هل السكوت في وجه الظلم مقبول؟

من منظور القرآن، السكوت في وجه الظلم غير مقبول ويعتبر إثماً عظيماً. يؤكد القرآن بشدة على وجوب الوقوف ضد الظلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدين أولئك الذين يلزمون الصمت.

إجابة القرآن

هل السكوت في وجه الظلم مقبول؟

من منظور القرآن الكريم، السكوت في وجه الظلم ليس مقبولاً فحسب، بل هو مذموم بشدة ومستنكر. الإسلام، دين العدل والقسط، يفرض على كل مسلم أن يقف في وجه الظلم والطغيان، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. هذه المسؤولية لا تقتصر على الحكام وأصحاب السلطة، بل تمتد لتشمل كل فرد في المجتمع، كلٌّ بقدر طاقته وموقعه، لإرساء العدل ومواجهة الظلم. لقد أكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أهمية إقامة العدل والقسط. في سورة النساء، الآية 135، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ". هذه الآية تأمر المؤمنين بوضوح أن يكونوا قائمين بالعدل، شهداء لله، حتى لو كانت هذه الشهادة ضد أنفسهم، أو والديهم، أو أقاربهم. هذا الأمر يوضح أن طلب العدل مبدأ أساسي لا يمكن أن يتقدم عليه أي مصلحة شخصية أو قرابة. فالصمت في وجه الظلم، هو نوع من التغاضي عن هذا الأمر الإلهي والرضا بالظلم. أحد أهم المفاهيم القرآنية التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بهذا الموضوع هو مفهوم "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". هذا المبدأ ليس مجرد توصية أخلاقية، بل هو واجب اجتماعي وديني يحافظ على المجتمع الإسلامي من الفساد والاضمحلال. في سورة آل عمران، الآية 104، نقرأ: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". هذه الآية تبين بوضوح أنه يجب أن تكون هناك مجموعة من المسلمين تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر. فالصمت في وجه المنكر، يعني تجاهل هذا الواجب الحيوي، وهذا بدوره يؤدي إلى غرق المجتمع تدريجياً في الفساد. بالإضافة إلى ذلك، يوجه القرآن الكريم تحذيرات شديدة لأولئك الذين يتعاونون مع الظالمين أو حتى يصمتون في وجه ظلمهم. في سورة هود، الآية 113، جاء: "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ". هذه الآية تعلمنا ألا نعتمد على الذين ظلموا، ولا حتى نميل إليهم، لأنه في هذه الحالة ستصيبنا النار [جهنم] ولن يكون لنا من دون الله أي أولياء أو ناصرين. فالصمت في وجه الظلم يمكن أن يعني "الركوون" والميل إلى الظالم، مما يترتب عليه عواقب وخيمة. كما أن تاريخ الأنبياء في القرآن يشهد على هذه الحقيقة. الأنبياء الإلهيون لم يصمتوا أبدًا في وجه الظلم والفساد. من نبي الله نوح وإبراهيم إلى نبي الله موسى (عليهم السلام) الذي وقف في وجه فرعون الظالم، ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كافح الشرك والجهل بكل قوته، كلهم يمثلون نموذجًا للوقوف في وجه الظلم. تُظهر القصص القرآنية أن مصير المجتمعات التي صمتت في وجه الظلم كان الدمار والهلاك. السكوت لا يمنح الظالم فرصة للتمادي في ظلمه فحسب، بل يقتل روح العدالة والغيرة الدينية في المجتمع. عندما يصمت الأفراد في وجه الظلم خوفًا أو لامبالاة، يصبح المناخ الاجتماعي مهيئًا لنمو الفساد والظلم. هذا الصمت الجماعي يمكن أن يؤدي إلى انهيار الأسس الأخلاقية والاجتماعية. لذلك، يطالب القرآن المؤمنين بالدفاع عن الحق بشجاعة وحكمة والوقوف في وجه الباطل. هذا الثبات يمكن أن يكون باللسان، بالقلم، أو حتى بقلب ينكر الظلم، ولكنه لا يعني أبدًا اللامبالاة والصمت التام. فواجب كل مسلم أن يبذل قصارى جهده لتغيير المنكر وبناء مجتمع عادل وفقًا للتعاليم الإلهية. في الختام، يمكن القول إن السكوت في وجه الظلم لا يتعارض فقط مع روح الإسلام الساعية للعدالة، بل إنه بمثابة التخلي عن أحد أهم الواجبات الدينية والإنسانية لكل مسلم. المؤمن الحقيقي هو من يرفع صوت الحق في جميع الظروف، حتى مع وجود الصعوبات والمخاطر، ويسعى جاهداً لإرساء القسط والعدل. هذا التكليف الإلهي هو حجر الزاوية لمجتمع إسلامي سليم ومستقر، وجزاؤه الفلاح في الدنيا والآخرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك ملك قد لجأ إلى الأحكام الظالمة واضطهد رعيته. سكت الناس خوفاً، ولم يجرؤ أحد على الاحتجاج. في تلك المدينة، كان هناك درويش يمتلك قلباً نقياً ولساناً حقّانياً. ذات يوم، مر هذا الدرويش بقرب قصر الملك، ورأى رجلاً بريئاً يُعاقب ظلماً. تألم قلبه، وعلى الرغم من الخطر، تقدم وصرخ بصوت عالٍ: "أيها الملك! الملك على الماء والعدل سفينة؛ فإن لم تكن السفينة، فكيف يبقى الملك على الماء؟ هذا الظلم لا يجوز!" تعجب الملك من جرأة الدرويش، ولكن بما أن كلامه كان نابعاً من الصدق والإخلاص، فقد أثر فيه. ومنذ ذلك اليوم، أعاد الملك النظر في سلوكه وسلك طريق العدل. إن شجاعة درويش واحد، الذي كسر الصمت، أنقذ المدينة من ظلام الظلم وأظهر أن صوتاً واحداً يسعى للحق يمكن أن يُحدث عاصفة من التغيير.

الأسئلة ذات الصلة