كيف لا أخاف الله وفي نفس الوقت أدرك عظمته؟

الخوف من الله في القرآن ليس رعبًا، بل هو خشية وتقوى تنبع من المعرفة العميقة بعظمته. هذه المعرفة تجلب الطمأنينة، وتدفع الإنسان نحو الطاعة والقرب منه.

إجابة القرآن

كيف لا أخاف الله وفي نفس الوقت أدرك عظمته؟

سؤالكم عميق جداً ومفعم بالبصيرة، ويدل على فهم عميق لأبعاد العلاقة بين الإنسان وخالقه. عندما يُذكر مصطلح 'الخوف من الله' لكثير من الناس، يتبادر إلى أذهانهم فوراً صورة لإله غاضب ومعاقب، مما يسبب القلق والخوف. لكن التعاليم القرآنية تقدم معنى أسمى وأكثر طمأنينة لهذا المفهوم، لا يتعارض مع إدراك الهيبة والعظمة الإلهية، بل يكملها ويُعد جزءاً أساسياً منها. في الواقع، 'الخوف من الله' في القرآن الكريم يعني أكثر ما يعني 'الخشية' و'التقوى' و'مراقبة الله'، بدلاً من 'الرعب' و'الخوف المشلّ'. هذا الخوف هو خوف ينبع من المعرفة والإدراك والاحترام العميق للمقام الربوبي لله تعالى، ويتجذر في العلم والمعرفة بقدرته اللامتناهية وحكمته وعدله ورحمته. إنه الخوف الذي يدفع الإنسان إلى الطاعة والامتناع عن المعاصي، لأنه يعلم أن الله مطلع على كل شيء وقادر على كل شيء، وسيكافئ أو يعاقب كل عمل. هذا الخوف لا يسلب الطمأنينة، بل يؤدي إلى سلام داخلي وهداية نحو السعادة. لإدراك هذا التوازن الدقيق بين 'عدم الخوف' (بمعنى الرعب والقلق غير المبرر) و'إدراك الهيبة' (بمعنى الخشية والتقوى)، لا بد من الرجوع إلى آيات القرآن الكريم. يعلمنا القرآن أن الخشية الحقيقية من الله هي في الواقع نتاج المعرفة العميقة به. يقول الله تعالى في سورة فاطر، الآية 28: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ". هذه الآية توضح بجلاء أن الخوف الحقيقي والبناء من الله لا ينبع من الجهل، بل من قمة العلم والمعرفة به. كلما ازداد الإنسان معرفة بعظمة الله وقدرته وحكمته وعلمه، ازداد تواضعه أمامه، وازداد حرصه على ألا يفعل شيئاً قد يسبب غضبه. هذا الحرص هو عين التحرك نحو القرب الإلهي ونيل رضاه. وإدراك الهيبة الإلهية يتحقق من خلال التدبر في آيات الله في الآفاق وفي الأنفس. فخلق السماوات والأرض، والنظام الفريد للكون، وتعقيدات الوجود البشري، وقدرة الله اللامتناهية في تدبير الأمور، كلها علامات على عظمته ومجده. عندما ننظر إلى عظمة الجبال، واتساع المحيطات، وتفاصيل الخلايا المعقدة، وانتظام حركة الكواكب، فإننا لا شعورياً نخضع لقدرة خالقها الذي لا يحد. إدراك الهيبة هذا يعني إدراك جلال الله وكماله، مما يمنح الإنسان شعوراً بالصغر والعبودية المحضة. هذا الشعور ليس شعوراً بالضآلة، بل شعوراً بالاعتماد المطلق على الخالق الغني والقادر، مما يؤدي إلى الطمأنينة واليقين، لأنه يعلم أن سنده قوة لا حدود لها. الآية 255 من سورة البقرة، المعروفة بآية الكرسي، هي مثال بارز على وصف عظمة الله وهيبته. في هذه الآية نقرأ: "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ". هذه الآية، بوصفها الشامل لصفات الله مثل الحياة الأبدية، والقيومية، وعدم حاجته إلى سنة أو نوم، وملكيته المطلقة للوجود، وعلمه الشامل، وقدرته اللامحدودة على حفظ السماوات والأرض، تملأ قلب الإنسان بعظمة الله ومجده. التدبر في هذه الآية لا يجلب الخوف والرعب، بل يزيد اليقين والتوكل في قلب المؤمن، لأنه يعلم أنه تحت حماية قوة لا نهائية لا يخرج شيء عن نطاقها. لذلك، فإن السبيل الرئيسي لتحقيق هذا التوازن هو زيادة المعرفة والإدراك بالله. كلما ازداد معرفتنا بأسمائه وصفاته، وكلما تدبرنا في آياته (سواء في القرآن أو في الخلق)، وكلما تأملنا في أعمالنا ونتائجها أمام العدل الإلهي، اقتربنا أكثر من 'الخشية' و'التقوى' المرجوة. هذه الخشية هي خشية العبد المذنب من الرب الرحيم الحكيم الذي يدفعه إلى التوبة والعودة، لا خشية العبد من سيد ظالم. إنها حالة 'الخوف والرجاء' التي تضع المؤمن بين الخوف من العقاب والأمل في الرحمة الإلهية. هذه الحالة هي ما يعبر عنه القرآن في سورة الزمر، الآية 23: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ". هذه الآية تصف كيف ترتجف جلود الذين يخشون ربهم عند سماع الآيات الإلهية (علامة على الهيبة والعظمة)، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند ذكر الله وذكره. هذا هو التوازن المطلوب: أولاً الارتجاف من الهيبة، ثم الطمأنينة بذكر الله. هذا الخوف هو خوف بناء وروحاني يوقظ الإنسان من الغفلة ويدفعه نحو الحضور الدائم مع الله، وليس خوفاً يشل الحياة. يؤدي هذا الإدراك العميق لعظمة الله إلى التسليم والرضا القلبي الذي هو أسمى درجات الطمأنينة. تزدهر الحياة المؤمنة في ظل هذا التوازن بين الرجاء في الرحمة الإلهية والخوف من عدله، فتحقق السكينة الحقيقية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في قديم الزمان، استدعى ملك قوي وعادل عالماً حكيماً إلى بلاطه. كان العديد من الحاشية يرتجفون خوفاً من هيبة الملك، ويدخلون عليه بتردد وقلق. لكن العالم دخل بهدوء لا يوصف، وانحنى باحترام بالغ، دون أن يفقد شيئاً من وقاره وهدوئه. دهش الملك من سلوكه وسأله: "لماذا لا تخاف مني مثل الآخرين؟" ابتسم العالم وقال: "يا ملك، لا أخاف من غضبك، لأني أعرف عدلك. لكن هيبتي هي للواحد الذي يشمل حكمه حكمك، والذي أمام عظمته الملوك ليسوا إلا عبيداً متواضعين. إدراك عظمته يمنحني السلام، لا الخوف. لأنه يذكرني بضرورة السير دائماً في طريق الحق والعدل لأحظى برضاه." تأثر الملك بحكمته ورفع من قدره في قلبه.

الأسئلة ذات الصلة