هل الإيمان مسألة لحظية أم مستمرة؟

الإيمان في القرآن ظاهرة مستمرة وديناميكية تتطلب رعاية دائمة، وليست شعوراً لحظياً. الثبات والنمو والأعمال الصالحة ضرورية للإيمان المستمر الذي يدوم مدى حياة الإنسان.

إجابة القرآن

هل الإيمان مسألة لحظية أم مستمرة؟

مفهوم الإيمان في الإسلام، كما يوضحه القرآن الكريم، هو مبدأ أساسي وحيوي يشكل مسار حياة المؤمن بشكل عميق. السؤال حول ما إذا كان الإيمان ظاهرة لحظية وعابرة - تنشأ وتتبدد بمجرد إعلان لفظي أو شعور عابر - أم أنه يمتلك طبيعة مستمرة وديناميكية ومتطورة تتطلب جهداً متواصلاً ويقظة دائمة، هو أمر بالغ الأهمية. إن التدقيق الشامل في آيات القرآن يوضح بشكل لا لبس فيه أن الإيمان بعيد كل البعد عن أن يكون ظاهرة لحظية؛ بل هو عملية حية ومستمرة تتطلب الرعاية والصيانة والنمو. في الإسلام، يتجاوز الإيمان مجرد التأكيد اللفظي؛ إنه قناعة قلبية عميقة، يقر بها اللسان، وتتجلى من خلال الأفعال والسلوك في الحياة اليومية. يدعو القرآن الكريم المؤمنين باستمرار إلى الاستقامة والثبات في إيمانهم. وهذا النداء نفسه إلى المثابرة يعد دليلاً قوياً على طبيعة الإيمان المستمرة. لو كان الإيمان مجرد لحظة عابرة، لما كانت هناك حاجة للتأكيد على الاستقرار والصمود. يقول الله تعالى في سورة فصلت، الآية 30: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ». هذه الآية تشير بوضوح إلى أن مجرد قول «ربنا الله» لا يكفي؛ بل إن الاستمرارية والثبات على هذا الإعلان (الاستقامة) هو الذي يجعل الإيمان يؤتي ثماره ويجلب المكافآت الإلهية. الاستقامة تعني الثبات الراسخ على طريق الحق، وتجنب الانحراف عن المسار الإلهي، والمثابرة في مواجهة التحديات والمغريات. هذا يؤكد أن الإيمان عملية مستمرة تمتد طوال حياة الإنسان ويجب الحفاظ عليها وتقويتها في جميع المراحل، سواء في اليسر أو العسر. علاوة على ذلك، يشير القرآن صراحة إلى زيادة الإيمان ونقصانه. هذه الديناميكية في الإيمان بحد ذاتها تشهد على طبيعته غير اللحظية. لو كان الإيمان نقطة ثابتة وعابرة، لكانت مفاهيم «الزيادة» أو «النقصان» لا معنى لها في سياقه. في سورة الأنفال، الآية 2، يقول الله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». هذه الآية تكشف أن الإيمان ظاهرة حية تتأثر بعوامل مختلفة. سماع الآيات الإلهية، ذكر الله، أداء الأعمال الصالحة، ومواجهة الابتلاءات يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الإيمان. وعلى النقيض، فإن الغفلة، والذنب، والإهمال في ذكر الله يمكن أن يؤدي إلى ضعف ونقص في الإيمان. هذه التقلبات تدفع المؤمن نحو التزكية المستمرة واليقظة الدائمة لقلبه وأفعاله. يؤكد القرآن أيضاً على أهمية الموت على حالة الإيمان. ففي سورة آل عمران، الآية 102، يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ». هذه الآية تشجع المؤمنين ليس فقط على امتلاك الإيمان في نقطة معينة من حياتهم، بل على الحفاظ على هذا الإيمان حتى آخر نفس، وعلى مغادرة هذا العالم في حالة تسليم (إسلام) لله. هذا الأمر يوضح أن الإيمان هو غاية قصوى يجب الوصول إليها والحفاظ عليها طوال حياة الإنسان بأكملها. إن عملية التقوى والصلاح المذكورة في هذه الآية ليست فعلاً لحظياً، بل هي نمط حياة مستمر ودائم يتخلل كل لحظة من وجود المؤمن. من منظور قرآني، القلب هو موطن الإيمان، والقلوب تتغير باستمرار. كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه يدعو الله في دعواته أن يثبت قلبه على الدين، وهذا يشير بمهارة إلى الحاجة المستمرة للاستقرار والثبات في الإيمان داخل القلب. فالحياة الدنيا مليئة بالفتن، والمغريات، والاختبارات، وكل منها يمكن أن يشكل تحدياً لإيمان الإنسان. في مثل هذه البيئة، لن يصمد الإيمان اللحظي أمام الضغوط. فالإيمان الراسخ، العميق، والمستمر هو وحده القادر على حماية الفرد من الشرور وإبقائه ثابتاً على طريق الحق. يتطلب الإيمان المستمر الأعمال الصالحة. فالقرآن يقرن الإيمان بالأعمال الصالحة مراراً وتكراراً، وكأن أحدهما لا يكتمل بدون الآخر. فالأعمال الصالحة ليست مجرد علامة على الإيمان الحقيقي، بل هي أيضاً وسيلة لتقويته وتثبيته. فالصلوات الخمس، والصيام، والزكاة، والحج، وهي من أركان الإسلام، كلها أفعال يضمن تكرارها ومداومتها استمرارية الإيمان في حياة المؤمن. هذه الأعمال تحافظ على ذكر الله حياً في القلب، وتبعد الإنسان عن الغفلة، وتقوي ارتباطه بخالق الكون. هذا التكرار والمواظبة على العبادات والأعمال الصالحة يشبه سقي الشجرة بالماء باستمرار، مما يساعدها على تعميق جذورها وإعطاء المزيد من الثمر. في الختام، الإيمان رحلة روحية، وليس وجهة ثابتة ونهائية لا تتطلب أي جهد بمجرد الوصول إليها. هذه الرحلة لها صعودها وهبوطها، ويجب على المؤمن أن يكون يقظاً باستمرار في قيادة سفينة إيمانه عبر بحار الدنيا العاصفة. تعني استمرارية الإيمان حياة واعية، مصحوبة بالذكر، والتفكير، والتوبة، والاستغفار، والسعي لنيل رضا الله في جميع جوانب الحياة. ولذلك، بالاستناد إلى آيات قرآنية متعددة، يمكن القول بقطع أن الإيمان هو قضية مستمرة وحيوية ترافق الإنسان حتى أنفاسه الأخيرة، وتتطلب رعاية ونمواً دائمين. هذه الاستمرارية في الإيمان هي التي تجلب السعادة في الدنيا والآخرة للإنسان.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

سئل درويش ذات مرة: «ما هو المقياس الحقيقي للإيمان؟» فأجاب: «ليس في إظهار الحماس اللحظي في أوقات الرخاء، بل في الصبر الثابت والرضا الهادئ خلال التجارب المريرة والشدائد.» ثم روى: «كان هناك تاجر، في أوقات الوفرة، يعلن شكره بصوت عالٍ، ويتبرع بسخاء، ويؤدي أعمالاً صالحة للجميع ليروها. وقد أثنى الناس على إيمانه. ولكن عندما نُهبت قافلته وواجه الفقر، ملأت شكواه الأجواء، وذبلت روحه. ترك صلاته، واتهم القدر. في نفس المدينة، كان يعيش حائك متواضع، كان دخله دائماً ضئيلاً، بالكاد يكفي لإعالة أسرته. ومع ذلك، سواء كان نولُهُ ينتج كثيراً أو قليلاً، كانت صباحاته تبدأ بصلاة هادئة وتنتهي أمسياته بذكر لطيف. وعندما سئل كيف يحافظ على هدوئه، قال: 'ربي يعطي، وربي يأخذ. حكمته فوق إدراكي، لكن ثقتي به ثابتة، مثل الخيوط التي أنسجها، واحداً تلو الآخر، لتشكل نسيجاً مستمراً. إيماني ليس للحظات الوفرة، بل لكل نفس أتنفسه، سواء في اليسر أو العسر.' اختتم الدرويش قائلاً: 'وهكذا، اعلموا أن الإيمان الحقيقي ليس شرارة تشتعل ثم تنطفئ، بل هو شعلة أبدية تُعتنى بها بعناية في حجرة القلب، تضيء أشد ما تكون في أحلك الليالي.'

الأسئلة ذات الصلة