لتجنب الرياء، أخلص نيتك وافعل الأعمال لوجه الله وحده. ركز على الثواب الإلهي لا مدح الناس، ولا تدع الخوف من الرياء يمنعك عن فعل الخير، بل عزز إخلاصك بالأعمال السرية.
أخي أو أختي الكريمة، سؤالك حول الخوف من الرياء (المظاهرة) هو سؤال عميق وحيوي يواجهه العديد من المؤمنين. هذا الخوف بحد ذاته هو علامة على اليقظة الروحية والرغبة الصادقة في الإخلاص ونقاء النية في سبيل الله. إن هذا القلق يستحق الثناء، فالرياء حقًا من أخطر أمراض القلب التي يمكن أن تبطل أجر الأعمال الصالحة. ولكن النقطة الأهم هي ألا نسمح لهذا الخوف بأن يشلّنا عن فعل الخيرات. يقدم القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إرشادات واضحة حول كيفية التغلب على هذا الوسواس وتحقيق الإخلاص الحقيقي. في الإسلام، محور جميع الأعمال والعبادات هو 'النية'. وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم قولته الشهيرة: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (رواه البخاري ومسلم). هذا الحديث الشريف يؤسس أن أساس أي عمل صالح يكمن في نقاء نيته. والرياء يقف نقيضًا مباشرًا لهذا الإخلاص. فالرياء يعني أداء الأعمال الصالحة أو العبادات أو الأعمال الخيرية بهدف أساسي هو كسب الثناء أو الإعجاب أو الشهرة من الناس، بدلاً من أن يكون الهدف الأساسي هو رضا الله وسعادته. يذم القرآن الكريم بشدة المرائين في عدة آيات. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 264، يصور الله هذا المفهوم ببراعة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ". توضح هذه الآية أن العمل الذي يتم بنية الرياء لا يجني أي ثمار عند الله، فهو مثل التراب الذي يغسله المطر ولا يبقى له أثر. علاوة على ذلك، في سورة الماعون، الآيات 4 إلى 7، يتم توبيخ الرياء في الصلاة بشدة: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ". تشير هذه الآيات بوضوح إلى أن الرياء لا يلغي الثواب الأخروي فحسب، بل يمكن اعتباره ذنبًا كبيرًا وشكلًا من أشكال الشرك الأصغر، لأنه يضع رضا المخلوق بجانب رضا الخالق. الخوف من الرياء، كما ذكرنا، يمكن أن يكون له جانبان. جانبه الإيجابي هو أنه يدل على اليقظة الروحية وميل القلب نحو الإخلاص. هذا الخوف يدفع الفرد إلى فحص نواياه باستمرار وتجنب المظاهرة. ومع ذلك، يظهر جانبه السلبي عندما يصبح هذا الخوف مفرطًا ويتحول إلى وسواس. في هذه الحالة، قد يمتنع الشخص عن أداء الأعمال الصالحة، سواء علانية أو سرًا، بحجة أن الآخرين قد يرونه مرائيًا. هذه الوسوسة هي حيلة من حيل الشيطان لمنع الأفراد من فعل الخير وحرمانهم من الأجر الإلهي. في الواقع، حتى في هذا السيناريو السلبي، لا يزال الشخص مهتمًا بنظرة الناس، ولكن الآن لتجنب الحكم السلبي بدلاً من السعي وراء الثناء الإيجابي. للتصدي بفعالية للخوف من الرياء ولأداء أعمالنا بإخلاص في الوقت نفسه، يجب علينا تبني عدة استراتيجيات عملية: 1. زراعة النية الصافية (الإخلاص): قبل الشروع في أي عمل، كبيرًا كان أم صغيرًا، استعرض نيتك الداخلية بوعي. ذكّر نفسك، "أنا أفعل هذا خالصًا لوجه الله، لرضاه، ولأكسب الأجر منه." هذه الممارسة المستمرة لتجديد النية ستوجه قلبك نحو الله وتقلل تدريجياً من وساوس الرياء. تذكر أن الله "عليم بذات الصدور"؛ إنه يعلم نواياك الخفية ويكافئك عليها. 2. التركيز على نظر الله، لا نظر الناس: ذكّر نفسك باستمرار أن موافقة الله ورضاه وحدهما هما ما يهمان حقًا. فثناء الناس زائل، لا يُعتمد عليه، ولا قيمة له في الآخرة. عندما تشعر ولو بقليل من الرغبة في أن تُرى أثناء أداء عمل صالح، أعد قلبك فورًا نحو الله وقل، "يا الله، لا أسعى إلا إلى رضاك." يساعدك هذا التمرين الذهني على تحويل تركيزك من المخلوق إلى الخالق. 3. أداء الأعمال السرية: إلى جانب الأعمال الصالحة التي قد تؤديها علانية بسبب الضرورة أو لإلهام الآخرين (بشرط أن تكون النية نقية)، احرص على أداء جزء من أعمالك الصالحة في السر. على سبيل المثال، التصدق بشكل مجهول، أو أداء الصلوات النافلة في الخلوة، أو مساعدة المحتاجين دون علم أحد. هذه الأعمال الخفية هي دواء فعال جدًا للقلب وتعمق إخلاصك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة أن تصدّق بيمينك فلا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك." 4. الاستعاذة بالله من الرياء: الرياء وسوسة شيطانية. اطلب من الله أن يحميك منه. من أجمل وأكثر الأدعية فعالية التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه". ردد هذا الدعاء كثيرًا وتأمل في معناه. 5. المحاسبة والتوبة: راجع أعمالك ونواياك بانتظام، من حين لآخر. هل أديت هذا العمل خالصًا لوجه الله؟ هل كان هناك أي أثر للرياء فيه؟ إذا وجدت أي أثر للرياء، فتب فورًا واطلب مغفرة الله. هذه المحاسبة والتوبة لا تقلل من ذنب الرياء فحسب، بل تطهر قلبك وتهيئه لمزيد من الإخلاص. لا يهم ما كان في الماضي، الأهم هو ما نفعله من الآن فصاعدًا. 6. عدم الاكتراث بمدح الناس وذمهم: عندما تؤدي عملًا صالحًا، لا تنتظر ثناء الناس، ولا تخف من نقدهم المحتمل. فرضا المخلوق ليس هدفك الأساسي. إذا كانت نيتك نقية، فسواء مدحك الناس أم لم يمدحوك، فإن أجرك محفوظ عند الله. 7. لا تتوقف أبدًا عن فعل الخير خوفًا من الرياء: هذه إحدى أكبر فخاخ الشيطان. إذا وسوس لك الشيطان قائلاً: "لا تفعل هذا، فقد يكون رياءً،" فلا تستمع إليه. طهّر نيتك وامض في العمل. التوقف عن فعل الخير خوفًا من الرياء هو بحد ذاته شكل من أشكال الرياء، لأنك لا تزال تهتم بحكم الناس (هذه المرة، حتى لا يعتبروك مرائيًا). المبدأ هو أداء الأعمال المخلصة، حتى لو كانت في مرأى العين. أخيرًا، أخي وأختي الكريمة، يجب أن نفهم أن الكفاح ضد الرياء هو جهاد داخلي مستمر. إنها رحلة روحية تتطلب الصبر والمثابرة والاعتماد العميق على الله. لا تيأس من رحمة الله وتفهمه لنواياك القلبية. إنه الأرحم وهو على علم بجهودك الصادقة لتحقيق الإخلاص. كل خطوة تخطوها لتطهير نيتك لها أجر عظيم. لذا، واصل طريقك بثقة، وقدم الأعمال الصالحة لربك بقلب مطمئن ونية خالصة. الله لا يرى إلا النوايا ويكافئ عليها.
في يوم من الأيام، بنى رجل ثري مسجداً فخماً، مزيناً بالرخام الثمين والزخارف الذهبية. كان يتحدث عن عظمته وسخائه في كل مجلس، متوقعاً الإعجاب من الجميع. وذات يوم، دخلت امرأة عجوز متواضعة، لم تكن تملك سوى مكنسة صغيرة، إلى المسجد. لاحظت وجود شبكة عنكبوت ملتصقة بزاوية من الجدار. بكل إخلاص، ومن أجل نظافة بيت الله فقط، قامت المرأة العجوز بكنس الشبكة بهدوء، دون أي تفكير في أن تُرى أو تُمدح. ويُقال إنه في نظر الإله، كانت تلك الكنسة الصغيرة الهادئة للمرأة العجوز، التي نبعت من نيتها الخالصة، أشرق نوراً من جميع قباب المسجد الذهبية التي بنيت للمظاهرة. فقيمة الأعمال ليست في عظمتها الظاهرية، بل في نقاء النية التي تكمن في قلب الإنسان.