ما هي العلاقة بين التسليم والعقل في القرآن؟

يرى القرآن التسليم (قبول الإرادة الإلهية) والعقل (استخدام الفكر) كمتكاملين. التسليم الحقيقي مبني على فهم عميق، والعقل الموجه يؤدي إلى التسليم الصادق؛ وكلاهما ضروري للخلاص.

إجابة القرآن

ما هي العلاقة بين التسليم والعقل في القرآن؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، لا تتعارض مفاهيم التسليم والعقل، بل هما متكاملان، كجناحين لطائر، أساسيان للوصول إلى الحقيقة والكمال البشري. يحث القرآن مراراً وتكراراً الإنسان على التفكير والتدبر والتعقل واستخدام عقله. وفي الوقت نفسه، يعتبر التسليم لإرادة الله وأوامره الشرط الأساسي للخلاص. هذان المفهومان، في الواقع، يعززان ويثريان بعضهما البعض. فالتسليم الحقيقي والواعي هو الثمرة الحلوة للعقل والفهم العميق، والعقل السليم يمهد الطريق للتسليم الخالص. يأمر القرآن الكريم بصراحة في آيات عديدة الناس باستخدام عقولهم وفكرهم. الكلمات مثل «يَتَفَكَّرُونَ» (يتأملون)، «يَتَدَبَّرُونَ» (يتدبرون)، «يَعْقِلُونَ» (يعقلون)، «أُولُو الْأَلْبَابِ» (أصحاب العقول)، و«يَسْمَعُونَ» (يستمعون) تُذكر مراراً وتكراراً إلى جانب آيات الآفاق والأنفس (علامات الله في الكون وفي وجود الإنسان). تشجع هذه الآيات البشر على اكتشاف وجود خالق حكيم وقوي من خلال ملاحظة النظام المذهل للكون، وخلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، ودوران الشمس والقمر، وخلق الحيوانات والنباتات، وحتى تعقيدات وجودهم الخاص. هذا الاكتشاف ليس إيماناً أعمى، بل هو نتيجة لعملية فكرية واستدلالية تنبع من العقل. على سبيل المثال، تشيد سورة آل عمران، الآيتان 190 و 191، صراحة بـ «أُولُو الْأَلْبَابِ» – أولئك الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ويقولون: «رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ». هذا التفكير والتدبر يقودهم إلى إدراك الحكمة الإلهية ومن ثم إلى الدعاء والعبودية. وهذا يوضح أن العقل لا يتعارض مع التسليم؛ بل هو بوابة الدخول إلى التسليم العميق والواعي. التسليم المبني على المعرفة والبصيرة سيكون بعيداً عن أي ضعف أو اهتزاز. علاوة على ذلك، يندد القرآن بشدة بمن لا يستخدمون عقولهم ويتبعون أسلافهم بتقليد أعمى، أو يتجاهلون الحقائق. في سورة الأعراف، الآية 179، يتحدث عن أولئك الذين لهم قلوب لا يفقهون بها، وأعين لا يبصرون بها، وآذان لا يسمعون بها؛ يصفهم بأنهم أسوأ من الأنعام. توضح هذه الآيات بجلاء أن تجاهل العقل والفشل في استخدامه في طريق اكتشاف الحقيقة هو خطيئة عظيمة وسبب للضلال. في الواقع، الإسلام دين الفكر والبحث، وليس دين التقليد الأعمى. التسليم، بمعناه الحقيقي، هو القبول الواعي للحق والحقيقة. هذا القبول لا يمكن أن يتم بدون فهم عميق. يطلب الله من البشر أن يسلموا ببصيرة ووعي، لا عن إكراه أو جهل. فعندما يصل الإنسان، من خلال عقله، إلى نتيجة مفادها أن خالق الوجود هو الله الواحد الحكيم، وأن أوامره تضمن السعادة في الدنيا والآخرة، فإنه يسلم له بكل كيانه ورضا كامل. هذا التسليم لا ينتقص من حرية الفكر والعقل؛ بل هو ذروة التحرر من أغلال الجهل، وهوى النفس، والتعصبات. يمكن ملاحظة العلاقة بين التسليم والعقل أيضاً في جوانب مختلفة من الحياة. في الفقه الإسلامي، الاجتهاد (الجهد الفكري لاستنباط الأحكام الشرعية) هو مثال واضح على استخدام العقل في سبيل التسليم للشريعة. وفي الأخلاق، يتطلب التمييز بين الفضائل والرذائل العقل، والعمل بالفضائل هو شكل من أشكال التسليم للأوامر الإلهية لتزكية النفس. حتى في العلم والتكنولوجيا، فإن اكتشاف القوانين الطبيعية الذي يقوم به العلماء هو في جوهره اكتشاف للسنن والقوانين الإلهية التي وضعها الله في الكون. هذه الاكتشافات نفسها يمكن أن تؤدي إلى زيادة الإيمان والتسليم لعظمة الله وحكمته. لذلك، فإن التسليم والعقل في القرآن ليسا متعارضين على الإطلاق، بل هما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ولا ينفصلان. فالتسليم بدون عقل قد يؤدي إلى التعصب والجمود الفكري؛ والعقل بدون تسليم للحقيقة قد يؤدي إلى الغرور والأنانية وإنكار الحقائق. يعلمنا القرآن أن طريق السعادة يكمن في استخدام القوة العاقلة لفهم العلامات الإلهية، ثم التسليم الواعي والبصير لإرادة خالق الوجود. هذا التسليم هو النتيجة المنطقية والطبيعية لعقل سليم وديناميكي أدى إلى اكتشاف الحقيقة. بعبارة أخرى، العقل هو المصباح الذي يضيء الطريق، والتسليم هو السير في هذا الطريق المنير.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أنه في الأزمنة القديمة، كان هناك ملك عادل يحث وزراءه ومستشاريه دائماً على عدم الاكتفاء بالطاعة لأوامره، بل أن يتقدموا في كل أمر بفكر وتدبر. في أحد الأيام، حصل الملك على حجر كريم، لكنه لم يعرف كيف يحدد قيمته الحقيقية. تجمع وزراؤه حوله، كل منهم يقدم رأياً مبنياً على الظواهر. قال أحدهم: «يجب أن يوضع في الخزانة ولا يُعرض لأحد». وقال آخر: «يجب أن يُعرض في السوق ليُباع بأي ثمن». لكن شيخاً حكيماً، كان يراقب بصمت، تقدم وقال: «أيها الملك! قيمة هذا الحجر ليست في إخفائه ولا في بيعه لأهل السوق. قيمته تكمن في معرفة جوهره، ولا يمكن لجوهرجي إلا من يمتلك الفهم والعقل أن يدرك حقيقته». ففكر الملك في هذا القول، وبحكمته، أوكل الحجر إلى أمهر الجوهرجية في المملكة. بعد أيام من الدراسة والتفكير، أخبر الجوهرجي الملك بالقيمة الحقيقية للحجر، والتي كانت أضعاف التقدير الأولي. فرح الملك وأدرك أن التسليم للعقل والتدبير هو مفتاح اكتشاف الحقائق. هذه الحكاية تعلمنا أن كلا من التسليم لأمر العلماء (مثل استماع الملك للشيخ الحكيم والجوهرجي) واستخدام العقل والتدبر (مثل إحالة الملك الأمر إلى الخبير وفهم حكمته) ضروريان للوصول إلى المعرفة والحقيقة.

الأسئلة ذات الصلة