النجاح الظاهري للأشرار في الدنيا هو ابتلاء إلهي، وليس علامة على رضا الله. إنه إمهال لهم للتوبة أو ليزدادوا إثماً، وستتحقق العدالة النهائية في الآخرة.
إن هذا السؤال العميق والمثير للتفكير قد شغل عقول الكثيرين عبر التاريخ. فمشاهدة الأفراد الفاسدين والظالمين وعديمي الأخلاق وهم يعيشون حياة تبدو ناجحة، ويتمتعون بالثروة والسلطة والنفوذ، ويبدو أن لا عوائق تقف في طريقهم، يمكن أن يؤدي إلى الإحباط وحتى الشك في العدالة الإلهية. ومع ذلك، يقدم القرآن الكريم، بنظرة إلهية وعميقة، إجابة شاملة ومتعددة الأوجه لهذا السؤال، تتجاوز الظواهر السطحية والقيود الدنيوية. تعود هذه المسألة إلى أبعاد رئيسية متعددة من الحكمة والعدل الإلهي، والتي سيتم استعراضها بالتفصيل أدناه، موضحاً أن هذه النجاحات غالباً ما تكون اختباراً وليست مكافأة نهائية. **1. النجاح الظاهري، وليس النجاح الحقيقي: طبيعة الدنيا الفانية** يؤكد القرآن الكريم مراراً وتكراراً أن الحياة الدنيا فانية وزائلة، وأن ما يُكتسب فيها قليل القيمة وعديم الأهمية مقارنةً بمكافآت الآخرة. فالنجاحات الدنيوية، بما في ذلك الثروة والسلطة والشهرة، ليست سوى مظاهر عابرة لا ينبغي أن تخدع الإنسان. في سورة الكهف، الآية 45، يقول الله تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا" (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً). هذه الآية توضح بجلاء أن بريق الدنيا يشبه النبات الذي ينمو بماء المطر ولكنه سرعان ما يجف ويتشتت. لذلك، فإن النجاح الظاهري للأشرار سيزول بنفس السرعة ولا قيمة له يدوم. يحذر القرآن المؤمنين من التعلق بهذه الجماليات الخادعة وعدم الانخداع بها. فما يُكتسب في الدنيا هو مجرد وسيلة لاختبار الإنسان، وليس علامة على الرضا أو الغضب الإلهي. تدفع هذه النظرة الإنسان إلى الامتناع عن التركيز فقط على الإنجازات المادية والظاهرية، وتوجيه نظره نحو أهداف أسمى وأبدية. يقع الأشرار في هذا الفخ الظاهري للدنيا، ويعتقدون أن هذه الأمور علامة على نجاحهم الحقيقي، في حين أنها مجرد سراب يبعدهم عن الحقيقة. **2. الإمهال الإلهي (الاستدراج والإمهال): فرصة للتوبة أو الغرق في المعصية** أحد الأسباب الرئيسية للنجاح الظاهري للأشرار هو "الإمهال الإلهي". يمنح الله تعالى الظالمين والمذنبين فرصة، لعلهم يتوبون ويعودون إلى الطريق المستقيم. هذا الإمهال، الذي يعبر عنه القرآن بكلمات مثل "إمهال" (تأجيل العقوبة) و "استدراج" (جرّ الإنسان خطوة بخطوة نحو الهلاك)، له حكمة خاصة به. في سورة آل عمران، الآية 178، نقرأ: "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين). توضح هذه الآية بجلاء أن نجاح الكفار والأشرار وطول أعمارهم ليس في صالحهم، بل هو فرصة لهم ليُثقلوا كاهل مسؤوليتهم باستمرار معاصيهم والاقتراب من الهلاك الأبدي. هذا النجاح الظاهري، في الحقيقة، هو "فخ" أو "اختبار" من الله. بعض الأفراد، مع هذا الإمهال، يعودون إلى رشدهم ويتوبون، ولكن الكثيرين الآخرين، غارقين في لذائذ الدنيا وغرورهم، يبتعدون أكثر عن الله ويجعلون أنفسهم مستحقين للعذاب الأبدي. تُسمى هذه الظاهرة بالاستدراج؛ أي أن الله يقود الإنسان تدريجياً وخطوة بخطوة نحو الدمار، بينما يعتقد هو أنه يتقدم وينجح. وهذا الإمهال هو أيضاً درس للمؤمنين ألا يخدعوا بالظواهر وأن يعلموا أن الله عليم بكل شيء وأن أي عدل لن يُتجاهل. **3. الابتلاء الإلهي للمؤمنين: الصبر والبصيرة** يمكن أن يكون النجاح الظاهري للأشرار أيضاً اختباراً للمؤمنين. فهل يضعف إيمان المؤمنين عند رؤية هذه المشاهد؟ هل يشكّون في عدل الله؟ أم أنهم يزدادون صبراً وتقوى ويتمسكون بوعود الله بالنصر النهائي للحق وزوال الباطل؟ في سورة القلم، الآيتين 44 و 45، يقول القرآن: "فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ" (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين). تُظهر هذه الآيات أن الله من خلال هذه الإمهالات، لا يقود المذنبين تدريجياً نحو الهلاك فحسب، بل يختبر أيضاً إيمان المؤمنين وبصيرتهم. فالمؤمنون الحقيقيون يعلمون أن معيار النجاح ليس الثروة والسلطة الدنيوية، بل رضوان الله والفوز بالآخرة. هذه الظاهرة تدعوهم إلى التعمق في التأمل في الحكمة الإلهية والثبات على مبادئهم الدينية. وهكذا، بدلاً من أن ييأس المؤمنون من النجاح الظاهري للأشرار، فإنهم يرونه كعلامة على خطة إلهية أوسع ويظلون ثابتين على طريق الحق. **4. العدالة النهائية في الآخرة: يوم الحساب** أخيراً، الإجابة الأساسية على سؤال العدالة هي أن الدنيا دار عمل وابتلاء، ودار الجزاء الكامل هي الآخرة. قد لا تتحقق العدالة الإلهية بشكل كامل وواضح في هذه الدنيا ليتسنى مجال للاختبار والاختيار. ولكن في يوم القيامة، وهو يوم الحساب النهائي، لن يحدث أي ظلم، وسيرى كل إنسان جزاء عمله بالكامل. في سورة الزلزلة، الآيتين 7 و 8، جاء: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). تؤكد هذه الآيات أن لا عمل، سواء كان خيراً أو شراً، يبقى مخفياً عن الله ولن يضيع منه مثقال ذرة. لذلك، فإن نجاحات الظالمين الدنيوية ليست دائمة فحسب، بل ستتحول إلى حسرة وعذاب في يوم القيامة، بينما تتحول مصاعب المؤمنين في هذه الدنيا إلى مكافآت إلهية عظيمة. ستتحقق العدالة الإلهية المطلقة في الدار الباقية، وما نراه في الدنيا هو جزء فقط من خطته العظيمة، حيث يرى كل فرد جزاء أعماله. هذا اليقين بالعدالة الإلهية في الآخرة يريح قلوب المؤمنين ويمنحهم الأمل بأن لا جهد سيذهب سدى ولا ظلم سيبقى بلا عقاب. **الخلاصة:** إن النجاح الظاهري للأشرار في الدنيا هو جزء من الخطة الإلهية لاختبار عباده وإظهار حكمته وعدله. هذا النجاح ليس علامة على رضا الله ولا هو دائم. بل يمكن أن يكون إمهالاً للتوبة، أو استدراجاً لزيادة عبء الإثم. يجب على المؤمنين، بفهم هذه الحقائق، ألا ينخدعوا بزينة الدنيا الزائلة وأن يعلموا أن النجاح الحقيقي يكمن في الفوز بالآخرة ونيل رضا الله. هذه النظرة لا تقوي إيمان الإنسان فحسب، بل تشجعه على الصبر والثبات والعمل الصالح في جميع مراحل الحياة. الله تعالى، بحكمته اللامتناهية، وضع كل شيء في مكانه الصحيح، ولا يغيب عنه شيء. هذه النجاحات الظاهریه، تلنگری است برای همگان تا به عمق حقایق بنگرند و از ظواهر فریبنده گذر کنند. این جهان محل آزمایش است و نتیجه نهایی در جهانی دیگر رقم میخورد، جایی که هیچ ذرهای از اعمال کسی نادیده گرفته نخواهد شد. این مفهوم نه تنها آرامشبخش است، بلکه انگیزهای قوی برای حرکت در مسیر صحیح و دوری از فریبندگیهای دنیوی فراهم میآورد. فهم این موضوع، ما را به این بینش میرساند که آنچه امروز میبینیم، تمام حقیقت نیست و خداوند متعال، عادلترین داور و حکیمترین تدبیرگر است.
يُحكى أن ملكًا ثريًا، رغم كل عظمته وجلاله، لم يكن يهنأ بنوم ولا راحة بسبب الاضطراب الداخلي وخوفه من فقدان ملكه. وبجوار قصره، كان يعيش درويش فقير في زاوية خربة، يضع رأسه على الأرض كل ليلة بقلب مطمئن وينام بسلام حتى الفجر. عندما علم الملك بحال الدرويش، استدعاه وقال: «أيها الدرويش، ليس لك جيش ولا كنز، ولا ملك ولا رعية، ومع ذلك كيف تنام بهذه السهولة، بينما أنا، مع كل هذا الملك والثروة، لا أجد لحظة راحة؟» ابتسم الدرويش وقال: «أيها الملك، أنا أحكم عبدي الذي هو نفسي، أما أنت فتحكم آلاف الرعية والجيوش، وتخشى منهم التمرد في كل لحظة. من لا يعلق قلبه بالدنيا الفانية، لا يخشى فناءها. نجاحك يكمن في جمع المال والمكانة، ولذلك تخشى زوالها باستمرار، أما سعادتي فتكمن في القناعة، وهي لا تعرف الزوال.» استفاد الملك من هذا القول وفهم أن راحة القلب ليست في وفرة المال والممتلكات، بل في التحرر من قيود الدنيا. أدرك أن النجاح الظاهري يضع أحيانًا عبئًا ثقيلًا على صاحبه، بينما القناعة والرضا هما مفتاحا انفتاح القلوب.