الإيمان وحده غير كافٍ في الإسلام؛ فالنجاة مرتبطة دائمًا بالإيمان القلبي والعمل الصالح. الأعمال هي دليل وتجلٍّ للإيمان الداخلي للإنسان.
في المنهج الإسلامي الشامل والمتكامل، لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الإيمان عن العمل الصالح. يؤكد القرآن الكريم، كلام الله تعالى، مرارًا وتكرارًا أن النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة لا يعتمدان فقط على الاعتقاد القلبي (الإيمان) بل على تجسيد هذا الاعتقاد في الأعمال الصالحة واللائقة. هذان المفهومان، الإيمان والعمل، هما كوجهي العملة الواحدة أو الروح والجسد في كيان واحد؛ فكل منهما ناقص وبلا معنى دون الآخر. الإيمان هو الجذر الذي يُنتج العمل كثمرته، وبدون الثمرة، سيكون الجذر عديم الفائدة. بمعنى آخر، الإيمان ليس مجرد إقرار فكري أو شعور عابر، بل هو قناعة قلبية عميقة يجب أن تظهر في سلوك الإنسان وأفعاله وتؤثر على حياته بأكملها. الإيمان في الإسلام يشمل التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان. أي أن الإنسان يجب أن يؤمن بقلبه بوحدانية الله، ورسله، وكتبه السماوية، وملائكته، واليوم الآخر، والقضاء والقدر. لكن هذا الإيمان الخفي في القلب، لكي يكتمل ويصبح ذا قيمة، يحتاج إلى ظهور وتجلٍّ خارجي. وهنا يأتي دور العمل الصالح. العمل الصالح هو كل فعل أو قول أو نية يرضاها الله تعالى وتكون ذات نفع للإنسان نفسه، أو للمجتمع، أو حتى للبيئة. الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج، ليست سوى جزء من الأعمال الصالحة التي تُعرف بأركان الإسلام، لكن نطاق العمل الصالح أوسع بكثير من ذلك. فالصدق في القول، والأمانة، ورعاية حقوق الآخرين، والإحسان إلى الوالدين، ومساعدة المحتاجين، والابتعاد عن الغيبة والنميمة، وإقامة العدل، والسعي لتحصيل العلم النافع، وحتى الابتسامة لأخيك المسلم، كلها تُعتبر من مصاديق العمل الصالح. يُصرح القرآن الكريم في آيات متعددة بأن الأجر الإلهي والسعادة الأبدية هما لـ "الذين آمنوا وعملوا الصالحات". هذه العبارة تتكرر في العديد من سور القرآن، مما يدل على الأهمية القصوى لهذا الاقتران. وكأن الله تعالى يريد أن يوصل إلينا أن الإيمان بلا عمل هو كالبذرة التي تُزرع في أرض مالحة ولا تُثمر أبدًا، وأن العمل الذي لا ينبع من إيمان قد يكون فاقدًا للقيمة الحقيقية عند الله، مثل بيت بُني على الرمال ينهار مع أول عاصفة. إن الغرض من هذه الرابطة المتينة بين الإيمان والعمل هو بناء إنسان كامل ومجتمع عادل وتقي. فالإيمان الذي لا يتجلى في العمل قد يؤدي إلى النفاق والأنانية والعزلة. فالشخص الذي يدعي الإيمان ولكنه يكذب ويظلم وينتهك حقوق الآخرين أو لا يفي بوعوده، فإن ادعاءه بالإيمان في الحقيقة يفتقر إلى المصداقية. ومن ناحية أخرى، فإن الأعمال الصالحة، حتى بدون نية خالصة وإيمان صادق، قد تكون مجرد رياء وتظاهر، ولن تعود بالنفع على صاحبها في الآخرة. يريد الإسلام أن تشكل قناعات الإنسان القلبية سلوكه الخارجي، وأن يكون عمله انعكاسًا لإيمانه الداخلي. هذا التوازن والتناغم هو الذي يوصل الإنسان إلى الكمال ويجعله أهلاً لرضا الله وقربه. فالإسلام ليس مجرد دين شعائر، بل هو منهج حياة متكامل يؤكد على الانسجام بين الباطن والظاهر. عواقب إهمال العمل الصالح بجانب الإيمان وخيمة للغاية. فالقرآن يوبخ بشدة أولئك الذين يقولون آمنا ولكن لا يعملون أو أن أعمالهم تتعارض مع ادعاءاتهم. هؤلاء الأشخاص معرضون لخطر النفاق وفقدان فرصة النجاة. فالأعمال الصالحة لا تقوي الإيمان فحسب، بل هي بذاتها عامل لزيادة الإيمان وتثبيته في القلب. كل عمل صالح يقوم به الإنسان يقوي علاقته بالله ويجعل نور الإيمان في وجوده أكثر إشراقًا. لهذا السبب، يؤكد الإسلام دائمًا على التفكر والتدبر، ثم العمل والسعي. الحياة الدينية هي حياة نشطة وفاعلة تتطلب الحركة والاجتهاد، وليست مجرد الجلوس وادعاء الإيمان. هذا الجهد المستمر في سبيل الله يشمل محاربة النفس الأمارة بالسوء والخطايا، كما يشمل خدمة الخلق والسعي لرفع مستوى حياة الناس وإقامة العدل. لذلك، فإن الإجابة على السؤال هي: لا، مجرد الإيمان ليس كافيًا. الإيمان هو بمثابة المحرك، ولكن بدون العجلات (الأعمال) والوقود (الإخلاص)، لن يكون هناك حركة أو تقدم. السعادة الحقيقية تكمن في تركيبة قوية من الإيمان الصادق والعمل الصالح المستمر. هذا التعليم لا يفتح طريقًا إلى الجنة الأبدية فحسب، بل يملأ حياة الإنسان الدنيوية أيضًا بالمعنى والسلام والرضا. المسلم الحقيقي هو الذي يظهر إيمانه في كل لحظة من حياته، من أصغر سلوك إلى أكبر القرارات، والذي، من خلال أعماله الصالحة، لا يرفع عبئًا عن كاهله فحسب، بل يصبح حجر الزاوية لمجتمع أفضل. هذا المسار هو مسار مزدوج ومتكامل، حيث كل خطوة من العمل تقوي الإيمان، وكل زيادة في الإيمان توفر حافزًا لأعمال أكثر صلاحًا. في النهاية، يُقاس قرب الإنسان من الله بجودة إيمانه واتساع أعماله الصالحة.
يُروى أنه في العصور القديمة، كان هناك تاجر ثري ومشهور يذهب إلى المسجد كل يوم، ويظهر نفسه رجلاً متدينًا ومؤمنًا. كان يصلي صلواته في أوقاتها ولا يترك سبحته من يده، ودائمًا ما يتحدث عن فضائل الإيمان والتقوى. كان الناس يثنون عليه ظاهريًا، معتقدين أنه من أهل الجنة الموعودين. ولكن هذا التاجر نفسه كان يغش في معاملاته، ويغش في الكيل والميزان، ويظلم عماله ولا يدفع لهم أجورهم كاملة. وفي نفس المدينة، كان يعيش خباز بسيط القلب ومتواضع، ربما لم يكن يتحدث عن الدين بقدر التاجر، ولم يكن لديه نفس المظاهر الخارجية. ومع ذلك، كان دائمًا يعطي الناس خبزًا طازجًا وكاملاً، ولم يغش أبدًا في وزنه، وإذا كان هناك فقير، كان يعطيه الخبز بهدوء. في يوم من الأيام، قال عالم حكيم كان على دراية بحال الرجلين: «الإيمان ليس في مظهر الصلاة وطول السبحة، بل في العدل في التجارة والكرم في العبودية. فمن يتكلم ولا يعمل، فادعاؤه كالكتابة على الماء، ومن يعمل الخير دون كلام، فإن رائحة الجنة تفوح من أفعاله.» وهكذا، أدركوا أن الإيمان الحقيقي يكمن في الأعمال الصالحة، وأن العمل الصالح هو ميزان قياس المعتقدات.