هل لكل إنسان مهمة واحدة؟

لكل البشر مهمة أساسية مشتركة: عبادة الله وإعمار الأرض. لكن هذه المهمة تتجلى بشكل فريد في حياة كل فرد، تتناسب مع مواهبهم وأدوارهم المختلفة.

إجابة القرآن

هل لكل إنسان مهمة واحدة؟

«هل لكل إنسان مهمة واحدة؟» هذا السؤال العميق يتناول جوهر الوجود البشري وهدف الخلق، وهو موضوع تناوله القرآن الكريم بتوسع. من المنظور الإسلامي، الإجابة على هذا السؤال هي «نعم» مدوية وفي الوقت نفسه «لا» دقيقة ومفصلة. فبينما يشترك جميع البشر في مهمة أساسية واحدة شاملة، فإن الطرق التي تتجلى بها هذه المهمة وتتحقق متنوعة بشكل لا يصدق، ومصممة لتناسب مواهب كل فرد وظروفه وأدواره الفريدة. في جوهره، يكشف القرآن أن المهمة الأساسية والكونية لجميع البشر ذات شقين: عبادة الله (سبحانه وتعالى) وأن يكونوا خلفاءه في الأرض. يتجلى الجانب الأول بوضوح في سورة الذاريات (الآية 56)، حيث يقول الله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ». تحدد هذه الآية الغرض الأسمى من الخلق. ومع ذلك، فإن «العبادة» في الإسلام أشمل بكثير من مجرد الصلوات الشعائرية أو الصيام. إنها تشمل كل جانب من جوانب الحياة. فالعبادة الحقيقية تتضمن العيش في حالة من الوعي الدائم بالله، وإظهار الشكر لنعمه، والسعي لمواءمة النوايا والأفعال والشخصية مع إرادته الإلهية وأوامره. وهذا يعني إجراء المعاملات التجارية بأخلاق، ومعاملة الأهل والجيران بلطف، وطلب العلم، والعمل بجد واجتهاد، وإقامة العدل، وحتى الاستمتاع بالطيبات الحلال، وكل ذلك بوعي وإدراك لرضا الخالق. فكل عمل صالح، وكل فعل من أفعال الرحمة، وكل لحظة تفكر في آيات الله في الكون، عندما تتم بإخلاص ونية صافية، تصبح عبادة. هذه المهمة الأساسية مشتركة بين كل نفس، بغض النظر عن خلفيتها أو مكانتها أو موقعها. الجانب الأساسي الثاني من مهمة البشرية المشتركة يوضحه الله تعالى في سورة البقرة (الآية 30)، حيث أخبر الله الملائكة: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً». يشير مصطلح «خليفة» إلى وصي أو وكيل أو قائم مقام. لقد أوكلت للبشر مسؤولية رعاية الأرض، وإدارة مواردها بحكمة، والحفاظ على توازنها الدقيق، وتعزيز مجتمع عادل ومزدهر. يتضمن هذا الدور إقامة العدل، وتعزيز السلام، والقضاء على الفساد، وتخفيف المعاناة، واستخدام خيرات الأرض بمسؤولية لصالح جميع المخلوقات. إنها مسؤولية ثقيلة ولكنها شريفة، وتؤكد على المكانة الفريدة للبشرية في النظام الكوني. يساهم كل فرد، بقدرته الخاصة، في تحقيق هذه الخلافة، سواء من خلال حماية البيئة، أو تعليم الشباب، أو ابتكار حلول للمشكلات المجتمعية، أو ببساطة الحفاظ على أسرة مسالمة ومتناغمة. إن التنوع في كيفية أداء هذه المهام الشاملة أمر بالغ الأهمية. فبينما الأهداف النهائية - العبادة والخلافة - عالمية، فقد وهب الله كل شخص مواهب ومهارات واستعدادات مميزة، ووضعهم في بيئات فريدة. هذا التنوع ليس عرضيًا؛ بل هو جزء من التصميم الإلهي. تؤكد سورة الملك (الآية 2) على ذلك: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا». الحياة نفسها اختبار، ويتم اختبار الأفراد من خلال كيفية استخدامهم لمواهبهم الخاصة وتكيفهم مع ظروفهم الخاصة لتحقيق المهمة المشتركة. فالطبيب يؤدي مهمته بشفاء المرضى برحمة ومهارة، والمهندس بتصميم هياكل تفيد البشرية وتكون مستدامة، والمعلم بتربية العقول والأخلاق، والفنان بخلق الجمال الذي يلهم التفكر، والوالد بتربية الأبناء الصالحين، والعامل بالمساهمة في الاقتصاد بصدق واجتهاد. حتى في المهام اليومية التي تبدو عادية، عندما تُؤدى بجهد واعٍ وإخلاص ووعي بالله، تصبح جزءًا من هذا الهدف الأكبر. فالمزارع الذي يرعى الأرض، والخياط الذي ينسج الملابس، أو ربة المنزل التي تدير شؤون البيت - كل منهم يؤدي دورًا حيويًا في النسيج المعقد للمجتمع البشري، وبالتالي يساهم في المهمة العظيمة للخلافة والعبادة. المفتاح هنا هو النية الصادقة وجودة العمل (الإحسان). علاوة على ذلك، يؤكد القرآن على ترابط المهام الفردية. فلا وجود لهدف أي إنسان بمعزل عن الآخرين. فجهودنا الفردية، عندما توجه نحو الخير، تساهم بشكل جماعي في إقامة مجتمع عادل ورحيم ومزدهر يعكس المبادئ الإلهية. ويبرز مفهوم «الأمة» في الإسلام هذه المسؤولية الجماعية. كل فرد هو جزء حيوي في آلة المجتمع، وأداؤه الأمثل يساهم في رفاهية الجميع. وهذا يعني أنه بينما قد تختلف «وظيفتي» أو «دوري» الخاص عن دورك، فإننا نعمل كلاهما نحو نفس الهدف الأسمى: إرضاء الله بخدمة خلقه والحفاظ على العدل في الأرض. فهم هذه الطبيعة المزدوجة للمهمة البشرية – هدف نهائي واحد مع تجليات فردية متنوعة – يضفي معنى عميقًا على الحياة. إنه يحول المهام اليومية من مجرد روتين إلى أعمال عبادة. إنه يمكّن الأفراد من إيجاد الغاية والكرامة في مساهماتهم الفريدة، مع العلم أن جهودهم، مهما بدت صغيرة، ذات أهمية كبيرة في نظر الله. إنه يشجع على اكتشاف الذات، مما يتيح للأفراد تحديد مواهبهم الفريدة واستخدامها بطرق تفيدهم، وتفيد مجتمعاتهم، وفي النهاية، تقربهم من خالقهم. إنه يعزز الشعور بالمسؤولية، ويحث الأفراد على العيش بوعي وأخلاق وهدف، مع مراعاة مسؤوليتهم الدائمة تجاه الله. وفي الختام، بينما تتعدد التعبيرات الخارجية للمساعي البشرية، فإن المهمة الأساسية لكل البشرية هي في الحقيقة واحدة: أن يعترفوا بالله ويعبدوه ويخدموه، وأن يكونوا خلفاءه المسؤولين في الأرض، كل بطريقته الفريدة، يسعون للتميز في الأعمال الصالحة، لأن هذه الحياة ليست سوى اختبار عظيم وفرصة لكسب القرب الأبدي من الإله.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، قال رجل حكيم لتلاميذه: «انظروا إلى هذا العالم، كيف لكل مخلوق مهمة ونعمة. الجبل راسخ، والمطر يهطل، والزهرة تفوح عطرًا. هل تظنون أن الواجب يقع على عاتق العظماء فقط؟ لا! تلك النحلة الصغيرة التي تصنع العسل، وتلك النملة التي تحمل حبة، كل واحدة منهما، بنصيبها، تؤدي عملًا يحافظ على نظام العالم. فلكل إنسان مهمة، سواء كان ملكًا ينشر العدل، أو فلاحًا يعمر الأرض. المهم هو أن تؤدي كل عمل بإخلاص ونية حسنة، فعندئذٍ سيجلس كل عمل صغير، كجبل من الذهب في ميزان أعمالك.»

الأسئلة ذات الصلة