا على فعل الخيرات والأعمال الصالحة، ولكنه يحذر دائمًا من أن هذه الأعمال يجب أن تتم فقط ابتغاء وجه الله تعالى، لا لكسب الثناء والإعجاب من الناس. المبدأ الأساسي في الإسلام هو الإخلاص. الإخلاص يعني أن يؤدي المرء العمل خالصًا لوجه الله وحده. في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ". هذه الآية توضح بجلاء أن الهدف من العبادة وأي عمل صالح هو إخلاص النية لله. فعندما يؤدى العمل بنية غير إلهية، كالمباهاة أو طلب الثناء من الناس، فإنه يفقد قيمته الروحية وقد يتحول إلى إثم. يُنهى القرآن الكريم صراحة عن الرياء، وهو أداء الأعمال الصالحة لجذب الانتباه والثناء من الناس. في سورة البقرة، الآية 264، يحذر الله تعالى بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ". هذه الآية تبين أن حتى أعمال الخير مثل الصدقة، إذا تمت بنية التباهي، فإنها تفقد أجرها الإلهي. هذا الحكم لا يقتصر على الصدقة فحسب، بل يشمل أي عمل صالح يكون هدفه الأساسي هو كسب رضا الناس بدلاً من رضا الله. مع ذلك، فإن القرآن لا يتبنى نهجًا موحدًا تمامًا فيما يتعلق بإفشاء الأعمال الصالحة. في بعض الحالات، يمكن أن يكون لإفشاء العمل الخيري فوائد وحِكَم، بشرط أن تكون النية الأساسية خالصة وابتغاء وجه الله. على سبيل المثال، في نفس سورة البقرة، الآية 271، يقول الله تعالى: "إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ". هذه الآية تشير إلى أن إظهار الصدقة "جيد"، ولكن إخفاءها "أفضل". لماذا أفضل؟ لأن إخفاءها يحمي الإنسان بشكل أكبر من خطر الرياء والعُجب، ويضمن إخلاصًا أكبر. ومع ذلك، فإن إظهارها يمكن أن يكون جيدًا أيضًا، بشرط أن يكون الهدف منها تشجيع الآخرين على فعل الخير، أو أن تكون قدوة للمجتمع. على سبيل المثال، إذا قام شخص بإعلان عمله الخيري بنية صادقة لتحفيز الآخرين على القيام بأعمال مماثلة، وساهم في ازدهار الخير في المجتمع، فإن هذا بحد ذاته يمكن اعتباره عملاً صالحًا. ولكن الشرط الأساسي هو أن تكون نيته الرئيسية هي مجرد تشجيع الآخرين وليس كسب الثناء والشهرة لنفسه. لذلك، فإن الإجابة على هذا السؤال ليست "لا" مطلقة أو "نعم" مطلقة، بل تتطلب توضيحًا وفهمًا عميقًا للنية والهدف. يؤكد الإسلام دائمًا على الاعتدال والتوسط. فإذا كان إظهار الخير يؤدي إلى الكبر والعُجب، وفقدان الإخلاص، فهو مذموم قطعًا. أما إذا كان الهدف هو التعليم، أو القدوة الحسنة، أو تشجيع الآخرين على الخير، أو بناء الثقة في المجتمع (كما في مشروع خيري يتطلب شفافية مالية)، فيمكن أن يكون مشروعًا ومستحبًا. النقطة الأهم هي أن القلب والنوايا هي محور الاهتمام. فالله تعالى أعلم ببواطن الناس ودوافعهم من أي أحد آخر. في سورة النجم، الآية 32، يقول الله تعالى: "فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى". هذه الآية تعني أنه لا ينبغي للإنسان أن يعتبر نفسه بريئًا من الذنوب أو أن يمدح نفسه، لأن الله أعلم ببواطن الأمور والنوايا. هذا دعوة للتواضع والتذلل. باختصار، في كثير من الحالات، يُفضل إخفاء الأعمال الصالحة، خاصة العبادات الشخصية والمساعدات الفردية، للحفاظ على الإخلاص والابتعاد عن الرياء. ولكن في الحالات التي يؤدي فيها إظهار الأعمال الصالحة إلى نفع عام، وتشجيع الآخرين على الخير، ونشر الفضيلة في المجتمع، وكانت النية خالصة، فليس ذلك جائزًا فحسب، بل قد يكون له أجر مضاعف أيضًا. المفتاح الرئيسي لفهم هذه المسألة يكمن في النية القلبية والهدف النهائي من أداء العمل الصالح والإعلان عنه. يجب على المرء أن يسأل نفسه: هل أقوم بهذا العمل لطلب رضا الله أم لجذب انتباه الناس؟ إذا كانت الإجابة هي الأولى، فسواء كان العمل مخفيًا أو معلنًا (مع مراعاة الشروط)، فهو مقبول؛ أما إذا كانت الإجابة هي الثانية، فإن العمل سيكون عديم الفائدة بل وضارًا. إذن، التحدث عن الأعمال الصالحة يجب أن يتم بتفكير وبنية حسنة، مع تجنب التباهي والرياء بشدة. هذا التوازن هو جوهر التعاليم القرآنية في هذا الصدد.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر ثري كلما تصدق أو فعل خيرًا، أرسل المنادين لينادوا في المدينة ليَعلم الناس جميعًا. وكان يظن أنه بذلك يكسب سمعة طيبة وأجرًا عظيمًا. وفي يوم من الأيام، قام رجل فقير لا يملك إلا قليلًا بمساعدة محتاج، ولكنه فعل ذلك في أقصى درجات السرية، بحيث لم يعلم به أحد إلا الله. بعد فترة، رأى التاجر في منامه أن أعماله توزن. فجاءت أعماله المعلنة خفيفة في الميزان ولم تجلب له سوى الرياح. كان قلقًا وخائفًا. فجأة، جاء نداء يقول: "يا عبد، لماذا ظننت أن أعمالك القائمة على المباهاة لها قيمة لدينا؟" استيقظ التاجر وتفكر بعمق. وفي نفس الليلة، رأى الرجل الفقير أيضًا حلمًا. فقد جاءت أعماله القليلة والمخفية ثقيلة جدًا في الميزان، لدرجة أن كفة حسناته التصقت بالأرض، وجاءه نداء سماوي يبشره: "يا عبد الله الصالح، لقد عملت من أجلنا لا من أجل الناس. فأجرك عندنا لا عند الخلق." تُظهر هاتان القصتان أن قيمة العمل تكمن في نقاء نيته، وليس في كثرته أو إعلانه. فالعظمة في العمل تكمن في عظمة النية.

الأسئلة ذات الصلة