لماذا يموت بعض الناس في سن مبكرة؟

من منظور القرآن، كل وفاة بشرية، سواء كانت مبكرة أو متأخرة، تحدث بإذن الله في وقت محدد مسبقًا، وهي جزء من حكمته وقدره الإلهي. هذه العملية تفوق فهمنا الكامل، وهدفها هو اختبار البشر في جودة أعمالهم، لا في طول أعمارهم.

إجابة القرآن

لماذا يموت بعض الناس في سن مبكرة؟

من منظور القرآن الكريم، فإن مسألة الموت والحياة، بما في ذلك قصر العمر أو طوله، هي جزء أساسي من تقدير الله سبحانه وتعالى وقضائه وقدره. يؤكد القرآن بوضوح أن لكل نفس أجلًا محددًا ووقتًا معينًا لنهاية حياتها الدنيا، لا يمكن لأحد أن يقدمه أو يؤخره. يتكرر هذا المفهوم (الأجل) في عدة آيات قرآنية، مشددًا على أن تحديد وقت الموت يعود كليًا إلى إرادة الله وعلمه اللامتناهي، وأن هذه الإرادة المطلقة تتجلى ضمن حكمته اللامحدودة. من الآيات المحورية في هذا السياق، الآية 145 من سورة آل عمران التي تقول: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا»؛ أي: «وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله، كتابًا مؤجلًا». تُظهر هذه الآية بوضوح أن وفاة أي فرد، حتى لو حدثت في سن الشباب أو الطفولة، ليست مصادفة، بل هي مسجلة مسبقًا في علم الله وتحدث بإذنه. هذا الاعتقاد يضرب بجذوره في أحد الأركان الأساسية للإيمان الإسلامي، وهو الإيمان بالقضاء والقدر الإلهي. قبول هذا المبدأ يمنح المؤمن السكينة، لأنه يعلم أن كل مصيبة، حتى فقدان الأحباب في أوج شبابهم، لا تخرج عن دائرة إرادة الله الحكيمة. هذا المنظور يدعو الإنسان إلى التسليم لمشيئة الله وقبول حكمه الخفية، وينقذه من اليأس والقنوط. آية أخرى تؤكد هذه الحقيقة بقوة وتلقي عليها الضوء، هي الآية 11 من سورة فاطر: «وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ»؛ أي: «والله خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم جعلكم أزواجًا. وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه. وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب. إن ذلك على الله يسير». تتناول هذه الآية صراحة موضوع طول العمر وقصره (زيادة في العمر أو نقصان منه) وتصرح بأن كل هذا مسجل في كتاب أزلي (اللوح المحفوظ). هذا يعني أنه من المنظور الإلهي، لا توجد وفاة، سواء كانت مبكرة أو متأخرة، خارجة عن قدره وإرادته. تقدم هذه الآية صورة شاملة لقدرة الله وعلمه الواسع الذي يشمل جميع تفاصيل الخلق ومصير الكائنات، بما في ذلك أدق جوانب حياة الإنسان، أي طول عمره. فهم هذه المسألة يدعو الإنسان إلى قبول حكم الله في جميع أبعاد الحياة. يصف القرآن الكريم الدنيا بأنها دار ابتلاء واختبار. فكل حياة فرد، بغض النظر عن مدتها، هي ميدان للامتحان والابتلاء الإلهي. وفي هذا المنظور، لا يعني طول العمر أو قصره تفوقًا أو نقصًا؛ بل هو فرصة للعبودية، واكتساب التقوى، وأداء الأعمال الصالحة. قد تقتضي الحكمة الإلهية أحيانًا أن يمر الفرد ذو العمر القصير بابتلاءات عظيمة ويكتسب درجات عالية عند الله. هؤلاء الأفراد، بالصبر على المرض أو صعوبات الحياة، أو حتى بالاستشهاد، يمكنهم تحقيق مكانة في وقت قصير قد لا تكون متاحة للآخرين في عمر أطول. أو على العكس، قد يتم تقصير عمر الفرد لمنعه من المزيد من الانحراف أو ارتكاب ذنوب أكبر، وبالتالي حمايته من السقوط إلى درجات أدنى. هذه كلها حكم لا يحيط بها إلا الله، وفهمها الكامل للبشر غير ممكن، لأن معرفة الإنسان محدودة ولا يمكنها أن تخترق أعماق جميع أبعاد التقدير الإلهي. في سورة الملك، الآية 2، يقول الله تعالى: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»؛ أي: «الذي خلق الموت والحياة ليبلُوَكم أيكم أحسن عملاً». تحدد هذه الآية الغرض من خلق الحياة والموت كاختبار للأعمال الصالحة، وليس لطول العمر، مما يركز على جودة العمل. هذا يعني أن معيار النجاح في الحياة من منظور القرآن، ليس مدتها، بل جودة الأعمال ومقدار التقوى والعبودية. لذلك، من المنظور القرآني، ليس الموت المبكر علامة على الظلم أو الجور؛ بل هو تجلٍ لمشيئة الله وتدبيره الإلهي الذي يقوم دائمًا على العدل والرحمة والحكمة المطلقة. واجب الإنسان أمام هذه الحقائق هو الإيمان بالقضاء والقدر، والصبر والتسليم لإرادة الله، والسعي للخير والإحسان في كل عمر. يجب على المؤمن أن يدرك أن كل حدث في الكون يحدث بإذن الله وعلمه، وأن وراءه حكمة خفية، قد تكون ظاهرة أو مستترة. يمنح هذا المنظور الإنسان السكينة ويحرره من القلق غير المجدي بشأن ما هو خارج عن سيطرته. في النهاية، ما يهم حقًا في نظر الله ليس طول العمر، بل جودة الإيمان والأعمال الصالحة التي قام بها الفرد خلال حياته، سواء كانت قصيرة أم طويلة. الموت ليس نهاية المطاف، بل هو جسر إلى الحياة الأبدية في الآخرة، حيث يُجازى كل إنسان أو يُعاقب وفقًا لأعماله، ولن يُضيع الله أجر المحسنين أبدًا. يساعد هذا الفهم لمفهوم الأجل والتقدير المؤمنين على التحلي بالصبر والثبات في إيمانهم عند مواجهة المصائب وفقدان الأحباء، وخاصة الشباب. إنهم يدركون أن الله أرحم من أن يفعل شيئًا بدون حكمة، وأن كل ما يحدث، مهما بدا مأساويًا، يكمن فيه خير وهدف إلهي، حتى لو لم تستوعبه عقولنا المحدودة. وهكذا، فإن الإجابة على سبب وفاة البعض في سن مبكرة تعود في جوهرها إلى الحكمة الإلهية البالغة وقدره المحتوم الذي يتجاوز فهم التفاصيل البشرية. تبني هذا الاعتقاد جزء لا يتجزأ من كمال إيمان المسلم. يعلمنا هذا المنظور ألا نتساءل عن 'لماذا' بخصوص وقت الموت، بل أن نركز على 'كيف' نعيش خلال مدة حياتنا، ونعد أفضل الزاد لرحلتنا الأبدية. هذه النظرة القرآنية، لا تجعل قبول الموت أسهل فحسب، بل تجعل الحياة أكثر هدفًا وتمنح الإنسان دافعًا قويًا لاستغلال كل لحظة، مع العلم بأن كل نفس قد تكون الأخيرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

قال رجل عجوز لحكيم ذات مرة: «آه، أعمارنا قصيرة، وأحباؤنا يعودون إلى التراب بسرعة!» ابتسم الحكيم وقال: «يا صديقي، ماء النهر دائمًا طازج ويتجدد كل لحظة، لكن هذا لا يعني أن الماء السابق قد ضاع؛ كل قطرة تعود إلى محيط الوجود. الحياة كذلك. لكل أجل مسمى، ووقت رحيلنا ليس بأيدينا ولا يخلو من الحكمة. أحيانًا تذبل زهرة لم تتفتح بعد، وأحيانًا يعود شيخ بلغ المئة إلى التراب. هذه كلها تدابير لخالق له في كل لحظة شأن. المهم هو ما نزرعه من بذور وما نحمله من أعباء خلال تلك الفرصة القصيرة أو الطويلة. فكن راضيًا بقضاء الله، فإنه أعلم وأرحم.»

الأسئلة ذات الصلة