الخوف المفرط من المستقبل، إذا أدى إلى اليأس وعدم التوكل على الله، يضعف الإيمان. الإيمان القوي يؤدي إلى التوكل والصبر والأمل في الرحمة الإلهية، ويحرر المرء من الخوف المشل.
الخوف من المستقبل هو أحد التحديات العميقة والمنتشرة التي واجهتها البشرية عبر التاريخ. تتعدد جذور هذا الخوف؛ من المخاوف المالية والمهنية إلى القلق بشأن الصحة والعلاقات وحتى المصير العام للحياة. من منظور القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، يرتبط التعامل مع هذا الخوف والقلق بشأن المستقبل ارتباطًا مباشرًا بعمق وجودة إيمان الإنسان بالله تعالى. والإجابة المختصرة على سؤال ما إذا كان الخوف من المستقبل يقلل من الإيمان بالله هي نعم؛ لكن هذه الإجابة تحتاج إلى توضيح وتفصيل لتتضح أبعادها المختلفة. يصف القرآن الكريم الإيمان ليس مجرد اعتقاد قلبي، بل حالة نفسية وسلوكية مبنية على التوكل الكامل على الله. التوكل يعني الثقة وتفويض الأمور إلى الله بعد بذل الجهد اللازم وأداء الواجبات. عندما يخاف الإنسان من المستقبل، يمكن أن يكون هذا الخوف علامة على ضعف هذا التوكل؛ لأن الخوف المفرط مما لم يأت بعد يعني عملياً عدم الثقة بالتدبير الإلهي وقدرة الله المطلقة. لقد وعد الله المؤمنين في آيات عديدة أنه إذا اتقوا وتوكلوا عليه، فإنه سيكون كافيهم لأمورهم. على سبيل المثال، في سورة الطلاق، الآية 3، يقول: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾؛ أي: «ومن يتوكل على الله فهو كافيه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدراً.» هذه الآية تبين بوضوح أن التوكل الصحيح يجلب الطمأنينة القلبية والسكينة، ويحل محل الخوف. إذا كان الإنسان يؤمن حقًا بأن الله هو مدبر الكون وأنه لا يترك عباده الصالحين أبدًا، فلا ينبغي أن يكون لديه خوف مشلّ من المستقبل. الخوف من المستقبل، إذا بلغ حدًا يمنع الإنسان من السعي، أو يقوده إلى الذنب واليأس، فإنه بالتأكيد يقلل من إيمانه. هذا النوع من الخوف غالبًا ما ينشأ من التركيز المفرط على الجوانب المادية والفانية من الدنيا وإهمال قوة الله اللامتناهية. بينما المؤمن الحقيقي دائمًا يأمل في رحمة الله، ويعلم أن كل خير بيد الله. في سورة يوسف، الآية 87، نقرأ: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾؛ أي: «ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.» اليأس والقنوط، اللذان غالبًا ما يصاحبان الخوف من المستقبل، يعتبران من صفات الكافرين ويتنافيان مع الإيمان. بالطبع، يجب التمييز بين «الخوف» و«الاحتياط». القلق المعقول والاحتياط لتخطيط المستقبل أمر طبيعي ومستحسن، ويدفع الإنسان إلى السعي والتخطيط. هذا النوع من الاحتياط لا يقلل من الإيمان فحسب، بل هو عين الإيمان؛ لأن المؤمن يعلم أنه يجب عليه الاستفادة من الأسباب والوسائل الدنيوية ثم يتوكل على الله. أما ما يُذم، فهو الخوف المشل والمصحوب بعدم الثقة بالله الذي يمنع الإنسان من الحركة ويقوده إلى اليأس. يدعو القرآن الكريم المؤمنين ألا يخافوا من المستقبل ولا يحزنوا على الماضي. في سورة يونس، الآية 62، يقول: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾؛ أي: «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.» هذه الآية تبين أن الإيمان القوي والصداقة مع الله تمنع الخوف والحزن. للتغلب على الخوف من المستقبل وتقوية الإيمان، يقدم القرآن حلولًا عملية. الحل الأول هو زيادة المعرفة بالله وصفاته. كلما عرف الإنسان الله بشكل أفضل وتوصل إلى قدرته وعلمه وحكمته اللامتناهية، زادت ثقته. ثانيًا، المداومة على الذكر وعبادة الله، مثل الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن. ذكر الله يريح القلوب، كما جاء في سورة الرعد، الآية 28: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾؛ أي: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.» ثالثًا، السعي والاجتهاد في سبيل الله وأداء الواجبات، مع الإيمان بأن النتيجة النهائية بيد الله. رابعًا، الصبر والتحمل في مواجهة الصعوبات والشدائد. الصبر مفتاح الطمأنينة والفرج، والإنسان الصبور أقل تأثرًا بمخاوف المستقبل. في الختام، يجب القول إن الخوف من المستقبل، بقدر ما يصبح قلقًا مشلًا، يقلل بلا شك من إيمان الإنسان، لأنه يدل على عدم كفاية الثقة بقدرة الله ورحمته. ولكن الإيمان القوي يسلح الإنسان بالتوكل والصبر ليجتاز طريق الحياة بهدوء وثقة، آملاً في فضل الله، وعالماً بأن ما سيحدث، فيه الخير والصلاح، حتى لو لم يظهر ذلك ظاهرياً.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري يخشى دائمًا على مستقبله. كلما زاد ثراءه، ازداد قلقه من أن يفقده يومًا ما. وهكذا، كان يعاني ليلاً ونهارًا من الضيق والقلق، فلا يهنأ بنوم ولا طعام. وفي أحد الأيام، صادف في طريقه درويشًا، بدا هادئ الوجه ومبتسمًا رغم فقره الظاهر. سأله التاجر: «كيف لي، ومع كل هذه النعم، أن أشتعل بنار القلق، بينما أنت، على حالك هذا، في مثل هذه الطمأنينة؟» فأجاب الدرويش: «يا تاجر، لقد سلمت قلبي لخالق يرزقني كل يوم ولا ينساني أبدًا. هو من دبر الأمس، وهو من يدبر اليوم، والغد أيضًا بيده. أنا فقط أقوم بواجبي وأترك الباقي لكرمه. كيف أخاف من مستقبل مدبره حكيم وقوي إلى هذا الحد؟» أخذ التاجر العبرة من هذه الكلمات، وأدرك أن الطمأنينة الحقيقية تكمن في التوكل على الله، لا في جمع المال والخوف من المستقبل.