تبدو الذنوب جميلة في أذهاننا بسبب وساوس الشيطان الذي يزين الأعمال السيئة، وميل النفس الأمارة بالسوء إلى اللذات العاجلة، وجاذبية الحياة الدنيا الزائلة. تؤدي هذه العوامل إلى تجاهل قبح المعصية وتمنع الشخص من إدراك الحقيقة.
أخي وأختي الكرام، السؤال الذي طرحتموه عميق جدًا وذو مغزى كبير، ويضرب بجذوره في أحد أكبر التحديات في حياتنا الإيمانية. إن سبب ظهور بعض الذنوب جميلة وجذابة وحتى مرغوبة في أذهاننا هو موضوع تناوله القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية بتفصيل. هذه الظاهرة هي نتيجة لعوامل متعددة، أبرزها وسوسة الشيطان وتزيينه للباطل، وضعف النفس الأمارة بالسوء، وجاذبية متع الدنيا الزائلة. في المقام الأول، العامل الأهم الذي يجعل الذنوب تبدو جميلة ومغرية في أعيننا هو الدور المحوري للشيطان (إبليس). الشيطان، عدو الإنسان اللدود، أقسم منذ بداية خلق آدم (عليه السلام) على أن يضل بني البشر عن طريق الحق، وأن يجعل الأعمال السيئة تبدو مزينة وجميلة في أنظارهم. هذا ما يتضح جليًا في القرآن الكريم في سورة الحجر، الآية 39، حيث يقول إبليس: "قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ". هذه الآية تبين أن إحدى الطرق الرئيسية للشيطان في إضلال الإنسان هي "التزيين" للأفعال القبيحة. إنه يسعى جاهداً من خلال المظاهر الخادعة أن يجرد المعصية من قبحها الحقيقي ويقدمها كخيار جذاب، سهل، مربح، أو حتى ممتع. يمكن أن يكون هذا التزيين بأشكال مختلفة؛ مثل تضخيم اللذات الآنية والزائلة، أو التقليل من شأن العواقب والآثار الوخيمة للمعصية، أو خلق وهم بالتحكم في الظروف، أو حتى استخدام منطق محرف ومبررات تبدو وجيهة. الشيطان يعدنا بالفقر ليثبطنا عن الإنفاق ويأمرنا بالفحشاء، كما جاء في سورة البقرة، الآية 268: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ". بفضل وساوسه، يجعل الإنسان يركز على رغباته الدنيوية بدلاً من رضا الله. العامل الثاني هو "النفس الأمارة بالسوء"، أو النفس الجامحة داخل الإنسان. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ" (يوسف: 53). هذه النفس لديها ميل شديد إلى اللذات الفورية، والراحة، والشهرة، والثروة، وكل ما يبدو سارًا ظاهريًا. يستغل الشيطان هذه النقطة الضعيفة في نفس الإنسان. فهو يقوي نداء النفس الأمارة ويبرره لنا. على سبيل المثال، قد يقدم الشهوات على أنها حرية، أو التكبر على أنه احترام للذات، أو البخل على أنه تدبير مالي، أو الغيبة على أنها حرص على مصلحة الغير أو بيان للحقيقة. هذه النفس الداخلية، إذا لم تُكبح وتُغذى بالتربية الإيمانية الصحيحة، فإنها تتأثر بسهولة بالوساوس الشيطانية وتدفع الإنسان نحو المعصية، بينما تلبس المعصية ثوبًا من الجاذبية والشرعية الكاذبة. العامل الثالث هو الجاذبية الزائلة للحياة الدنيا. يشير القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا إلى خادعية وزخرف الدنيا. في سورة آل عمران، الآية 14، نقرأ: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ". هذه الآية تنبهنا إلى أن بعض الجاذبيات الدنيوية تستقر بشكل طبيعي في قلب الإنسان، ولكن المشكلة تبدأ عندما تتجاوز هذه الميول حدها الطبيعي وتصرف الإنسان عن الهدف الأساسي من خلقه والآخرة. يستغل الشيطان تعلق الإنسان الطبيعي بمتع الدنيا، ومن خلال تضخيم هذه المظاهر وتزيينها، يدفعنا نحو الذنوب التي تبدو وكأنها تقربنا من هذه الرغبات الدنيوية؛ بينما في الواقع، تبعدنا عن السلام الحقيقي والسعادة الأخروية. هذا الغرور الدنيوي يمكن أن يؤدي إلى أن يتخلى الإنسان عن قيمه الأخلاقية والدينية من أجل الحصول على منصب، أو ثروة، أو لذة عابرة، ويرى الذنوب جميلة ومبررة بذريعة تحقيق مصالحه الدنيوية. أخيرًا، من منظور القرآن، يسمح الله تعالى أحيانًا لمن يصر على الضلال ويرفض الحق بالاستمرار في طريقه، حتى يبدو سوء عمله جميلاً في نظره، ويظن هو نفسه أنه يقوم بعمل حسن. في سورة فاطر، الآية 8، جاء: "أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ...". هذه الآية تشير إلى أنه إذا تعمد الإنسان، وهو عالم بالمعصية، الانغماس فيها باستمرار وأعرض عن التوبة والعودة، فقد يصل إلى مرحلة يفقد فيها القدرة على التمييز بين الخير والشر ويرى أعماله السيئة جميلة ومرغوبة. هذه هي نتيجة للإعراض عن آيات الله، والتكبر، والانحراف عن الصراط المستقيم، حيث يحرم الله هؤلاء الأشخاص من بصيرتهم الروحية كنوع من الجزاء. لمواجهة هذه الظاهرة، يجب علينا دائمًا تذكر الله (الذكر)، وطلب العون منه (الاستعانة)، وتزكية النفس، ومصاحبة الصالحين. كما أن التفكر في العواقب السيئة للذنوب وتذكر الثواب والعقاب الإلهيين أمر مساعد للغاية. عندما نتذكر أن كل ذنب، مهما كان صغيراً، يمكن أن يعيق طريقنا إلى السعادة الأبدية ويكون حملاً ثقيلاً يوم الحساب، عندئذٍ يتضح قبحه الحقيقي ويتبدد جماله الكاذب. الاستغفار والتوبة هما السبيل لتطهير القلب من غبار الذنوب واستعادة البصيرة الحقيقية لتمييز الحق من الباطل، والقبيح من الجميل.
يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر مرموق يُدعى عماد، يمتلك ثروة طائلة. كان رجلاً دائم البحث عن المزيد من الربح. ذات يوم، تسلل إغراء جميل إلى قلبه: "إذا اشتريت بضاعة بثمن بخس وبعتها في السوق بأضعاف مضاعفة بالحيلة والقسم الكاذب، سأضاعف ثروتي." هذه الفكرة، مثل الخمر اللذيذ، بدت جميلة في ذهنه، مغطية قبح الربح الحرام. انجذب قلبه لبريق الدنيا وقال لنفسه: "هذه فرصة استثنائية لا ينبغي تفويتها." لكن أحد الشيوخ الحكماء، الذي ذاع صيته بالتقوى في المدينة، رآه مسرعًا نحو السوق. قال الشيخ بابتسامة حانية: "يا عماد! هل تعلم أن الكنز الحقيقي يكمن في القناعة، وأن الربح الحلال، وإن قل، يحمل بركات لن يجدها المال الحرام أبدًا؟ لقد رأيت الكثيرين ممن سعوا وراء الأرباح السهلة، فخسروا دينهم ودنياهم معًا، وما بدا جميلًا في الظاهر، كان في الباطن نارًا حارقة." في البداية، عماد أطرق رأسه عند كلام الشيخ، لكن الإغراء اشتد. فكر في نفسه: "هذه مرة واحدة فقط، ومن سيعلم؟" فذهب إلى السوق وبالخداع، أتم صفقة جلبت له ربحًا هائلاً. لكن تلك الليلة، لم يأتِ النوم إلى عينيه. كلما حاول الاستمتاع بهذا الربح، لم يهدأ قلبه. كان شعور الذنب يثقل كاهله كحمل ثقيل، وما بدا جميلًا ذات يوم، بدا الآن قبيحًا ومؤسفًا. في النهاية، أدرك عماد أن جمال المعصية ليس سوى قناع خادع، وأن حقيقتها ليست سوى الألم والخراب. في اليوم التالي، عاد إلى الشيخ الحكيم، وتاب، وقرر ألا يفضل أبدًا جمال الدنيا الزائف على حقيقة الدين والقناعة. ومنذ ذلك الحين، عاش بمال حلال وقلب هادئ.