الطريقة الصحيحة لشرب الماء من منظور القرآن الكريم

القرآن الكريم لم يفصل آداب الشرب المادية، لكنه يؤكد على الشكر، والتأمل في عظمة الماء كمصدر للحياة من الله، وتجنب الإسراف في استهلاكه.

إجابة القرآن

الطريقة الصحيحة لشرب الماء من منظور القرآن الكريم

في تعاليم القرآن الكريم الشاملة والواسعة، الذي هو كتاب هداية وإرشاد لجميع جوانب الحياة البشرية، يمكن استخلاص مبادئ وأسس مهمة لكل فعل، بما في ذلك فعل شرب الماء. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن القرآن لم يتناول بشكل مباشر وتفصيلي الآداب الجسدية المحددة لشرب الماء، مثل الجلوس أو الشرب على دفعات أو ذكر معين أثناء الشرب. هذه التفاصيل توجد بشكل رئيسي في السنة والأحاديث النبوية، التي تكمل وتفسر القرآن. لكن هذا لا يعني غياب الإرشاد القرآني بشأن الماء؛ بل يؤكد القرآن على مبادئ أعمق وأكثر روحانية تمنح كل فعل، بما في ذلك شرب الماء، قيمة ومعنى عبادياً. يُعرف القرآن الكريم الماء بأنه من أعظم آيات الله ونعمه. ففي آيات عديدة، تُبرز الأهمية الحيوية للماء. على سبيل المثال، يقول الله تعالى في سورة الأنبياء، الآية 30: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾. هذه الآية تُبين بوضوح الدور الأساسي للماء في حياة جميع الكائنات الحية. هذه الحقيقة العلمية المتأصلة في كلام الله تذكرنا بأن كل قطرة ماء نشربها هي مصدر حياتنا وكل ما حولنا، وبالتالي، فهي معجزة وعلامة على عظمة الخالق. من منظور القرآن، يجب تفسير «الطريقة الصحيحة لشرب الماء» ضمن الإطار العام للتعاليم القرآنية حول النعم الإلهية والشكر عليها. المبدأ الأول والأهم هو الشكر. في سورة الواقعة، الآيات 68 إلى 70، يقول الله بلهجة استفهامية ومنبهة: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ۝ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ۝ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾. تدعو هذه الآيات صراحة الإنسان إلى الشكر والامتنان على نعمة الماء. لا يقتصر الشكر على مجرد قول «الحمد لله»؛ بل يشمل الفهم العميق للمصدر الإلهي لهذه النعمة، والتقدير القلبي، والاستخدام الصحيح والمسؤول لها. عندما نشرب الماء، يجب أن نتوقف لحظة ونفكر في كيفية نزول هذا السائل الحيوي من الغيوم، ونبعه من باطن الأرض، وتنقيه حتى يصبح متاحاً لنا بسهولة. هذا التأمل بحد ذاته جزء من الشكر. المبدأ الثاني هو التأمل في عظمة الخلق. الماء ليس فقط جوهر الحياة، بل هو أيضًا من علامات الله الواضحة على قدرته وحكمته. في سورة النحل، الآية 65، نقرأ: ﴿وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾. تدعونا هذه الآية إلى التأمل في دورة الحياة ودور الماء فيها. يمكن أن يكون شرب الماء فرصة للتأمل في هذه الآية الإلهية؛ كيف يحيي الله الأرض الميتة بسائل بسيط، ويُخرج أنواعًا مختلفة من المحاصيل والفواكه. هذا التأمل يحول شرب الماء من مجرد وظيفة بيولوجية إلى تجربة روحية واتصال مع الخالق. المبدأ الثالث هو تجنب الإسراف والتبذير. على الرغم من أن القرآن لا يحتوي على آية مباشرة خاصة بالإسراف في شرب الماء، إلا أنه يؤكد بشدة على المجنب العام لتجنب الإسراف في جميع النعم الإلهية. في سورة الأعراف، الآية 31، يقول الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. هذه الآية، وإن كانت تتحدث عن الأكل والشرب بشكل عام، تشمل الماء أيضًا. لذلك، يجب أن يتم شرب الماء باعتدال ودون إهدار. هذا يعني أنه في استهلاك الماء، سواء للشرب أو للاستخدامات الأخرى، يجب أن نكون حذرين ونتجنب الإفراط الذي يؤدي إلى إهدار هذه النعمة الإلهية. في عالم اليوم، حيث تواجه العديد من المناطق نقصًا في المياه، يكتسب هذا المبدأ القرآني أهمية مضاعفة ويذكرنا بكيفية استخدام الموارد الطبيعية بمسؤولية. لذلك، فإن الطريقة الصحيحة لشرب الماء من منظور القرآن الكريم، تركز على روح الفعل ونيته أكثر من تركيزها على الجانب المادي. تتضمن هذه الطريقة: أولاً، الشرب بقلب مليء بالشكر والامتنان لله تعالى الذي وفر هذه النعمة الحيوية. ثانياً، التأمل في عظمة الخلق وقدرة الله اللامتناهية الذي جعل الماء مصدرًا للحياة. ثالثاً، استهلاك الماء باعتدال وتجنب أي شكل من أشكال الإسراف أو الهدر. عندما يتناول الإنسان شرب الماء بهذا المنظور الروحي، فإن حتى الفعل اليومي البسيط يتحول إلى عبادة وفرصة للتقرب إلى الله. هذا النهج لا يسهم في صحة الجسد فحسب، بل يغذي الروح أيضًا ويزيد الوعي والاتصال بحقيقة الوجود. هذا يعني العيش في كل لحظة بذكر الله وتقدير نعمه، حتى في أبسط الأمور، مثل شرب كوب ماء بارد. هذه الطريقة لا تجلب السلام والبركة للفرد فحسب، بل توجهه أيضًا في سبيل الحفاظ على البيئة واحترام الموارد الطبيعية، لأن كل هذه نعم من رب العالمين.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن ملكًا في إحدى رحلاته ضل عن قافلته وكاد يهلك من شدة العطش. وفي النهاية، بفضل الله، وصل إلى كوخ متواضع، حيث استقبله رجل بسيط بكوب من الماء البارد. بعد أن شرب الملك وارتوى، غمرته السعادة بهذه النعمة المفاجئة لدرجة أنه وعد الرجل بنصف مملكته على الفور. عندما عاد الملك إلى قصره وقص الحكاية على وزيره، قال الوزير بتعجب: «أيها الملك! كيف تتنازل عن نصف المملكة مقابل كوب ماء واحد؟» فأجاب الملك بابتسامة عميقة ومعرفة: «أيها الوزير الحكيم، في تلك اللحظة التي تملكني فيها العطش، وكنت على وشك الهلاك، كان ذلك الكوب من الماء يساوي كل مملكتي، بل أكثر. كم هي كثيرة النعم المتاحة لنا، ونحن غافلون عن قيمتها حتى تصبح نادرة أو نفقدها. لا يعرف قيمة الماء إلا من عطش في الصحراء.» تؤكد هذه الحكاية من سعدي بجمال على القيمة السامية لنعمة الماء وضرورة الشكر والتقدير عليها، وهي نقطة أشير إليها كثيرًا في تعاليم القرآن الكريم.

الأسئلة ذات الصلة