في لحظات الغضب، استعذ بالله، واستعن بالصبر والصلاة، وتذكر أن الله حليم رحيم. كظم الغيظ ابتغاء مرضاته يجلب السكينة والأجر الإلهي.
الغضب، هو أحد أقوى المشاعر الإنسانية وأكثرها تحديًا، وإذا لم يتم التحكم فيه، يمكن أن يسبب أضرارًا جسيمة للفرد ولمن حوله. يقدم القرآن الكريم، بنظرته العميقة إلى جوانب الوجود الإنساني المختلفة، حلولًا إلهية لإدارة هذا الشعور. التفكير والتركيز على الله في لحظات الغضب ليس مجرد حل روحي، بل هو طريقة عملية لاستعادة الهدوء واتخاذ القرارات الصحيحة. عندما يشتعل الغضب، غالبًا ما يطغى على العقل والمنطق. في هذه الظروف، اللجوء إلى الله وتذكر قوته وحكمته وصبره ورحمته اللامتناهية، يمكن أن يكون بمثابة ماء بارد يطفئ نار الغضب. الخطوة الأولى للتفكير في الله أثناء الغضب هي اللجوء إليه. الشيطان، العدو الواضح للإنسان، يسعى دائمًا من خلال تحفيز المشاعر السلبية، وخاصة الغضب، إلى إخراج الإنسان عن مسار الاعتدال والعقلانية. يحذرنا القرآن في آيات عديدة من وساوس الشيطان، ويدعونا إلى الاستعاذة بالله منه. عندما يندلع الغضب، يمكن أن يكون قول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" (أعوذ بالله من الشيطان المطرود) من صميم القلب، الخطوة الأولى لقطع الاتصال بالمحفزات الشيطانية وتوفير مساحة لحضور الوعي الإلهي. هذا الذكر، هو نوع من إعلان الحاجة إلى العون والمساعدة من القوة المطلقة الوحيدة. بعد ذلك، من أهم نصائح القرآن لمواجهة المشاكل والمشاعر السلبية هو الصبر والصلاة. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 153: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ۚ إن الله مع الصابرين). الغضب، غالبًا ما يكون نتيجة عدم الصبر وعدم تحمل الوضع غير المرغوب فيه. في هذه اللحظات، بدلاً من الرد الفوري وغير المدروس، يمكن للفرد أن يمنح نفسه فرصة من خلال التنفس العميق، وتغيير الوضع الجسدي (مثل الجلوس إذا كان واقفًا أو الاستلقاء إذا كان جالسًا)، والتركيز على النفس. ثم، تذكير النفس بأن الله مع الصابرين، يزيد من القوة الداخلية لتحمل الغضب والتحكم فيه. حتى لو لم يكن من الممكن أداء الصلاة الكاملة في تلك اللحظة، فإن مجرد نية الصلاة وتذكر عظمتها يمكن أن يصرف العقل عن بؤرة الغضب ويوجهه نحو السكينة الإلهية. التأمل في صفات الله تعالى أيضًا مفيد جدًا. فالله "حليم" (كثير الحلم والصفح) و "غفّار" (كثير المغفرة). عندما يغضب شخص ما، يكون ذلك عادة بسبب شعور بالظلم أو الإهانة أو انتهاك حقوقه. في هذه الأوقات، التفكير في عدل الله المطلق، وأنه عليم بكل شيء ولا يضيع حق أحد، يمكن أن يخفف من حدة الغضب. إذا كان الله، على الرغم من كل عصيان وخطايا عباده، حليمًا وغفورًا، فمن الجدير بنا أيضًا أن نتحلى بالصبر والتسامح تجاه أخطاء الآخرين وأن نفكر في العفو والمغفرة. هذا التفكير، لا يقلل من شدة الغضب فحسب، بل يدفع الفرد أيضًا نحو التحرر والسلام الداخلي بدلاً من الوقوع في دوامة الانتقام أو الحقد. في سورة آل عمران، الآية 134، يمدح القرآن الذين يكظمون غيظهم ويعفون عن الناس، ويقول: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ۗ والله يحب المحسنين). هذه الآية تبين بوضوح أن كظم الغيظ والعفو عن الآخرين عمل محبوب عند الله ويعتبر من صفات المحسنين. الهدف النهائي من هذه الممارسة هو تحقيق الرضا الإلهي واكتساب السكينة القلبية، وهذا لا يتحقق إلا بذكر الله. عمليًا، في لحظات الغضب الشديد، يمكن للمرء أن يتذكر أن كل ما يحدث هو تحت إرادة الله وعلمه. هذا المنظور يساعد الفرد على توسيع نظرته من المشكلة الصغيرة والشخصية إلى الأفق الأوسع للقضاء والقدر الإلهي. يمكننا أن نقول لأنفسنا: "الله عليم، هو شهيد، هو حكيم". هذا التذكير يمنح الإنسان شعورًا بالاستسلام والتوكل، مما يؤدي في النهاية إلى الهدوء وتقليل حدة الغضب. كما يمكن للمرء أن يفكر في الثواب الإلهي للتحكم في الغضب بدلاً من التفكير في عواقب الغضب. فالذي يكظم غيظه ابتغاء مرضاة الله، له أجر عظيم عند الله. هذا الأجر يمكن أن يكون دافعًا قويًا لكبح هذا الشعور المدمر. تخيل كيف سيمنح الله قلوبنا السلام والبركة إذا استجبنا بالصبر والصمت بدلاً من العدوان والكلمات القاسية. وأخيرًا، فإن تذكر حقيقة أن الحياة فانية وأن الغضب اللحظي يمكن أن يؤدي إلى ندم أبدي، له تأثير كبير في التفكير في الله. في المنظور الإلهي، لا يوجد شيء يستحق فقدان السلام أو قطع العلاقة مع الله وخلقه. عندما نفكر في كيف نريد أن نظهر أمام الله وما الأثر الذي نود تركه، يصبح إدارة الغضب أسهل. هذه النظرة توجهنا نحو العفو والتسامح والرحمة، وكلها من صفات الله. لذلك، فإن التفكير في الله أثناء الغضب ضروري ليس فقط لإدارة تلك اللحظة، ولكن أيضًا للنمو الروحي المستدام وحياة مليئة بالسلام والرضا الإلهي.
يُروى في روضة سعدي (جلستان) أن أحد الملوك سجن رجلًا بسبب خطأ ارتكبه. كان الرجل في السجن غاضبًا جدًا من الملك ويتفوه بكلمات قاسية. فقال أحد وزراء الملك، وكان من أهل الحكمة والأدب، للملك: "أيها الملك، إذا عفوت عن هذا الرجل بسبب غضبه والكلمات التي يتفوه بها، فهذه علامة على عظمتك وحلمك. فالكبار يكظمون غيظهم ولا يحقدون." عند سماع هذا، تذكر الملك عظمة ورحمة ربه، وكيف يتجاوز عن ذنوب عباده. ففكر وقرر أن يعفو عن الرجل ويطلق سراحه بدلاً من معاقبته أكثر. وعندما رأى الرجل حريته، تعلم درسًا من عمل الملك الصالح وأدرك أن كظم الغيظ والعفو من صفات الرجال العظام. ومنذ ذلك الحين، سعى هو أيضًا في حياته إلى كظم غيظه والتسامح، لأنه عرف أن السلام الحقيقي يكمن في ذكر الله والأخلاق الحميدة.