يرزق الله جميع البشر برحمته العامة وينعم عليهم، ولكن محبته الخاصة ومكافآته مخصصة لأولئك الذين يستحقونها بالإيمان والأعمال الصالحة.
موضوع محبة الله وعطفه على عباده من أعمق وأجمل المفاهيم في التعاليم القرآنية والإسلامية. لفهم ما إذا كان الله يحب جميع البشر بالتساوي، يجب علينا أن نولي اهتمامًا للأبعاد المختلفة للرحمة والمحبة الإلهية كما هي موضحة في القرآن الكريم. ويمكن العثور على إجابة هذا السؤال في التفريق بين رحمة الله العامة (الرحمانية) ورحمته الخاصة (الرحيمية). أولاً، يجب التأكيد على أن الله، من حيث رحمته العامة والشاملة التي تتجلى في القرآن بصفة "الرحمن"، يشمل جميع الكائنات والبشر. صفة "الرحمن" تعني الرحمة الواسعة والجامعة التي تشمل المؤمن والكافر، الصالح والطالح على حد سواء. هذه الرحمة العامة هي التي ترزق جميع المخلوقات، وتمنحهم فرصة الحياة، والهداية، والاختيار. فجميع البشر، بغض النظر عن معتقداتهم وأعمالهم، يستفيدون من نعم الله مثل الهواء، والماء، وضوء الشمس، والصحة، وفرص الحياة. هذا مظهر من محبة الله اللامتناهية وعطفه الذي يجري بلا قيد أو شرط على الجميع. في سورة الفاتحة، يُعرّف الله نفسه بـ "الرحمن الرحيم"، وهذا يدل على عموم رحمته في بداية كل أمر ولجميع الكائنات. فالله هو الخالق والرب للجميع، وجميع المخلوقات هم عياله. مع ذلك، يوضح القرآن الكريم صراحة أنه بجانب هذه الرحمة العامة والمحبة الشاملة، فإن الله يمتلك رحمة خاصة وأعمق لا تشمل إلا فئة معينة من عباده. هذه الرحمة، التي ذُكرت في القرآن بصفة "الرحيم" (الرحيم بخاصة من خلقه)، هي مخصصة لأولئك الذين يؤمنون، ويقومون بالأعمال الصالحة، ويتقون الله، ويصبرون، ويحسنون، ويجاهدون في سبيل الله. هذه المحبة الخاصة تعني الهداية الخاصة، والتأييد، وغفران الذنوب، والمكافآت الإلهية في الدنيا والآخرة، وأن يكونوا ضمن أولياء الله والمقربين إليه. في الواقع، هذه المحبة الخاصة هي مكافأة للاختيارات الصحيحة والأعمال الطيبة التي يقوم بها الإنسان بإرادته الحرة. يُبين القرآن الكريم هذا الفرق في آيات متعددة. فمن جهة يقول: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ" (الأعراف، الآية 156)، مما يدل بوضوح على شمولية الرحمة الإلهية، ولكنه يخص بها المتقين والمؤمنين بآياته. وهذا يعني أنه على الرغم من أن رحمة الله العامة تشمل الجميع، إلا أن رحمته ومحبته الخاصة تمنح لأولئك الذين أعدوا أنفسهم لها بأعمالهم واختياراتهم. من ناحية أخرى، توجد آيات كثيرة في القرآن تنص صراحة على أن الله لا يحب بعض الفئات أو مرتكبي بعض الأفعال. على سبيل المثال، الله لا يحب "المعتدين" (البقرة، الآية 190)، "المفسدين" (المائدة، الآية 64)، "الكافرين" (الروم، الآية 45)، "الظالمين" (آل عمران، الآية 57)، "المتكبرين" (النحل، الآية 23)، "الفرحين" (القصص، الآية 76)، "الخائنين" (الأنفال، الآية 58)، و"المسرفين" (الأنعام، الآية 141). هذا "عدم المحبة" لا يعني الكراهية الإلهية بالمعنى البشري، بل يعني حرمان هؤلاء الأفراد من لطف الله الخاص، وهدايته، ومكافآته، وبالمقابل يجعلهم مستحقين للعقاب. هذا النهج يتوافق مع العدل الإلهي. فلو أن الله لم يفرق في مقدار المحبة والمكافأة بين من أفنى حياته في خدمة الخلق والتقوى وبين من انغمس في الظلم والفساد، لما كان ذلك متسقًا مع عدل الله. كما يذكر القرآن مرارًا وتكرارًا من يحبهم الله: "الصابرين" (آل عمران، الآية 146)، "المحسنين" (البقرة، الآية 195)، "المتوكلين" (آل عمران، الآية 159)، "المتطهرين" (البقرة، الآية 222)، "التوابين" (البقرة، الآية 222)، و"المتقين" (التوبة، الآية 4). هذه الآيات تدل على أن محبة الله الخاصة هي ثمرة للتقوى، والعمل الصالح، واتباع الأوامر الإلهية. إنها دعوة نحو اختيار الطريق الصحيح والتأهل لاستقبال محبة الله وعنايته الخاصة. لذلك، يمكن الاستنتاج أن الله لا يحب جميع البشر بنفس القدر أو بنفس النوع. فجميعهم مشمولون برحمته العامة، ولا يحرم أحداً من رزقه وتنفسه، لكن محبته الخاصة، التي تؤدي إلى السعادة الأبدية والمكافآت العظيمة، مخصصة لأولئك الذين يكسبون هذا المقام الرفيع باختياراتهم الواعية وأعمالهم الصالحة. هذا التفضيل لا يقوم على التمييز، بل على العدل والحكمة والاختيار البشري. فالإنسان حر في اختيار طريق الكفر أو الإيمان، والخير أو الشر، وبالتالي، سيكون مؤهلاً لرحمة الله العامة أو رحمته الخاصة. والهدف من هذا التمييز هو تشجيع الإنسان على الإحسان، والتقوى، واجتناب المعاصي، حتى يصل إلى أعلى درجات محبة الله وقربه.
كان يا مكان، في مدينة عظيمة، يحكم ملك عادل وكريم. كان مشهوراً بين شعبه بسخائه وعدله. كل عام، يقيم الملك وليمة كبرى ويقدم الهدايا لجميع سكان المدينة، الأغنياء والفقراء على حد سواء. كان الجميع يستفيد من لطف الملك، ولم يجوع أحد، لأن الملك كان يؤمن بأن توفير الرزق لجميع رعاياه واجبه. ولكن، إلى جانب هذا الكرم العام، كان الملك يولي اهتماماً خاصاً لأولئك الذين يجتهدون في سبيل ازدهار البلاد، ويحترم العلماء، ويقدم مكافآت خاصة للمزارعين المجتهدين. كان يغدق على الذين يقدرون العلم والمعرفة أو يعملون من أجل رفاهية المجتمع بمزيد من العناية والاهتمام الخاص. هذا التمييز في اللطف والمكافأة لم يكن بقصد التقليل من شأن الآخرين، بل لتشجيع الناس على بذل المزيد من الجهد والخير. كان الملك يقول: "مودتي تشمل الجميع، ولكن مكافآتي وقربي لمن يصنعون أنفسهم أهلاً لذلك." تذكرنا هذه القصة على طريقة سعدي بأن رحمة الله تغطي جميع العوالم، ولكن بركاته الخاصة ومحبته هي ثمار الأعمال الصالحة والقلوب النقية.