التوازن بين هذه الدنيا والآخرة هو مبدأ حيوي في الحياة يؤكد عليه القرآن. يجب مراعاة الواجبات الدينية واحتياجات الدنيا معًا.
في القرآن الكريم، نجد موضوع التوازن بين حياة الدنيا والآخرة يتكرر بشكلٍ ملحوظ، مما يدل على أهمية هذا الموضوع في ديننا الإسلامي. الله سبحانه وتعالى يؤكد لنا في آيات متعددة أن الحياة الدنيوية لا يجب أن تأخذ الأولوية المطلقة على الحياة الآخرة، بل يجب أن تكون هناك موازنة بين الجانبين. وكما نرى في سورة الإسراء، الآية 18، حيث يقول الله تعالى: 'مَن أرادَ العَاجِلَةَ عَجَلْنَا لَهُ فِيهَا مَا شَاءَ'، فإن هذا يبرز حقيقة أن الرغبة في تحقيق الإنجازات الدنيوية أمرٌ مسموحٌ به، ولكن يجب أن تُدعم بفهم عميق لأهمية الآخرة. إذًا، في الإسلام، نحتاج إلى إدراك أن الدنيا والآخرة هما جزءان لا يتجزأ من حياة المسلم، وأن التوجه نحو أحدهما يجب أن يتم دون إغفال الآخر. تستمر الآيات في توضيح هذه الفكرة، ففي سورة الأعلى، الآية 15، تُذكر كذلك أهمية الحياة الآخرة قائلةً: 'وَلَسَوْفَ تَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ'، مما يدل على أن هناك دائماً آخرة يجب أن نتأمل فيها ونستعد لها. ومن هنا، يتضح أن التوازن الذي يتحدث عنه القرآن ليس مجرد مفهوم، بل هو ضرورة تعكس إيمان المسلم وعمله في الحياة اليومية. لتطبيق مفهوم التوازن هذا في حياتنا، يجب علينا أن نحسن تنظيم وقتنا بين الالتزامات الدنيوية وروحانية العبادة. فالمسلم الذي يسعى وراء دخلٍ مالي وتوفير احتياجات أسرته يجب ألا يغفل أيضاً عن ممارسات العبادة التي تقربه من الله تعالى، كالصلاة والدعاء وقراءة القرآن. تعتبر هذه الأنشطة من أساسيات حياة المسلم، إذ أنها توفر له الطمأنينة والسعادة الحقيقية، وهذا يتماشى مع ما ذكر في الآية 29 من سورة الفرقان: 'ألم ترَ كيفَ يُفَصِّلُ اللهُ الآياتِ لِلقَومِ الَّذينَ يَعْلَمُونَ'، وهي دعوة للتدبر والتأمل في معاني الوحي الإلهي. التوازن في الحياة يعني جدولة الأنشطة بشكلٍ صحيح، بحيث تخصص وقتاً كافياً لكل من العمل والعبادة والعلاقات الأسرية. يمكن أن يفكر المسلم في وضع قائمة يومية تتضمن أوقاتاً مخصصة للصلاة والدعاء، بالإضافة إلى أوقات العمل وقضاء الوقت مع الأهل والأحباب. هذا النظام يعكس قدرة المسلم على تحقيق التوازن بين مختلف جوانب حياته، بما يعزز من راحته النفسية ويمنحه قدرة على مواجهة التحديات. لكن من الضروري أن نتذكر أن التوازن ليس مجرد توزيع للوقت، بل هو أيضاً مبدأ يتطلب التفكر والمراقبة الذاتية. يجب على المسلم أن يكون واعياً بمدى التزامه بالعبادة وأداء واجباته الدينية، مع إدراك أنه في كل لحظة يقضيها في هذه الحياة، هو يسعى لبناء مستقبله في الآخرة. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 201: 'وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً'، وهذا يشير إلى ضرورة التفكير في العواقب وتأمين المستقبل في كل من الحياة الدنيا والحياة الآخرة. إن إيجاد هذا التوازن يتطلب مجهوداً حقيقياً من المسلم، خاصة في ظل الضغوط الحياتية والمعاصرة التي قد تجعله يشعر بتشتت الأفكار. ولتجاوز هذه التحديات، يجب أن يكون لدى الشخص رؤية واضحة لأهدافه وما يسعى لتحقيقه في حياته، وأن يحافظ دوماً على ذكر الله، فالذكر يذكّر القلب بالآخرة ويحييه من غفلة هذه الدنيا. ختاماً، التوازن بين الدنيا والآخرة ليس مجرد مفهوم نظري، بل هو أسلوب حياة يجب أن ينتهجه كل مسلم. إن نجاح الأرض يتحقق عندما يمزج بالتوجه نحو السماء، وهذا يتطلب منا أن نكون حذرين في ترتيب أولوياتنا وأن نسعى دائماً لتحقيق التوازن بين الكسب الحلال وعبادة الله تعالى. فالسير على هذا الدرب يضمن لنا السلام الداخلي ويضعنا على الطريق الصحيح نحو النجاح الدنيوي والآخروي.
في أحد الأيام ، كان هناك رجل يدعى سعيد يعيش حياة مشغولة ويفكر دائمًا إلى متى يمكنه استمرار هذا الوضع. بينما كان مع أسرته ، فتح القرآن وقرأ آية عن التوازن بين هذه الدنيا والآخرة. هذه الآية ذكرته بأن الحياة ليست فقط عن العمل والدخل ، بل يجب عليه أيضًا تخصيص وقت للعبادة والاتصال بالله. منذ ذلك اليوم فصاعدًا ، قرر سعيد أن يقضي جزءًا من وقته كل يوم في الصلاة والتأمل وشجع الآخرين على اتباع هذا التوازن.