لا يمكن أن يكون الفقر عقبة أمام الوصول إلى الله ؛ بل إن النية والإيمان هما ما يهم.
في القرآن الكريم، يُعتبر الفقر والثروة حالتين مختلفتين من حالات حياة الإنسان، حيث يُظهر التأمل في النصوص القرآنية أن الله سبحانه وتعالى يتعامل مع هذه المفاهيم بطريقة تختلف عن الطريقة التي يتعامل بها الناس. فقد يُعتقد في المجتمعات البشرية أن الثراء هو ما يحدد مكانة الفرد وقيمته، لكن الله عز وجل يُعلمنا من خلال آياته أن القيم الحقيقية ترتبط بالإيمان والعمل الصالح وليس بالمال أو الممتلكات. عندما ننظر إلى مفهوم الفقر في القرآن، نجد أنه ليس عقبةً أمام الفرد في الاقتراب من الله. بل على العكس، يمكن للفقراء، من خلال نواياهم وأعمالهم، أن يحققوا مكانة مرتفعة في الآخرة. يُذكر في سورة البقرة، قوله تعالى: "لَا يُكَلفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: 286). هذه الآية توضح بأن الله عز وجل لا يُيضِّق على عباده، وإنما يضع معايير تناسب قدراتهم. إذا كان الإنسان في حالة فقر، لكنه يحمل إيمانًا قويًا ونوايا صادقة، يُمكنه الاستمرار في السعي نحو القرب من الله. من المهم أن نفهم كيف أن الفقر يمكن أن يكون له دور إيجابي في حياة المؤمن. ففي كثير من الأحيان، يُجبر الفقر الفرد على التوجه إلى الله في دعائه وطلبه العون، مما يُعزز من علاقة العبد بربه. كما أن الفقر يُعلِّم الفرد التعاطف مع الآخرين ومعاناة الناس، مما قد يقود إلى تصرفات إيجابية ونيّات خيّرة تُقرّبهم من الله. وفي سورة المؤمنون، الآية 111، نقرأ: "إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُ الْمُتَّقِينَ"، التي تُشير إلى أن الذين يجاهدون في سبيل الله سيكون جزاؤهم عظيمًا في الآخرة، وأن الله سبحانه وتعالى لن يتركهم يعانون في مثل ظروف الفقر. إن هذه الآية تُعزز الفهم بأن هناك علاقة مباشرة بين الإيمان والعمل والمصير في الآخرة. ولذا، فإن السعي الجاد نحو الله من خلال الأعمال الصالحة، حتى في ظروف ضيق العيش، يُعتبر مفتاحًا للقرب من الله. إن الثراء ليس معيارًا للقرب من الله، بل يمكن أن يكون عبئاً على بعض الأفراد، إذا ما جعلهم المال طغاة وفاسدين في تصرفاتهم، وأضعف من إيمانهم. قد يُحسن الثراء الفقراء أو المساكين في وجوههم، لكن الأهم أن يظل المال وسيلة لا غاية، وأن يُستخدم في فعل الخير والإحسان. يقول الله في سورة الكهف، الآية 46: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". وعليه، فالمال ليس قيمة ذاتية، بل يُقيَّم بمدى استخدامه في خدمة المجتمع ومساعدة المحتاجين. عندما نتأمل في قصص الأنبياء والأولياء، نجد أن كثيراً منهم عاشوا حالات من الفقر، لكنهم كانوا أقرب إلى الله من كثير من أصحاب الثروات. على سبيل المثال، عاش الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في بداية حياته فقرًا، لكنه كان أعلى الناس مقامًا عند الله، بل وكان أكرمهم وبيّنه للحق الطريق. هذه الحكايات تؤكد لنا أن الله يأخذ تقييمًا مختلفًا عن تقييم البشر، وأن القرب إليه يتطلب الإيمان والتقوى والخير، وليس المال والمظاهر. يجب على المجتمع أن يتذكر دائماً أن القيم الحقيقية تنبع من النية الطيبة والعمل الصالح. وعليه، فإن الكرم في العطاء والتوجه إلى المحتاجين يعد من أعظم الأعمال التي تعكس قرب الشخص من الله. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة، الآية 177: "لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ". ويؤكد ذلك أن البِر ليس مرتبطًا بالمظاهر والمال، بل بالإخلاص في العبادة وبأعمال القلوب. في نهاية المطاف، يُعتبر الاقتراب من الله من خلال الإيمان والعمل الصالح هو الغاية الحقيقية لكل إنسان، سواء كان غنياً أو فقيراً. فعلى الجميع أن يدرك أن الفقر والثراء هما مجرد حالات ظرفية لا تُحدد قيمة الإنسان، بل ما يُحددها هو إيمانه ونواياه وأعماله. ويجب أن نكون واعين ونشجع الآخرين، سواء كانوا في حالة وفرة أو فقر، أن يتحلوا بروح العطاء والمحبة، لأن كل إنسان يمكنه أن يكون خيرا ورفيقا في طريق الإحسان دون النظر إلى حالته المادية. إن الإيمان والعمل الصالح هو ما يُقرب الإنسان إلى الله، ولن يكون المال عائقًا أو وسيلة للتفرقة بين الناس في درب الإيمان.
في يوم من الأيام، زار رجل فقير أحد أصدقائه. قال لصديقه: 'ليس لدي شيء وحياتي صعبة.' رد صديقه بابتسامة: 'لكنك تستطيع دائمًا التحدث إلى الله وطلب مساعدته. لا يمكن أن يكون الفقر عائقًا أمام صلتك بالله.' رفعت هذه العبارة من معنويات الرجل وقرر تغيير حياته من خلال الصلاة والتقوى.