لا، الحياة في هذه الدنيا لا تتكرر؛ فلكل فرد فرصة واحدة للعيش والعمل. بعد الموت، تدخل الروح عالم البرزخ ثم تُبعث في يوم القيامة للمحاسبة، وليس للعودة إلى الدنيا.
إن سؤال ما إذا كانت الحياة تتكرر أم أنها تجربة واحدة فقط هو سؤال عميق يمس جوهر الوجود البشري والمصير. من المنظور الإسلامي والقرآني، الإجابة واضحة بشكل قاطع: الحياة على هذه الأرض هي رحلة فريدة، لا تتكرر. إنها فرصة واحدة لا تقدر بثمن، اختبار عظيم، ومعبر قصير نحو حقيقة أبدية. إن مفهوم التناسخ، أو العودة إلى هذا العالم في شكل جسدي آخر بعد الموت، مرفوض صراحة في القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية. يقدم القرآن الكريم نظرة شاملة للعالم حيث تعتبر هذه الحياة الدنيا مرحلة مؤقتة، اختبارًا صممه الخالق لتمييز الصادقين في إيمانهم والصالحين في أعمالهم عن غيرهم. يُمنح كل فرد عمرًا ثمينًا واحدًا على الأرض ليحقق غايته: أن يعرف الله، ويعبده، ويعيش مستقيمًا، ويسعى إلى فعل الخير. هذه الفردية للحياة تضفي عليها أهمية هائلة، وتحث المؤمنين على الاستفادة القصوى من كل لحظة، لأنه لن تكون هناك فرصة ثانية لأداء الأعمال الصالحة في هذا العالم. عندما ينتهي أجل الفرد في هذه الدنيا، يختبر الموت، الذي ليس فناءً وإنما هو انتقال للروح من العالم المادي إلى حالة برزخية تعرف باسم "البرزخ". يصف القرآن هذا الانتقال بجمال، مشيرًا إلى أن الروح تستمر في الوجود في بُعد بين هذا العالم والآخرة. في البرزخ، يبدأ الأفراد في رؤية النتائج الأولية لأعمالهم في الحياة الدنيا، حيث يختبرون إما الراحة أو العذاب بناءً على أعمالهم. تعمل هذه الفترة كفترة انتظار حتى بلوغ الذروة النهائية للتاريخ البشري: يوم القيامة. في يوم القيامة، سيُبعث جميع البشر، من أول إنسان إلى آخره، ويعودون إلى الحياة في شكل جديد ليقفوا أمام الله (عز وجل). هذه هي الحياة الثانية المشار إليها في بعض الآيات القرآنية، وتمييزًا لها عن الحياة الدنيوية الواحدة. إنها ليست عودة إلى الوجود الدنيوي، بل هي محكمة كبرى للمحاسبة. كل عمل، وكل نية، وكل كلمة قيلت، وكل فكر استكن في الصدر، سيُعرض ويُوزن. يؤكد القرآن أنه في هذا اليوم، لن تُظلم نفس شيئًا، وسينال كل واحد جزاءً عادلاً لما كسب. إن الرفض القرآني للتناسخ واضح في عدة آيات قوية. على سبيل المثال، في سورة المؤمنون (الآيات ٩٩-١٠٠)، يصف الله دعاء أولئك الذين يواجهون الموت ويدركون سوء أعمالهم: "حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ". تصور هذه الآية بوضوح رغبة الميت في العودة إلى الحياة لتصحيح ماضيه، ولكن طلبه يُرفض بشدة، مما يسلط الضوء على النهائية المطلقة للرحلة الدنيوية ووجود البرزخ حتى البعث. وبالمثل، تصور سورة الأنعام (الآيات ٢٧-٢٨) ندم الكافرين يوم القيامة، متمنين لو يعودون إلى الأرض ليؤمنوا، لكن الله يذكر أنه حتى لو عادوا، لعادوا إلى ما نُهوا عنه، مؤكدًا الطبيعة الحاسمة لاختبار هذه الحياة الواحدة. إن الحكمة وراء هذا الوجود الدنيوي الواحد عميقة. أولاً، إنها تغرس شعورًا بالإلحاح والمسؤولية. فالعلم بأن هذه الحياة هي فرصة لا تتكرر يدفع المؤمنين إلى السعي نحو التميز في العبادة، والسلوك الأخلاقي، والتفاعلات الاجتماعية. إنه يؤكد على أهمية استغلال الوقت بحكمة، وتراكم الأعمال الصالحة، والمبادرة إلى التوبة، لأن باب العمل الدنيوي يُغلق بالموت. ثانيًا، يؤكد مفهوم الحياة الواحدة على العدل الإلهي. فكل فرد مسؤول عن اختياراته وأفعاله خلال حياته الفريدة. على النقيض، غالبًا ما يقدم التناسخ معضلات أخلاقية معقدة بخصوص الكارما الموروثة أو الحياة الماضية المجهولة، والتي يمكن أن تحجب المساءلة الشخصية. في الإسلام، العدل واضح: أنت تُحاسب على حياتك، أفعالك، ونواياك*. هذا الوضوح يحفز الأفراد على تحمل المسؤولية الكاملة عن تطورهم الروحي والأخلاقي. ثالثًا، يسلط الضوء على رحمة الله ومغفرته الواسعة. على الرغم من خطورة فرصة واحدة، فقد فتح الله أبواب التوبة على مصراعيها طوال هذه الحياة. يمكن للشخص أن يرتكب الذنوب، ولكن لديه الفرصة للتوبة الصادقة وطلب المغفرة حتى أنفاسه الأخيرة. هذه الرحمة تضمن أن حتى أولئك الذين يتعثرون لديهم طريق إلى الفداء، مؤكدة أن الاختبار ليس مستحيلًا، بل هو رحلة من الجهد المستمر والاعتماد على الفضل الإلهي. أخيرًا، تقدم النظرة الإسلامية للحياة والموت وضوحًا وهدفًا عظيمين. إنها ترى الحياة على أنها رحلة ذات معنى بحدود محددة ونهاية مطلقة، تؤدي إلى دار أبدية إما الجنة (للصالحين) أو النار (لأولئك الذين رفضوا الحق وأصروا على سوء أعمالهم). هذا المسار الواضح يمنح البشرية فهمًا عميقًا لوجودها، ويشجعهم على عيش حياة تتوافق مع الأوامر الإلهية، متطلعين إلى المكافأة النهائية لرضا الله والسعادة الأبدية في الآخرة. إنها رؤية عالمية تدعم المساءلة، وتطوير الذات، والاتصال العميق الهادف بالخالق، كل ذلك ضمن إطار حياة دنيوية واحدة ثمينة.
في حكايات بستان سعدي، يُروى أن رجلاً عجوزًا، وقد ابيض شعره وانحنى ظهره، كان يتنهد حسرة على شبابه الضائع. أتاه صديق حكيم كان على علم بحاله، وقال له: "يا صاحبي، لا فائدة من النواح على الماضي، فالزمن لا يعود أبدًا، وما فات لا يمكن استعادته. إن حياتنا في هذه الدنيا فرصة فريدة، كالمياه التي تجري في النهر ولا تعود إلى النقطة نفسها. إذا قضيت الأمس في غفلة، فاغتنم اليوم ككنز ثمين وازرع بذور الخير، فلن يكون لك غدًا لتزرع نفس الفرصة التي فاتتك، وهذه الحياة الواحدة هي مهلتك الوحيدة لبناء آخرتك." استيقظ الرجل العجوز بفضل هذه الكلمات وقضى بقية عمره ساعيًا في الخير ومستغلاً الفرص المتبقية، لأنه أدرك أن كل لحظة في الحياة هي نعمة لا مثيل لها ولا تتكرر.