تتحدث العديد من السور المكية مثل النبأ والغاشية والقارعة والتكوير والانفطار والزلزلة بالتفصيل عن يوم القيامة وعلاماته. هذه السور، بتوصيفاتها الحية، تذكر الإنسان بمعنى الحياة ومسؤوليته عن أعماله.
في القرآن الكريم، يحظى موضوع القيامة ويوم البعث بأهمية بالغة ويُركز عليه مراراً وتكراراً بتفاصيل وفيرة. هذا التأكيد يُبرز الدور المحوري لهذا المبدأ في الرؤية الإسلامية للحياة والموت والمصير النهائي للإنسان. الغرض الأساسي من هذه الأوصاف العميقة والمتكررة هو إيقاظ الفطرة الإنسانية، وتذكير الأفراد بمسؤوليتهم عن أفعالهم، وتوجيههم نحو التقوى والصلاح. يوجه القرآن تحذيراً للناس ويمنح المؤمنين الأمل والبشارة، من خلال تصويره لخصائص يوم القيامة الرهيبة والعظيمة. يخصص عدد كبير من سور القرآن، خاصة السور المكية التي نزلت في بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، مساحة واسعة للحديث عن القيامة والبعث. هذه السور غالباً ما تتسم بلهجة تحذيرية وبتصوير حيوي ومفعم بالحركة لمشاهد بداية ونهاية هذا اليوم العظيم. من أبرز هذه السور التي تتناول القيامة بشكل واسع وتفصيلي نذكر ما يلي: 1. **سورة النبأ (78):** هذه السورة، التي يعني اسمها «الخبر العظيم»، تشير منذ بدايتها إلى هذا «النبأ العظيم» أي القيامة. تبدأ سورة النبأ بأسئلة حول القيامة ثم تتحدث بالتفصيل عن علاماتها الأولى، مثل النفخ في الصور، وإحياء الموتى، وانفتاح السماء والجبال، وقيام جهنم والجنة. وصف هذه السورة لعذاب أهل النار وثواب المتقين بليغ جداً ومؤثر. تقول الآية 17 من هذه السورة: «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا» (إن يوم الفصل كان ميقاتاً)، مما يدل بوضوح على مركزية هذا اليوم. 2. **سورة الغاشية (88):** «الغاشية» تعني «التي تغشى» أو «تغطّي»، وهي اسم ليوم القيامة يشير إلى شمولها لكل شيء. تبدأ هذه السورة بوصف وجوه صنفين من البشر في ذلك اليوم: وجوه خاشعة خائفة لأهل النار وهم في عذاب، ووجوه ناعمة مسرورة لأهل الجنة وهم في نعيم. تقدم سورة الغاشية صورة عميقة ومزدوجة لمصائر البشر، وتدفع السامع إلى التفكير في اختياراته الحياتية. 3. **سورة القارعة (101):** «القارعة» تعني «التي تقرع» أو «التي تدق»، وهي اسم آخر ليوم القيامة، يشير إلى شدتها وهولها. تبدأ هذه السورة بالتأكيد على عظمة وهول القيامة، ثم تتناول مشاهد مثل تفرق الناس كالفراش المبثوث والجبال كالصوف المنفوش. يصل ذروة هذه السورة في مشهد وزن الأعمال الذي يحدد مصير كل فرد: «فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَن خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ» (فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية). 4. **سورة التكوير (81) وسورة الانفطار (82):** هاتان السورتان، على الرغم من كونهما منفصلتين، إلا أنهما متقاربتان جداً في المحتوى ومخصصتان لـ«العلامات العظيمة ليوم القيامة». تبدأ سورة التكوير بوصف التحولات الكونية: إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت، وإذا البحار سجرت، وإذا النفوس زوجت. سورة الانفطار أيضاً تصور مشاهد مشابهة: إذا السماء انفطرت، وإذا الكواكب انتثرت، وإذا البحار فجرت، وإذا القبور بعثرت. هذه الأوصاف الخلابة تنقل عظمة ويقين وقوع القيامة إلى ذهن كل مستمع، وتظهر أن النظام الكوني الحالي سينهار تماماً في ذلك اليوم. 5. **سورة الزلزلة (99):** تبدأ هذه السورة بوصف زلزال عظيم يضرب الأرض بعنف ويخرج كل ما فيها من أحمال. ثم تشير إلى أن الأرض في ذلك اليوم ستتحدث بكل «أخبارها» والأعمال التي تمت عليها. تذكر هذه السورة بأهمية كل ذرة من عمل الإنسان وتؤكد أنه لا يخفى عمل حسن ولا سيء عن الحساب: «فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ * وَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ» (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). **لماذا يذكر القرآن القيامة بكثرة؟** إن التأكيد المتكرر والمفصل على القيامة في القرآن له أسباب عميقة ومتعددة الجوانب: * **ترسيخ المسؤولية:** إن الوعي بأن كل فرد مسؤول عن أفعاله وسيُسأل عنها يوماً ما، يخلق دافعاً قوياً لالتزام الأخلاق والعدالة وأداء الواجبات الدينية. هذا المنظور يمنع الإنسان من الغفلة واتباع الأهواء، ويوجهه نحو إصلاح الذات والكمال. * **ضمان العدالة المطلقة:** في الدنيا، قد يفلت الظالمون من العقاب ولا يحصل المحسنون على أجرهم. مفهوم القيامة والعدل الإلهي يضمن أنه في النهاية لن يمر ظلم دون جزاء ولن يمر إحسان دون مكافأة. وهذا يعطي الأمل للمظلومين وينذر الظالمين. * **الهداية والتربية:** تعمل أوصاف القيامة كأداة تربوية. الخوف من عذاب الله والشوق إلى الجنة محركان قويان لتغيير السلوك والتوجه نحو الكمال الإنساني. تساعد هذه الأوصاف الإنسان على فهم الهدف الحقيقي للحياة وتجنب إضاعة عمره في أمور لا جدوى منها. * **نفي عبثية الحياة:** بدون القيامة، قد تبدو الحياة الدنيا بلا هدف ولا معنى. الإيمان بيوم العودة والحساب يعطي الحياة معنى ووجهة، ويجعلها جزءاً من رحلة أكبر وأبدية. وهذا الإيمان يجفف جذور اليأس والعبثية في نفس الإنسان. * **تأكيد التوحيد:** الإيمان بالقيامة وبقدرة الله على إحياء الموتى يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإيمان بوحدانية الله وقدرته المطلقة. السور المتعلقة بالقيامة غالباً ما تبدأ أو تنتهي بآيات عن قدرة الله على الخلق والتدبير، مما يوضح العلاقة بين التوحيد والمعاد. بشكل عام، السور التي تتحدث عن القيامة، بلهجتها التحذيرية وأحياناً المبشرة، تقدم صورة شاملة لأبعاد هذا اليوم العظيم المختلفة. هذه الآيات ليست غنية جداً من الناحية البلاغية والأدبية فحسب، بل لها أيضاً تأثير تربوي ونفسي عميق على قلوب وعقول المتلقين. إنها تذكر الإنسان باستمرار أن هذه الدنيا زائلة، وأن الجميع سيعودون في النهاية إلى ربهم ليتم حسابهم على أعمالهم. هذا التأكيد الفريد يجعل القيامة واحدة من أكثر التعاليم القرآنية مركزية وبروزاً؛ وهو تعليم يشكل أساس العمل الصالح والتقوى الإلهية.
يروى أن ملكاً غنياً، غارقاً في النعمة والثراء، لم يفكر إلا في ملذات الدنيا. ولكن في نفس المدينة، كان يعيش درويش زاهد مستغنٍ عن الدنيا، كل همه الآخرة، وكان دائم الذكر ليوم الحساب. ذات يوم، قال الملك للدرويش: «ما فائدة هذه الحياة الدرويشية والتشرد لك؟ أليس من الأفضل أن تتجه نحو الفضة والذهب لتتحرر من هذا العناء؟» ابتسم الدرويش وقال: «أيها الملك! أنت في هذا العالم كعابر سبيل يقيم في بيت مستأجر، وسرعان ما ستغادره. أما أنا، فكأنني أبني بيتي الأصلي. ستترك كل هذا الذهب والمجوهرات قريباً، لكنني أحمل معي زاداً لا يفنى أبداً.» لم يفكر الملك في كلام الدرويش حتى حل الأجل، ودخل الملك مع كل ماله وجاهه تحت التراب. أما الدرويش، بقلب مطمئن ومحمل بكثير من الأعمال الصالحة، فقد رحل إلى دار البقاء، لأنه كان دائماً يتذكر اليوم الذي تتحدث عنه سور القرآن بعظمة.