اتسم الأنبياء الإلهيون بصفات بارزة كالعصمة، الصدق، الأمانة، الصبر، الحكمة، والتبليغ الكامل للرسالة الإلهية. كانوا قدوات بشرية مثالية، ورغم بشريتهم، امتلكوا اتصالًا مباشرًا بالوحي ودعوا الناس إلى التوحيد والعدل.
القرآن الكريم، كلام الله الشريف ودليل البشرية الشامل، يقدم صورة واضحة ودقيقة عن الصفات البارزة للأنبياء الإلهيين. هذه الصفات لا توضح مكانتهم الفريدة في نظام الوجود فحسب، بل ترسم نموذجًا كاملاً وشاملاً للحياة الفردية والاجتماعية للمؤمنين. يساعدنا فهم هذه الخصائص على إدراك عمق رسالتهم ونقاء هؤلاء الرسل المختارين، والاستفادة القصوى من تعاليمهم. وفيما يلي نتناول هذه الصفات بالتفصيل: **1. العصمة (الحماية من الخطأ والذنب):** من أبرز وأساس الصفات التي تميز الأنبياء هي العصمة. تعني العصمة حماية إلهية تمنع الأنبياء من ارتكاب أي خطأ أو ذنب، سواء في تلقي الوحي، أو في حفظه وتبليغه، أو في سلوكهم الشخصي وعملهم. هذه الحماية الإلهية تضمن أن الأنبياء لا يقعون أبدًا في أخطاء تؤدي إلى تحريف الدين أو ضلال الأمة. فلو لم يكن النبي معصومًا، لاهتزت الثقة في رسالته، ولما تحقق الغرض من بعثة الأنبياء، وهو الهداية. يشير القرآن الكريم بشكل غير مباشر إلى العصمة عندما يتحدث عن نقاء وطهارة الأنبياء ويأمر بطاعتهم المطلقة، وهذه الطاعة لا تكون ممكنة إلا إذا كانوا معصومين من كل خطأ وذنب. تشمل العصمة الحماية من الكبائر والصغائر، وكذلك الحماية من الخطأ في المسائل المتعلقة بتبليغ الرسالة وشرح الأحكام الإلهية. هذه الصفة تؤكد مصداقية وسلطة كلام وسيرة الأنبياء، وتجعلهم قدوة لا مثيل لها للبشرية جمعاء. **2. الصدق والأمانة:** لقد كان الأنبياء الإلهيون صادقين وأمناء دائمًا في أقوالهم وأفعالهم. كانت هذه الصفة واضحة جدًا لدرجة أن حتى أعداءهم كانوا يعرفونهم بألقاب مثل "الأمين" قبل نبوتهم، كما كان الحال مع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي كان يُعرف بـ "محمد الأمين". لم يظهر هذا الصدق والأمانة في تبليغ الوحي فحسب، بل في جميع تعاملاتهم الاجتماعية والمالية والشخصية. أشار الله في القرآن الكريم في آيات عديدة إلى هذه الصفة للأنبياء، على سبيل المثال في قصة النبي يوسف الذي اشتهر بعفته وأمانته، أو النبي شعيب الذي طلب من قومه عدم الغش في المكيال والميزان. هذه الصفة جعلت الناس يستمعون إلى رسالتهم بثقة كاملة، معتبرين إياها كلامًا حقًا من عند الله. وكانت أمانتهم في حفظ الرسالة الإلهية وعدم كتمانها، الركيزة الأساسية لرسالتهم. **3. تبليغ الرسالة:** كان الأنبياء مكلفين بتبليغ الرسالة الإلهية لجميع الناس دون أي خوف أو كتمان. هذه المهمة الجسيمة، كانت أحيانًا تواجه بمقاومة شديدة، وسخرية، وإيذاء، بل وتهديد بالقتل، لكن الأنبياء لم يتراجعوا أبدًا عن هذا الواجب الحيوي. لقد كشفوا الحق بشجاعة وثبات، وقدموا حججًا وبراهين واضحة لهداية الناس. أمر الله الأنبياء مرارًا في القرآن بأن "يبلغوا ما أنزل إليهم" (مثل الآية 67 من سورة المائدة). هذه الصفة تعبر عن المسؤولية الثقيلة للأنبياء تجاه هداية المجتمع وعزمهم على أداء واجبهم الإلهي بكل قوة. **4. الفطنة والحكمة:** لقد كان الأنبياء يتمتعون بذكاء حاد، وبصيرة عميقة، وقدرة قوية على الاستدلال، وحكمة بالغة. هذه الصفات مكنتهم من مناقشة المعارضين بمنطق وبرهان، وتذليل الشبهات، واتخاذ أفضل القرارات في المواقف الاجتماعية والسياسية المعقدة. تجلت حكمتهم ليس فقط في فهمهم العميق للمسائل الدينية، بل أيضًا في إدارة المجتمع، وحل النزاعات، وتوجيه الناس في شؤون الحياة. بفضل بصيرتهم الثاقبة، كانوا قادرين على كشف مؤامرات الأعداء وإحباطها. هذه الصفة جعلت الأنبياء ليس فقط حملة للوحي، بل أيضًا قادة حكماء ومدبرين. **5. البشرية مع الاتصال بالغيب:** يذكر القرآن الكريم بوضوح أن الأنبياء كانوا من جنس البشر؛ كانوا يأكلون ويشربون ويتزوجون ويمشون في الأسواق ويعيشون كبقية الناس. هذه الصفة مهمة جدًا، لأنها تظهر للناس أن اتباع التعاليم الإلهية والوصول إلى الكمال ممكن للإنسان العادي أيضًا، وأن الاقتداء بهم ليس أمرًا مستحيلًا. ومع ذلك، كان الفارق الأساسي بينهم وبين سائر البشر هو اتصالهم بالعالم الغيبي وتلقيهم الوحي الإلهي. هذا الاتصال منحهم علمًا لدنيًا وقوة فوق بشرية في أداء رسالتهم. هذه الازدواجية بين البشرية والاتصال الإلهي جعلتهم جسرًا للتواصل بين الخالق والمخلوق. **6. الصبر والاستقامة:** كانت حياة الأنبياء تتسم دائمًا بالتحديات، والمصاعب، والإيذاء، والمعارضة العنيدة. ومع ذلك، لم يضعفوا أبدًا أمام المشاكل ولم يتخلوا عن دعوتهم. قصص الأنبياء مثل نوح (الذي دعا قومه لسنين طويلة)، وأيوب (الذي يضرب المثل بصبره)، وموسى (الذي وقف في وجه فرعون)، والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) (الذي تحمل أنواع الأذى)، كلها شهادة على صبرهم وثباتهم منقطع النظير. هذا الثبات يدل على عمق إيمانهم وتوكلهم على الله، وإرادتهم الصلبة لتحقيق الأهداف الإلهية. **7. الرحمة والشفقة:** كان الأنبياء رحيمين وشفيقين على أممهم. كان هدفهم الأساسي هو هداية الناس وسعادتهم، وكانوا يحزنون لانحرافهم وضلالهم. يصف القرآن الكريم النبي محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بأنه "رحمة للعالمين"، ويصفه بأنه يحزن لما يعانيه الناس. هذه الرحمة والشفقة حولت الأنبياء إلى آباء روحيين لأممهم، يدعونهم إلى الخير والصلاح بمحبة وعطف، حتى في مواجهة الأعداء، كانت دعوتهم مصحوبة بالأمل في الهداية والرحمة. **8. العدل والإنصاف:** التزم الأنبياء بالعدل والإنصاف في جميع جوانب حياتهم وفي تعاملهم مع جميع الناس، دون أي تمييز. في أحكامهم، وتوزيع الموارد، وفي أي قرار اجتماعي وسياسي، كانوا يتبعون معيار الحق. هذه الصفة جعلت الناس يثقون في قيادتهم ويشعرون بأن حقوقهم لن تضيع. لقد كانوا قدوة عملية للعدل، ولم يكتفوا بالعدل في سلوكهم، بل سعوا أيضًا إلى إقامة القسط والعدل في المجتمع. **9. الدعوة إلى التوحيد:** كان المحور الأساسي لرسالة جميع الأنبياء هو الدعوة إلى التوحيد والعبودية لله الواحد، ومحاربة كل أشكال الشرك وعبادة الأوثان. لقد دعوا جميع الناس إلى عبادة الله الأحد وقضوا على الانحرافات الفكرية والعقائدية. هذه الصفة تظهر وحدة الرسالة الإلهية عبر التاريخ، حيث أكد جميع الأنبياء على حقيقة واحدة. **10. الاصطفاء والاصطفاء الإلهي:** تم اختيار الأنبياء من قبل الله لأداء رسالتهم، ولم يختاروا هم هذه المكانة بأنفسهم. هذا الاصطفاء والاختيار الإلهي منحهم الشرعية والسلطة الإلهية، وأشار إلى أنهم ممثلون مباشرون لله على الأرض. هذا الاصطفاء مذكور في العديد من آيات القرآن، مثل اصطفاء إبراهيم وموسى ومحمد (صلى الله عليه وسلم). وفي الختام، لقد حولت هذه الصفات المتعددة الأنبياء إلى قادة لا مثيل لهم، وقدوات بارزة، ومعلمين فريدين للبشرية. ببيان هذه الصفات، لا يوضح القرآن الكريم مكانتهم الإلهية فحسب، بل يقدم أيضًا إرشادات عملية وملهمة لحياة المؤمنين الفردية والاجتماعية، حتى نتمكن نحن أيضًا من التعلم من سيرتهم الطاهرة قدر استطاعتنا والسير على طريق النجاة. هذه الصفات تمثل مجموعة من الفضائل الأخلاقية، والقدرات الفكرية والإلهية التي ميزتهم عن سائر البشر ومنحتهم الأهلية لقيادة الأمم. اتباع سيرة وصفات هؤلاء العظماء، طريق واضح للوصول إلى القرب الإلهي وبناء مجتمع قائم على العدل والأخلاق.
في يوم من الأيام، سأل ملك حكيمًا فاضلاً: "أيها الحكيم، ما سر الملك العادل والدائم؟" فأجاب الحكيم بابتسامة لطيفة: "أيها الملك، إن أردت أن تسكن في قلوب شعبك، وأن يُذكر عدلك إلى الأبد، فاعتبر نفسك دائمًا خادمًا لهم. تمنَّ لرعيتك ما تتمناه لنفسك، وعاملهم بالعدل والرحمة، فالقيادة الحقيقية تكمن في الخدمة، لا مجرد الحكم." ففكر الملك في هذه الكلمات، ومنذ ذلك اليوم فصاعدًا، عامل شعبه بمزيد من العطف والإنصاف، تاركًا وراءه اسمًا حسنًا. تذكرنا هذه الحكاية الجميلة بالصفات السامية للأنبياء الإلهيين الذين، على الرغم من مكانتهم الرفيعة، كانوا دائمًا يعتبرون أنفسهم خدامًا للناس ويهدونهم إلى الطريق المستقيم بالحكمة والرحمة، ويتصرفون بينهم بالعدل، لا بالغرور والتكبر.