هل يمكن للإنسان أن يكون صالحًا بدون دين؟

من منظور القرآن، يمكن للإنسان أن يفعل الخير بدون دين، لكن "الخير الكامل" والنجاة الأخروية يتطلبان الإيمان بالله والأعمال الصالحة بنية إلهية.

إجابة القرآن

هل يمكن للإنسان أن يكون صالحًا بدون دين؟

السؤال المطروح، وهو ما إذا كان يمكن للإنسان أن يكون صالحًا بدون دين، يُعدّ أحد أعمق وأهم الأسئلة في مجال الأخلاق والروحانية وهدف الحياة، وقد شغل عقول البشر منذ القدم. من منظور القرآن الكريم، تتطلب الإجابة على هذا السؤال دراسة دقيقة وشاملة للأبعاد المختلفة لمفهومي «الخير» و«الصلاح». يقدم القرآن رؤية شاملة ومتعددة الأوجه تشير إلى الفضائل الأخلاقية العالمية والفطرية، وفي الوقت نفسه توضح الأهمية القصوى للإيمان والاتصال بالخالق لتحقيق الصلاح الكامل والوصول إلى الفلاح الأبدي. دعونا نتناول هذا الموضوع بمزيد من الدقة والتحليل. يؤكد القرآن الكريم بوضوح على وجود مبادئ أخلاقية عالمية متأصلة في الفطرة البشرية. توجد آيات تدعو البشر إلى الالتزام بالعدل والإحسان ومساعدة المحتاجين والصدق والوفاء بالعهود والابتعاد عن الظلم والفساد، بغض النظر عما إذا كان الفرد يؤمن بدين معين أم لا. على سبيل المثال، في سورة النحل، الآية 90، يقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». هذه الآية تمثل توجيهًا أخلاقيًا شاملاً يمكن فهمه وتطبيقه من قبل جميع البشر، بغض النظر عن خلفياتهم أو معتقداتهم. الإحسان إلى الوالدين، ومساعدة الأيتام والمساكين، والقول الحسن للناس هي أيضًا من الأمور التي أكد عليها القرآن مرارًا وتكرارًا، ويمكن أن يقوم بها أي إنسان ذي فطرة نقية. بناءً على هذا المنظور، نعم، يمكن للإنسان أن يقوم بالكثير من الأعمال الصالحة والمحمودة دون إيمان صريح بدين، وأن يخدم مجتمعه ومن حوله. هذه الأعمال على مستوى الحياة الدنيا مفيدة وقيمة قطعًا، وتسهم في تحسين العلاقات الإنسانية وإقامة مجتمع أفضل. ولكن القرآن الكريم يتجاوز هذا المستوى من الخير الظاهري، ويتناول مفهومًا أعمق للصلاح والخير مرتبطًا بالإيمان والاتصال بالله. في المنظور القرآني، «الخير الحقيقي» أو «الصلاح التام» هو العمل الذي، بالإضافة إلى كونه ذا أبعاد أخلاقية واجتماعية، ينبع من نية خالصة لوجه الله، ويقع ضمن إطار التوحيد (عبادة الله وحده) واتباع الهداية الإلهية. يُعرف هذا المفهوم في القرآن بمصطلح «العمل الصالح»، الذي يُذكر دائمًا جنبًا إلى جنب مع «الإيمان». تقريبًا في جميع مواضع القرآن، لا تُوعد البشر بالخلاص والجزاء الأخروي بناءً على «العمل» وحده دون «الإيمان». على سبيل المثال، في سورة العصر، الآية 3، نقرأ: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ». هذه الآية تشير إلى أن الإيمان هو الشرط الأساسي للقيمة النهائية للأعمال والنجاة في الحياة الآخرة. وفقًا للتعاليم القرآنية، فإن الغرض من خلق الإنسان هو العبادة ومعرفة الله. هذه العبادة لا تعني مجرد الطقوس التعبدية، بل تشمل جميع جوانب الحياة التي تكون فيها نية الفرد وعمله موجهة نحو إرضاء الخالق. عندما تُفصل الأعمال الصالحة عن هذا الأساس الإلهي، قد تكون قيمة من الناحية الدنيوية، ولكن من الناحية الأخروية والوصول إلى الكمال الإنساني، ستكون لها وزن ومعنى مختلفان. يتوجه القرآن بالخطاب إلى أولئك الذين يقومون بأعمال الخير ولكن هدفهم في الدنيا هو مجرد المنافع الدنيوية أو التفاخر، ولا يؤمنون بالله. في سورة الكهف، الآيات 103 إلى 105، يقول الله تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴿١٠٣﴾ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴿١٠٤﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴿١٠٥﴾». هذه الآيات توضح بجلاء أن مجرد القيام بأعمال تبدو صالحة، دون إيمان بالله واليوم الآخر، لا يمكن أن يضمن النجاة الأخروية، وقد تُعتبر أعمالهم بلا وزن في الموازين الإلهية. هذا لا يعني أن الله يتجاهل أعمال غير المسلمين الصالحة تمامًا. في الواقع، يرى بعض المفسرين أن الله، بناءً على عدله، قد يثيبهم مكافآت دنيوية على أعمالهم الصالحة، ولكن المكافأة الأخروية المخصصة للمؤمنين والمتقين هي لمن قاموا بعبادته بإيمان قلبي وصدق نية. في الواقع، يوفر الدين إطارًا شاملاً للحياة لا يعالج فقط الأخلاق الفردية والاجتماعية، بل يحدد الهدف الأسمى للإنسان في الوصول إلى القرب الإلهي والسعادة الأبدية. بدون هذا الإطار، يمكن أن يقتصر «الخير» على المنافع الدنيوية فقط، أو الرضا الشخصي، أو الثناء الاجتماعي، ويفتقر إلى عمقه ومعناه الأسمى المرتبط بالاتصال بخالق الكون والجزاءات الأخروية. لذلك، يمكننا أن نستنتج أن من منظور القرآن، يمكن للإنسان أن يقوم بالعديد من الأعمال الخيرية والأخلاقية دون اعتناق دين معين، وستكون هذه الأعمال فعالة في تحسين حياته الدنيوية والمجتمع. تنبع هذه «الأعمال الحسنة» من الفطرة الإلهية للإنسان. ومع ذلك، فإن «الخير» بمعناه الكامل والشامل، والذي يتضمن تحقيق الكمال الحقيقي والخلاص الأبدي في الآخرة، يتطلب الإيمان بالله الواحد، واتباع هداياته، وأداء الأعمال الصالحة بنية خالصة لوجهه. هذا التمييز في النظرة القرآنية لمفهوم الصلاح ذو أهمية كبيرة؛ لأن الدين هو السبيل لربط أعمالنا بالمصدر الأساسي للخير والجزاء الأبدي، وهذا الارتباط هو الذي يمنح أعمالنا قيمتها ومعناها النهائي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن حكيمًا حكيمًا سُئل ذات مرة: «هل يمكن لأحد أن يفعل الخير، ولكن يكون خاليًا من الدين؟» فتوقف الحكيم قليلًا، ثم بابتسامة لطيفة، أجاب: «إن الإحسان بلا دين كالوردة الجميلة التي لا رائحة لها. إنها تسر العين وتُبهج القلب للحظة، لكنها لا تُروي الروح بعطرها الدائم. أما الإحسان الذي سُقي من نبع الإيمان والدين، فهو كوردة تمتلك الجمال والعطر الفواح. هذا العطر هو الذي يأسر القلوب إلى الأبد، وبهذه الرائحة الطيبة وحدها تصل الأعمال إلى المصدر الأبدي للخير. فاعلم أن ظاهر الخير وإن كان محمودًا، فإن باطن الخير هو الذي يرتبط بالخالق ليصبح خالدًا.»

الأسئلة ذات الصلة