كيف لا أكون غير مبالٍ بذنوب الآخرين دون الحكم عليهم؟

لكي لا نكون غير مبالين بذنوب الآخرين دون الحكم عليهم، يجب النصح بحكمة وموعظة حسنة، وتجنب سوء الظن والتجسس، مع التركيز على إصلاح الذات والدعاء لهم بالهداية.

إجابة القرآن

كيف لا أكون غير مبالٍ بذنوب الآخرين دون الحكم عليهم؟

تُعد مسألة عدم اللامبالاة بذنوب الآخرين مع تجنب الحكم عليهم من القضايا الأخلاقية الدقيقة والعميقة في التعاليم الإسلامية، وخاصة في آيات القرآن الكريم. هذه المسألة تشير إلى التوازن بين الواجب الاجتماعي المتمثل في 'الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر' والواجب الفردي لتجنب سوء الظن والتجسس والحكم. يدعونا القرآن الكريم إلى الحفاظ على هذا التوازن ويقدم حلولًا عملية لتحقيقه. الهدف الأساسي هو الإصلاح والهداية، وليس اللوم أو التشهير. المبدأ الأول الذي يؤكد عليه القرآن هو واجب 'الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر'. هذا الواجب يعني الدعوة إلى الخير والنهي عن الشر، ولكن هذه الدعوة والنهي يجب أن تتم بحكمة وموعظة حسنة وجدال بالتي هي أحسن. يقول الله تعالى في سورة آل عمران الآية 104: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» أي: «وليكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون.» تشير هذه الآية إلى أن المجتمع الإسلامي يجب أن يكون فاعلاً وغير مبالٍ بالانحرافات. ولكن كيف يمكننا القيام بذلك دون الحكم على الآخرين؟ الإجابة تكمن في طريقة التعامل. يحرم القرآن بشدة سوء الظن والتجسس والغيبة. في سورة الحجرات الآية 12، نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» أي: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ۖ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا ۚ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه ۚ واتقوا الله ۚ إن الله تواب رحيم.» توضح هذه الآية بوضوح أن التطفل على خصوصيات الناس، والظن السيئ بنواياهم، وإفشاء ذنوبهم المستترة، من الذنوب الكبيرة. يبدأ الحكم تحديداً من هذه النقطة؛ عندما يصدر الفرد حكمًا نهائيًا على شخصية الآخر، أو إيمانه، أو مصيره الأخروي بناءً على ظاهر عمل أو بناءً على ظنونه. بينما الله وحده هو العليم ببواطن الأمور والمصائر النهائية للأفراد. لذلك، فإن الاستراتيجية الأساسية عند مواجهة ذنوب الآخرين هي تبني ثلاث مقاربات رئيسية: 1. التركيز على الذات وإصلاحها: قبل كل شيء، يجب أن نعمل على إصلاح أنفسنا. عندما ننشغل بعيوبنا، لن نجد وقتًا للانشغال بعيوب الآخرين والحكم عليهم. جاء في حديث عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.» ويقول القرآن أيضًا في سورة المائدة الآية 105: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» أي: «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ۖ لا يضركم من ضل إذا اهتديتم.» هذه الآية لا تعني أبدًا ترك الأمر بالمعروف، بل تؤكد على المسؤولية الفردية وأهمية بناء الذات. 2. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحكمة ولطف: إذا كانت المعصية علنية وهناك إمكانية للتأثير، فيجب التصرف بنهج متعاطف ومحترم. يقول الله في سورة النحل الآية 125: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» أي: «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.» هذه الآية هي توجيه شامل. فالحكمة تعني فهم الظروف، والوقت المناسب، وقدرة الطرف الآخر على الاستيعاب، واستخدام الطريقة الأكثر منطقية وفعالية. والموعظة الحسنة تعني الكلام اللطيف، المتعاطف، ودون تحقير. والجدال بالتي هي أحسن يعني أنه حتى في النقاشات والجدل يجب الحفاظ على الأدب والاحترام. الهدف هو إنقاذ الفرد من المعصية، وليس توبيخه أو إذلاله. يجب أن نتذكر أن الله هو الستار، وقد أمر عباده بستر عيوب بعضهم البعض، إلا في الحالات التي تأخذ فيها المعصية طابعًا عامًا وتضر بالمجتمع. 3. الدعاء بالخير والأمل في الهداية: بدلاً من الحكم على مصائر الأفراد، يجب أن ندعو لهم بالهداية. القلوب بين يدي الله وهو الذي يهدي. حتى في قضية فرعون، أمر الله موسى وهارون (عليهما السلام) بأن يكلماه بلين، على أمل أن يتذكر أو يخشى. في سورة طه الآية 44 يقول: «فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ» أي: «فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى.» هذا يدل على أنه حتى مع أشد الناس طغيانًا، يجب التعامل من موقع العطف والهداية، وليس من موقع الحكم واللعن. يجب دائمًا ترك باب الأمل في التوبة والعودة مفتوحًا. خلاصة القول، لكي لا نكون غير مبالين بذنوب الآخرين ولكننا لا نحكم عليهم، يجب أن نعمل على أنفسنا أولاً، ثم نؤدي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحكمة، ولطف، وتعاطف، وأخيرًا، ندعو دائمًا لهداية الآخرين ونتذكر أن الحكم النهائي لله وحده. هذا النهج لا يساعد فقط على الإصلاح الفردي والاجتماعي، بل يحافظ أيضًا على كرامة الإنسان ويعزز روابط الأخوة في المجتمع.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في زمن من الأزمان، كان رجل صالح يسير في طريق. وقع بصره على رجل منشغل باللغو واللهو في مجمع، وكأنه غافل عن ذكر الله. فكر الرجل الصالح في نفسه: 'يا للأسف على هذا الضال! ربما يكون قد ابتعد كثيرًا عن رحمة الله.' في تلك الليلة، رأى في المنام صوتًا يقول له: 'أيها العبد! هل أنت عالم الغيب؟ ربما ذاك الذي رأيته اليوم ضالًا، يقترب غدًا بتوبة نصوح إلى عتبتنا ليتفوق على مئة مثلك. وربما أنت الذي تعتبر نفسك صالحًا اليوم، تزل قدمك غدًا وتقع في هاوية الذنب. الحكم على العباد هو من عمل الخالق، لا المخلوق.' استيقظ الرجل الصالح من نومه، ومنذ ذلك اليوم، كلما رأى معصية من أحد، بدلًا من الحكم، كان يدعو له ويطلب من الله أن يحفظه هو أيضًا من الزلل.

الأسئلة ذات الصلة