نية وهدف الأفعال مهمة للغاية وتؤخذ في الاعتبار من قبل الله.
في القرآن الكريم، يُعَدُّ حقيقة النية والغرض من الأفعال لدى الأفراد أمراً جوهرياً يُعبر عن أبعاد السلوك الإنساني ويدل على المنطلقات الروحية التي تحدد مصير الإنسان في الدنيا والآخرة. ومن الآيات المهمة في هذا السياق، ما جاء في سورة البقرة، الآية 225: 'لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم'. يُظهر هذا النص القرآني كيف أن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى ما في قلوب الناس، مُعطياً تقييماً لمعاملاتهم بناءً على نواياهم وأحاسيسهم الداخلية، وهذا يجعل مسألة القلب في الإسلام من الأمور الأساسية التي ينبغي الالتفات إليها. للنية دور محوري في تحديد قيمة الأفعال، إذ لا تُقيم الأفعال على ظاهرها فقط بل تأخذ بعين الاعتبار الدوافع والأغراض الحقيقية وراءها. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: 'إنما الأعمال بالنيات'، وهذا الحديث يأتي ليعزز المفهوم الذي يتجاوز العمل الخارجي، مُشيراً إلى أن كل عمل بدونه يفتقد إلى الروح والنيّة. تبرز هذه الأحكام أهمية صفاء النية وإخلاص القلب في أداء الأعمال، حيث إن النية الخالصة تعتبر من أسس قبول الأعمال عند الله. فمثلاً، إذا قام إنسان بفعل خير مثل التصدق أو مساعدة المحتاجين، فإن قيمة هذا العمل ترتبط بشكل مباشر بنية هذا الشخص. فإذا كانت نيته هي الحصول على رضا الله والتقرب إليه، فإن عمله سيُجزى من الله، أما إذا كانت نواياه دنيوية - كمثل الرغبة في التفاخر أو الحصول على الثناء من الآخرين - فإن العمل سيُعتبر ناقصًا أو حتى بلا قيمة. لذا، فإن صفاء النية يتحول إلى مفتاح لفتح الأبواب أمام رحمة الله. من خلال هذه الآية، يتضح أن الدين الإسلامي لا يقتصر على السلوكيات الظاهرة، بل يتناول البُنَى الداخلية أيضاً التي تدفع الإنسان للعمل. لذا، يجب أن تكون السلوكيات والأفعال منبثقة من قلوب ينبغي أن تعيش حالة من الخشوع والتواضع والصدق. هذا يُعطينا دروسًا مهمة في كيفية التعامل مع أنفسنا ومع الآخرين من حولنا، حيث أن إرساء المبادئ الأخلاقية والتقوى في القلب هو أساس لكل عمل صالح. الشخص الذي يسعى لتحقيق الخير لنفسه أو لمجتمعه ينبغي أن يتفكر مليًا في نواياه، لأن كل فعل يتطلب تأملًا عميقًا في الهدف منه. فالنية تُعدّ نافذة تعكس ما بداخلنا، وهي تعبير عن شغف الروح ودافع القلب. من هذا المنطلق، تُعتبر النية بمثابة المرآة التي تعكس المعاني الحقيقية للأفعال، وتساعد الأفراد على تحقيق التكامل بين القول والفعل. كما يذكرنا الله سبحانه وتعالى في مواطن أخرى من القرآن أن الأفعال التي تنبع من حسن النية سيكون لها ثمارٌ طيّبة. إن العمل بنية سديدة يفتح أمام العبد أبواب الفلاح والنجاح، وفي الواقع، فإن الأعمال التي تتم بنية صافية يمكن أن تُغير مسار حياة الأفراد، وتسمح لهم بتجربة الطمأنينة والسعادة الدائمة. إن إدراك مكانة النية يعزز من قيمة العمل الإسلامي ويحث الأفراد على تحقيق الأثر الإيجابي في المجتمع. ختامًا، ينبغي علينا جميعًا أن نتجه نحو تصفية نوايا قلوبنا وأن نعمل على تحسينها بشكل مستمر. إن النوايا تُعتبر نبراساً ينير دروبنا ويمنح لحياتنا معنى حقيقي، مما يجعل من الضروري الالتفات إلى هذا الجانب الروحي في كل جانب من جوانب حياتنا العملية. فقيمة العمل لدينا لا تأتي من كمية الأعمال التي نقوم بها، بل من كيف وأين نوجه قلوبنا ونوايانا. ولذلك، نقترح على المسلم أن يستغرق وقتًا للتدبر والتأمل في نواياه قبل أي عمل أو فعل، ليكون الأجر والثواب حليفه في الدنيا والآخرة.
في يوم صيفي ، ذهب رجل يُدعى حسن إلى السوق وصادف امرأة مسنّة قالت له: 'يا حسن ، أهم شيء في الحياة هو نيتك. إذا كان لديك نية صادقة ، فسوف يبارك الله مساعيك.' بعد التفكير في هذا القول ، قرر حسن أن يطهر نواياه في جميع أفعاله ، وبعدها شعر أن حياته قد تغيرت للأفضل ، مليئة بالبركات مثلما لم يكن من قبل.