القرآن يركز على القلب والنوايا وليس فقط مظهر الحياة. بينما يؤدي تجنب الإسراف والتعلق بالدنيا إلى البساطة، فإن البساطة ليست المؤشر الوحيد للإيمان؛ فالإيمان الحقيقي أعمق من المظاهر الخارجية.
في تعاليم القرآن الكريم السامية، العلاقة بين مظهر حياة الفرد وعمق إيمانه هي مسألة دقيقة ومتعددة الأوجه، لا يمكن اختزالها ببساطة إلى علاقة مباشرة وواحد لواحد. القرآن، بدلاً من التركيز على المظاهر الخارجية والممتلكات المادية، يركز على حالة القلب، النوايا، الأعمال الصالحة، ودرجة تعلق الإنسان بمتاع الدنيا مقابل قيم الآخرة. لذلك، بينما يمكن أن تكون الحياة البسيطة نتيجة ومظهراً خارجياً لبعض أسمى مبادئ الإيمان، إلا أنها وحدها لا يمكن اعتبارها معياراً حاسماً وشاملاً للإيمان. يدعو القرآن الكريم المؤمنين مرارًا وتكرارًا إلى تجنب الإسراف والتبذير. في سورة الأعراف، الآية 31، يقول الله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ». هذه الآية تشير إلى أن الاعتدال والتوسط في الاستهلاك والحياة مبدأ قرآني أساسي. الإسراف لا يعني مجرد الإفراط في الإنفاق، بل يمكن أن يشمل أيضًا الاستخدام المفرط وغير المناسب للموارد والنعم. هذا التجنب للإسراف يمكن أن يؤدي بشكل طبيعي إلى حياة أبسط وأكثر اقتناعًا. في سورة الإسراء، الآيتين 26 و 27، نقرأ أيضًا: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا». هذه الآيات تدين صراحة التبذير والإسراف، وتساويهما بأعمال شيطانية. هذه التعاليم توجه المؤمن نحو القناعة والاستخدام الأمثل للموارد، مما يمكن أن يمنح الحياة مظهرًا بسيطًا. ومع ذلك، فإن الهدف الرئيسي هو نقاء النية والمسؤولية تجاه النعم الإلهية. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن بشدة على زوال وعدم قيمة الحياة الدنيا مقارنة بالآخرة. في سورة الحديد، الآية 20، يقول: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ». هذا المنظور يعلم المؤمن ألا يتعلق ببريق الدنيا وأن يجعل هدفه الأساسي هو كسب رضا الله والزاد للآخرة. هذا النوع من التفكير يدفع الفرد بطبيعة الحال إلى عدم السعي وراء الكماليات وتكديس الثروة، بل اختيار البساطة في حياته. لكن هذه البساطة تنبع من رؤية عميقة للعالم، وليست مجرد مظهر خارجي. علاوة على ذلك، يعد الإنفاق والصدقة من الأركان الأساسية للإيمان في القرآن. المؤمن الحقيقي هو الذي ينفق جزءًا من ثروته في سبيل الله ومساعدة المحتاجين. هذه الأوامر بحد ذاتها تمنع الفرد من تجميع الثروة الزائدة والعيش حياة مترفة بشكل مفرط. في سورة الفرقان، الآية 67، يصف الله صفات عباد الرحمن على النحو التالي: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا». هذه الآية أيضًا تؤكد على مبدأ الاعتدال وتجنب الإفراط والتفريط في الأمور المالية، مما يمكن أن يؤدي إلى حياة متوازنة خالية من الكماليات المفرطة. باختصار، يتعلق الإيمان في القرآن بالقلب، النوايا، التقوى، العمل الصالح، الشكر، الصبر، والتعلق بالآخرة بشكل أساسي. ورغم أن العديد من التعاليم القرآنية (مثل تجنب الإسراف، عدم التعلق بالدنيا، وتشجيع الصدقة) يمكن أن تؤدي إلى تبني نمط حياة بسيط خالٍ من الكماليات، إلا أن هذه البساطة هي نتاج وثمرة للإيمان، وليست علامته الوحيدة. قد يكون لشخص مظهر بسيط ولكن قلبه مليء بالطمع والبخل، وعلى العكس من ذلك، قد يكون شخص غني ولكنه ينفق ثروته في سبيل الله وقلبه مليء بالتقوى. لذلك، مظهر الحياة البسيطة وحده ليس دليلاً قاطعًا على الإيمان؛ بل يتجلى الإيمان في عمق وجود الإنسان وفي جميع جوانب حياته، بما في ذلك خيارات نمط الحياة. البساطة، إذا كانت نابعة من القناعة والزهد الحقيقي وعدم التعلق بزينة الدنيا، فهي علامة جيدة على الإيمان، ولكن ليست العلامة الوحيدة.
يُروى أنه في زمن ملك عادل، كان هناك تاجر ثري يرتدي ملابس فاخرة ويصحبه العديد من الخدم في رحلة. في الطريق، التقى بدرويش يرتدي ثيابًا بالية، جالسًا بهدوء تحت شجرة. سأل التاجر بغطرسة: «يا درويش، ما نصيبك من هذه الدنيا سوى هذه السجادة الممزقة؟» أجاب الدرويش بابتسامة هادئة: «نصيبي هو سلام القلب المتحرر من عناء الدنيا، وشكر نعمة جعلتني قانعًا بما أملك. أما أنت أيها التاجر، بكل هذا البهاء، هل قلبك مليء بالسلام كجيوبك، أم أن مخاوف فقدانها تلتهم ليلك ونهارك؟» غرق التاجر في التفكير، وأدرك أنه كلما زادت ثروته، زادت مخاوفه. فهم أن السلام الحقيقي لا يكمن في المظهر البسيط أو الفاخر، بل في القلب النقي، والنوايا الصادقة، والرضا بالقضاء الإلهي. هذه الحكاية الجميلة من بستان سعدي، تعلمنا أن مظهر الحياة، وإن كان يمكن أن يكون علامة على الاختيارات، إلا أن حقيقة الإيمان تكمن في جوهر الإنسان وفي رضاه القلبي.