هل النية السيئة تعتبر ذنبًا حتى بدون عمل؟

يؤكد القرآن أن الله مطلع على كل النوايا. لكن بفضل رحمته الواسعة وتوضيحات السنة النبوية، النية السيئة العابرة التي لا تتحول إلى عمل أو يتم التوبة منها، لا تُعد ذنبًا، بل إن تركها لوجه الله يُعتبر حسنة.

إجابة القرآن

هل النية السيئة تعتبر ذنبًا حتى بدون عمل؟

في التعاليم العميقة والغنية للقرآن الكريم، يحظى مفهوم "النية" وعلاقته بـ"العمل" بمكانة خاصة. للإجابة على سؤال ما إذا كانت النية السيئة، حتى بدون عمل، تعتبر ذنبًا، يجب علينا أن نتدبر بعناية الآيات الإلهية وننظر في الجوانب المختلفة لرحمة الله وعدله. بشكل عام، يؤكد القرآن على أهمية كل من النية والعمل، لكنه يميز بين النية والعزم الجاد على ارتكاب الذنب ومجرد فكرة عابرة أو وسوسة شيطانية يتم دفعها. إحدى الآيات المحورية في هذا الصدد هي الآية 284 من سورة البقرة، التي تقول: «لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». هذه الآية توضح بجلاء أن الله مطلع على كل ما يدور في قلوبنا ونفوسنا، وسيحاسبنا عليه. يشمل هذا الأفكار والنوايا والقرارات التي تتشكل داخلنا، سواء أُعلنت أم بقيت مخفية. للوهلة الأولى، قد توحي هذه الآية بأن حتى النية السيئة بدون عمل تؤدي إلى العقاب. ولكن لفهم هذه الآية فهمًا كاملاً، يجب دراستها في ضوء آيات قرآنية أخرى والسنة النبوية الشريفة التي تفسر الكلام الإلهي. إن رحمة الله الواسعة هي مفهوم محوري في القرآن. فقد وصف الله نفسه بأنه "أرحم الراحمين" و"غفور رحيم". وفي العديد من الآيات، تم التأكيد على مغفرة الذنوب للتائبين وعلى الفضل الإلهي. لو أن كل فكرة أو نية سيئة عابرة اعتبرت ذنبًا واستوجبت العقاب، لكانت الحياة صعبة للغاية ولا تطاق بالنسبة للإنسان؛ لأن عقل الإنسان يتعرض باستمرار للوساوس والأفكار المتنوعة، سواء كانت جيدة أو سيئة. وهنا يأتي دور سنة النبي الكريم (ص) كمفسر ومبين للقرآن، لتقديم صورة أوضح. ففي العديد من الأحاديث الصحيحة، بما في ذلك الحديث القدسي المشهور، يُذكر أن الله تعالى، إذا نوى عبده فعل خير، حتى لو لم يفعله، يكتب له حسنة كاملة. وإذا نوى فعل خير ثم فعله، يكتب له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وأكثر من ذلك. وإذا نوى فعل شر ولم يفعله، يكتب له حسنة كاملة (لأن ترك الشر من أجل الله حسنة بحد ذاته). ولكن إذا نوى الشر ثم فعله، لا يكتب له إلا سيئة واحدة. هذا الحديث يبرهن على عظمة رحمة الله التي تمنح الإنسان فرصة للعودة وتصحيح نواياه. لذلك، فإن التفسير السائد الذي يقدمه غالبية المفسرين الإسلاميين لآية البقرة 284 هو أن هذه الآية تشير بشكل أساسي إلى النوايا والمعتقدات المتجذرة في القلب، مثل النفاق، والكفر، أو الحقد الدائم، والعزم الجاد على ارتكاب الذنوب الكبيرة التي تؤدي في النهاية إلى تشكيل شخصية الإنسان وأعماله. أما النوايا التي تأتي على شكل وسوسة أو فكرة عابرة تخطر بالبال ولا يرضى عنها الإنسان ويدفعها، فلا تعتبر من الذنوب. هذه الأنواع من الأفكار عادة ما تكون من الشيطان أو من النفس الأمارة بالسوء، وما دام الإنسان لا يستجيب لها ولا يتبعها، فلن يكتب عليه ذنب. وبعبارة أخرى، فإن التمييز بين "الفكرة" و"العزم والقرار الجازم" مهم للغاية. فمجرد فكرة سيئة أو وسوسة تمر بالذهن ويحاول الإنسان دفعها، ليست ذنبًا. ولكن إذا تحولت هذه الفكرة إلى "عزم جاد" و"قرار راسخ" لارتكاب الذنب، وكان الإنسان يخطط لذلك، ولم يمنعه إلا مانع خارجي (وليس الندم والرجوع إلى الله)، فإن بعض الفقهاء والمفسرين يرون أن هذا قريب من الذنب أو يستوجب اللوم، على الرغم من أن العقوبة الكاملة للفعل قد لا تترتب عليه. ومع ذلك، حتى في هذه الحالة، فإن باب التوبة والاستغفار مفتوح. فإذا قرر شخص ارتكاب ذنب ثم تراجع عن هذا القرار وعاد إلى الله، فلن يكتب له ذنب، بل قد يكافأ على تراجعه عن الذنب. يعكس هذا النهج الحكمة والعدل الإلهيين. فالله لا يحاسب الإنسان على الأفكار غير المرغوبة التي تخطر بباله؛ بل يمنحه الفرصة ليُوجه مسار نواياه نحو الخير بإرادته الحرة. وهذا يدفع الإنسان إلى الانتباه الدائم لداخله والسعي لتزكية نفسه وتطهير قلبه من الرذائل الأخلاقية. فالنوايا الطيبة والخيرة، حتى لو لم تتحقق بسبب عوائق خارجية، لها قيمة وأجر عند الله. وهذا يدل على أن في المنظومة الأخلاقية للإسلام، القلب ونية الإنسان هما أساس أعماله، وأن الله يهتم بالجذور أيضًا، ولكن بلطف ورحمة لا مثيل لهما. خلاصة القول، يؤكد القرآن على أن الله مطلع على كل ما في القلوب، وأن النوايا يمكن أن تكون أساسًا للأعمال. ولكن بفضل رحمة الله الواسعة والتوضيحات التي وصلتنا عبر السنة النبوية، فإن النية السيئة العابرة أو الفكرة الشيطانية التي لا تتحول إلى عمل، أو التي يتم التوبة منها، لا تعتبر ذنبًا يستوجب العقاب. بل إن ترك تلك النية السيئة من أجل الله يعتبر حسنة. وهذا يشير إلى الفرصة الدائمة للعودة، والتصحيح، والتوبة في دين الإسلام الحنيف.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في الأزمنة القديمة، كان هناك تاجر ثري ولكنه شحيح النفس، كان دائمًا ما يحمل في قلبه نوايا سيئة تجاه جيرانه. كان يظهر بمظهر الوقور وحسن السلوك، لكنه في الخلوة كان يفكر في إيذاء الآخرين وزيادة ثروته بطرق غير مشروعة. وفي يوم من الأيام، مر بجانب منزل رجل فقير، وتمنى في سره لو أن منزله يُهدم ليتمكن من الاستيلاء على أرضه بثمن بخس. لكنه لم ينطق بكلمة ولم يفعل شيئًا. دراويش حكيم وبصير كان يسكن في الجوار، أدرك نوايا التاجر السيئة من نظرته المتأملة لمنزل الفقير. وعندما مر التاجر بجانبه، قال الدراويش بصوت هادئ ولطيف: "يا صاحب الشأن! لقد علمت ما أضمرت في قلبك. اعلم أن الله يعلم ليس فقط الأعمال الظاهرة، بل أيضًا النوايا الخفية. لكن فضله وكرمه عظيمان لدرجة أنه لا يسجل النية السيئة كذنب ما لم تتحول إلى فعل، ويمنح فرصة للتوبة. طهر قلبك، فالدار الحقيقية هي القلب، والأعمال ثمرة له." ارتعد التاجر من كلام الدراويش وشعر بالخجل. هو الذي لم يكن يتوقع أبدًا أن يعلم أحد بنواياه الخفية، تأثر كثيرًا برحمة الله وعلمه بما في داخله. ومنذ ذلك الحين، بدأ يسعى لتصحيح نواياه، وبدلًا من الأفكار السيئة، فكر في الخير والإحسان، وساعد الفقراء قدر استطاعته. وهكذا، لم يمتنع عن الذنب الذي كان من الممكن أن يرتكبه فحسب، بل وجه مسار حياته نحو السلام والطمأنينة، واطمأن قلبه، لأنه علم أن الله مطلع على نواياه الحسنة ويكافئ عليها.

الأسئلة ذات الصلة