من منظور القرآن، يمكن للنية الصادقة أن تغير مستقبل الفرد ضمن إطار القدر الإلهي، من خلال تحفيز الجهود الإيجابية وجلب العون الإلهي. النية هي أصل كل تحول داخلي، الذي يتبعه بعد ذلك تغيرات خارجية.
من منظور القرآن الكريم، سؤال ما إذا كانت النية تستطيع تغيير المستقبل هو سؤال عميق وذو مغزى، يتناول العلاقة المعقدة بين الإرادة الإلهية (القدر)، والإرادة الحرة للإنسان، ونتائج أفعاله. يؤكد القرآن بوضوح على أهمية النية وتأثيرها على مصير الإنسان، ولكن ليس بمعنى تجاهل القدر الإلهي، بل ضمن إطاره. فالنية، في الثقافة الإسلامية والقرآنية، ليست مجرد فكرة أو أمنية، بل هي العزم القلبي والإصرار الراسخ الذي يستند إليه الإنسان في جميع أفعاله وقراراته. هذا القصد الداخلي هو الذي يحدد قيمة العمل ووجهته، وبالتالي، يلعب دورًا حيويًا في تشكيل مستقبل الفرد. يُشير القرآن مرارًا وتكرارًا إلى حقيقة أن الله لن يغير حال قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. هذه الآية الكريمة في سورة الرعد، الآية 11، تنص بوضوح: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ». هذا التغيير الداخلي يبدأ أساسًا بالنية. فالنية الصافية والهادفة هي المحرك الرئيسي للانتقال نحو العمل الصالح. إذا نوى الفرد بنية خالصة وصادقة تحسين وضعه، سواء كان ماديًا أو روحيًا، فإن هذه النية تدفعه للجهاد والتغلب على العقبات، وفي النهاية، يقترب من تحقيق طموحاته. هذا بحد ذاته يُعد تغييرًا في المستقبل. لذلك، تعمل النية كعامل محفز للتغيير لأنها الأصل والمصدر لجميع الأفكار والتخطيطات والإجراءات اللاحقة. من ناحية أخرى، يؤكد القرآن على مبدأ أن الإنسان ليس له إلا ما سعى: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ» (سورة النجم، الآية 39). تُشير هذه الآية إلى أن الجهد والسعي ضروريان لتحقيق الأهداف، وأن النية الصالحة توجه هذه الجهود وتقويها. النية التي تُصاحبها العزيمة والإرادة تدفع الإنسان نحو إنجاز الأعمال التي تؤدي في النهاية إلى تغيير في حالته. على سبيل المثال، الفرد الذي لديه نية خالصة لاكتساب العلم والمعرفة، سوف يلتزم بالدراسة بجد واجتهاد، وبالتالي، سيكون له مستقبل مختلف عن شخص لا يمتلك مثل هذه النية. هذا التغيير في المستقبل هو نتيجة مباشرة للنية الأولية والجهود الناتجة عنها. كما أن للنية دورًا أساسيًا في مجال الدعاء (الدعاء والابتهال). ففي الإسلام، الدعاء وسيلة قوية للتواصل مع الله وطلب العون منه. النية الصادقة في الدعاء تزيد من فرص استجابته. على الرغم من أن الله قدير على كل شيء ويتصرف وفقًا لحكمته، إلا أن الدعاء الخالص يمكن أن يؤثر حتى في الأقدار المعلقة (أي الأقدار التي يمكن تغييرها). هذا يعني أن الله قد يغير أو يسهل قدر عبده بفضل النية الصافية والدعاء. هذا التأثير للدعاء هو أحد الأمثلة الملموسة لتغيير المستقبل بواسطة النية. علاوة على ذلك، تُحدد النية الأبعاد الأخلاقية والروحية للأفعال. فقد يكون لعمل واحد نتائج مختلفة تمامًا بناءً على النوايا المتغيرة. فإعطاء المال للفقير، إذا كان بنية الرياء والمباهاة، فإنه لا يحمل أي أجر روحي. أما إذا كان بنية خالصة لرضا الله ومساعدة خلقه، فإنه لا يجلب أجرًا أخرويًا فحسب، بل يمكن أن يجلب البركة والفرج في حياة الفرد الدنيوية أيضًا. هذه البركة والفرج تُعدان نوعًا من التغيير الإيجابي في مستقبل الفرد. ومع ذلك، من المهم أن ننظر إلى تأثير النية في إطار التوكل على الله وفهم القدر الإلهي. فالنية القوية لا تعني ضمان تحقيق كل رغبة بنسبة 100%، لأن الله هو القادر المطلق وحكمته تحيط بكل شيء. المستقبل النهائي والمؤكد للإنسان في يد الله، وبعض الأمور هي أقدار حتمية (قدر مبرم) لا تتغير. ولكن في كثير من الأمور، وخاصة تلك المتعلقة بالحياة اليومية والإنجازات الشخصية، يمكن أن تشكل نية الإنسان وجهده مسار الأحداث بطريقة تؤدي إلى تحقيق أهدافه، شريطة أن تكون هذه الأهداف متوافقة مع إرادة الله وحكمته. بمعنى آخر، تمنحنا النية القدرة على المساهمة في مصيرنا، وبالاختيارات الواعية والجهود القائمة على النية الصافية، أن نتحرك نحو مستقبل أكثر إشراقًا. هذا المنظور لا يمنح الأفراد الأمل والتحفيز فحسب، بل يحمّلهم مسؤولية أفعالهم وخياراتهم، ويمنحهم القوة ليصنعوا، بالاعتماد على الله وبنية صافية، مستقبلًا تتحقق فيه سعادة الدنيا والآخرة معًا. باختصار، النية هي بذرة الأعمال، والمستقبل هو ثمرة تلك البذرة. وكلما كانت النية أنقى وأقوى، كانت ثمرتها أشهى وأفضل.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري قلبه مضطرب باستمرار، وكان يخشى على مستقبله. كلما زادت ثروته، زادت همومه. في أحد الأيام، خلال رحلة، التقى بدرويش بدا عليه الفقر، لكن وجهه كان هادئًا وقلبه مطمئنًا. سأله التاجر: «يا رجل الله، مع كل هذه الثروة، لماذا لا أجد الراحة، وكيف لك، رغم فقرك، أن تمتلك هذا الهدوء؟» ابتسم الدرويش وقال: «أيها التاجر، نيتي هي أن كل ما أملكه وما سأملكه، يجب أن يكون وسيلة لتحقيق رضا الرب وخدمة خلقه. أنا لا أخشى شيئًا، لأني أعلم أن كل نية صادقة تُثمر ثمارًا حلوة. لقد بنيت نيتك على التجميع والتكديس، أما أنا فقد بنيت نيتي على العطاء والخدمة. كل نية تشكل مستقبلًا.» تأثر التاجر بكلام الدرويش تأثرًا عميقًا. فكر في نفسه أنه إذا غيّر نيته من مجرد التكديس إلى العطاء واستخدام الثروة في الخير، فربما يجد قلبه السلام ويشرق مستقبله. ومنذ ذلك الحين، أصلح التاجر نيته وأنفق جزءًا من ثروته في سبيل الخير. لم يمض وقت طويل حتى لم تتناقص ثروته فحسب، بل باركها الله، والأهم من ذلك، استقر في قلبه سلام لم يجربه من قبل قط. وهكذا، جلبت له النية الصافية مستقبلًا أكثر إشراقًا.