كيفية الارتقاء بالحب الأرضي إلى الحب الإلهي؟

لارتقاء الحب الأرضي إلى الإلهي، يجب تقديم الله، ورؤية التجليات الإلهية في العلاقات الدنيوية، والسعي للتقرب إليه بالطاعة والذكر، ليأخذ الحب الأرضي بُعدًا أبديًا.

إجابة القرآن

كيفية الارتقاء بالحب الأرضي إلى الحب الإلهي؟

الحب جوهرة ثمينة وضعها الله تعالى في قلوب البشر. هذا الشعور العميق، الذي يتجلى بأشكال مختلفة مثل الحب للزوجة، والأبناء، والعائلة، والأصدقاء، وحتى جمال الطبيعة، ليس مذمومًا فحسب، بل هو نعمة عظيمة وعلامة من آيات قدرة الله ورحمته. القرآن الكريم يوضح أن من آيات قدرة الله أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة (سورة الروم، آية 21). هذه الآية تعلمنا أن الحب الأرضي، خاصة في إطار الزواج، يمكن أن يكون مصدرًا للسكينة والمودة، وجسرًا لفهم أعمق للحكمة واللطف الإلهي. ولكن السؤال هو: كيف يمكن توجيه هذه المحاب المحدودة والفانية نحو الحب الإلهي اللامحدود والأبدي؟ وكيف يمكن تحويل الحب الذي يقودنا أحيانًا إلى التعلقات الدنيوية والغفلة عن الله، إلى وسيلة للتقرب إليه؟ الارتقاء بالحب الأرضي إلى الحب الإلهي لا يعني نفي المحاب البشرية أو تدميرها، بل يعني تنقيتها وتوجيهها ووضعها في مكانها الصحيح ضمن مراتب المودة. هذه العملية تتطلب قلبًا يتحرر تدريجيًا من التعلقات السطحية والفانية ويتجه نحو المصدر الأصلي لجميع الجمال والكمال، وهو ذات الله تعالى. الحب الإلهي هو أسمى وأكمل أشكال الحب الذي يختبره المؤمنون الصادقون بكل وجودهم. يقول القرآن: "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ" (سورة البقرة، آية 165)؛ أي: "والمؤمنون أشد حباً لله". هذه الشدة في الحب ليست مجرد شعور عابر، بل هي حالة روحية عميقة تتجلى في جميع جوانب حياة المؤمن، وتوجهه نحو الطاعة والعبودية والرضا الإلهي. وكما جاء في القرآن: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (سورة آل عمران، آية 31). فمتابعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والأحكام الإلهية هي علامة ونتيجة الحب الحقيقي لله. للارتقاء بالحب الأرضي إلى الحب الإلهي، هناك عدة خطوات أساسية متجذرة في التعاليم القرآنية والسنة النبوية: 1. **إعطاء الأولوية للحب الإلهي:** الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي إدراك المكانة الحقيقية لله في قلوبنا وحياتنا. القرآن الكريم، في سورة التوبة، الآية 24، يعبر عن هذه الأولوية بلهجة حاسمة: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"؛ "قل: إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اكتسبتموها، وتجارةٌ تخافون كسادها، ومساكنُ ترضَوْنها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله، فانتظروا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين." هذه الآية تحذر صراحة من أن أي تعلق دنيوي، مهما كان عزيزًا، يجب ألا يسبق حب الله ورسوله، أو يعيق طاعة الأوامر الإلهية. الارتقاء بالحب الأرضي يعني عدم السماح لهذه المحاب أبدًا بأن تلهينا عن ذكر الله أو تقودنا إلى المعصية. بل يجب أن نستخدمها في سبيل التقرب إلى الله. 2. **رؤية التجليات الإلهية في الظواهر الأرضية:** كل الجمال والكمال والمودة التي نراها في الدنيا هي انعكاس لجمال الله وكماله ومحبته اللامتناهية. عندما نحب زوجاتنا، يمكننا أن نرى ذلك نعمة من الله، ومن خلال ذلك ندرك عظمة الخالق ورحمته. النظر إلى ابتسامة طفل، أو لمس أيادي صديق، أو الإعجاب بجمال منظر طبيعي، كل ذلك يمكن أن يذكرنا بمصدر هذه الجمال، وهو الله تعالى. كلما تعمق هذا المنظور، أصبح حبنا الأرضي روحيًا وإلهيًا. وهذا المنظور يحول الحب الأرضي من مجرد تعلق شخصي إلى مرآة تعكس الجمال الإلهي. 3. **توجيه الحب الأرضي في سبيل الله:** يمكن أن تكون المحاب الأرضية وسيلة لتحقيق رضا الله. على سبيل المثال، حب الزوجة والأبناء، إذا كان بنية إلهية وفي إطار أحكام الشريعة، فهو عبادة عظيمة بحد ذاتها. التربية السليمة للأبناء، ورعاية حقوق الزوجة والعائلة، والإحسان إلى الوالدين (سورة الإسراء، آية 23)، والإحسان إلى الآخرين، كلها أمثلة على الحب الذي يُوظف في سبيل الله. هذه الأعمال لا تقوي العلاقات الإنسانية فحسب، بل تحمل أجرًا أخرويًا وتمهد الطريق للتقرب إلى الله. أي أن نستخدم حبنا ليس فقط لأنفسنا، بل لرضا الله وفي سبيله. 4. **ذكر الله الدائم (الذكر الكثير):** القلب الذي يذكر الله دائمًا لن يجد مجالًا للتعلقات المفرطة والمُلهية. ذكر الله، سواء بتلاوة القرآن، أو التسبيح، أو الدعاء، أو التفكر في آياته، ينقي القلب ويجعله مهيئًا لاستقبال الحب الإلهي الحقيقي. يقول القرآن: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (سورة الرعد، آية 28)؛ "ألا بذكر الله تطمئن القلوب". هذا الطمأنينة القلبية هي بحد ذاتها علامة على القرب من مبدأ الوجود وتقليل القلق الناجم عن التعلقات الدنيوية. 5. **اتباع الأوامر الإلهية وسنة النبي (صلى الله عليه وسلم):** الحب الحقيقي لله يتداخل مع طاعة أوامره واتباع سيرة نبيه (صلى الله عليه وسلم). يقول القرآن: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (سورة آل عمران، آية 31)؛ "قل: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم". كلما كانت أعمالنا متوافقة مع رضا الله، كلما تعمق حبنا له وأصبح متبادلاً. وهذه الطاعة تشمل اجتناب المعاصي وأداء الواجبات، مما يقود القلب تدريجياً نحو الله. 6. **الشكر والامتنان:** يجب أن نشكر الله على نعمة الحب الأرضي ونعلم أن كل شيء منه. الشكر يفتح أبوابًا أكثر للرحمة الإلهية ويزيد الحب الإلهي في القلب. عندما نكون شاكرين على نعمة وجود زوجة حنون أو أبناء صالحين، فإننا في الحقيقة نشكر خالق هذه النعم، وهذا بحد ذاته جسر إلى حبه. باختصار، الارتقاء بالحب الأرضي إلى الحب الإلهي هو عملية تدريجية تتحقق من خلال تغيير المنظور، وتحديد الأولويات الصحيحة، وتوجيه الأفعال والمشاعر نحو الرضا الإلهي. هذا لا يعني نفي الحب الأرضي، بل يعني تنقيته وتسميته ليتحول من وسيلة للغفلة إلى سلم للتقرب والوصال مع المحبوب الأزلي. فمتى ما ذكرنا حبنا الأرضي بالله، وحثنا على طاعته، وثبتنا في سبيل خدمة الخلق ورضا الخالق، حينها يمكن القول بأن هذا الحب قد ارتقى حقًا واتخذ لونًا إلهيًا. في هذه الحالة، لا تصبح المحاب الأرضية أحلى وأعمق فحسب، بل تُمنح أيضًا معنى أبديًا ودائمًا، لأنها اتصلت بمصدر الحب الذي لا ينضب.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك رجل طيب الأخلاق وله زوجة حسناء، وكان حبه لزوجته عميقًا لدرجة أنه لم يرَ في الدنيا سواها. كل صباح، كان قلبه يمتلئ بالسرور بمجرد النظر إلى وجه زوجته الجميل. وفي يوم من الأيام، أصيبت زوجته بمرض، وبدأ جمالها يتلاشى. فحزن الرجل واضطرب فكره من هذا التغير. رآه شيخ مسن وعارف مستنير وسأله: 'يا فتى، ما سبب هذا الاضطراب؟' فروى الرجل قصته. ابتسم الشيخ الحكيم وقال: 'يا أخي، لقد كنت مفتونًا بظل سقط على الجدار، وليس بأصل ومنبع ذلك النور. جمال كل ما في هذا العالم هو انعكاس لجمال الحق تعالى الأزلي والأبدي. إذا ربطت قلبك بمنبع ذلك الجمال، فلن يذبل حبك أبدًا، لأنه هو الباقي وكل ما سواه فانٍ. اعتبر الحب الأرضي كسلّم يوصلك إلى قمة الحب الإلهي، لا أن يكون هو بحد ذاته قيدًا لك.' فأدرك الرجل كلام الشيخ وعلم أنه يجب أن يحرر قلبه من قيود الصور الفانية ويشغل نفسه بالحب الأبدي لخالق الجمال. ومنذ ذلك الحين، أصبح حبه لزوجته ليس تعلقًا بالمظهر، بل شكرًا لله ورؤية لتجلي الإلهي في وجودها، وهكذا وجد الطمأنينة الحقيقية.

الأسئلة ذات الصلة