الخوف من إيمان الآخرين غالبًا ما ينبع من الجهل، الغطرسة، الحسد، التعلق بالدنيا، ووساوس الشيطان، مما يعيق فهم الحقيقة وقبولها. يُرجع القرآن هذه المخاوف إلى حواجز داخلية لدى الإنسان، ويدعو إلى الصبر والحكمة وعدم الإكراه في الدين.
إن الخوف الذي يكنّه بعض الناس تجاه إيمان الآخرين ظاهرة معقدة، متجذرة بعمق في النفس البشرية، وفي الهياكل الاجتماعية، وفي الجهل. يتناول القرآن الكريم، ببصيرته العميقة، هذه الأبعاد، وينسب هذا الخوف ليس إلى جوهر الإيمان بحد ذاته، بل إلى الحواجز التي يقيمها الأفراد في قلوبهم ومجتمعاتهم. غالبًا ما ينبع هذا القلق من الجهل، والغطرسة، والحسد، والتعلق بالدنيا والمكاسب المادية، وبالطبع، وساوس الشيطان الخبيثة التي تشوه الحقيقة في أعين البشر. أحد أهم العوامل التي يسلط القرآن الضوء عليها هو «الجهل» و «سوء الفهم». فالبشر بطبيعتهم يخشون ما لا يعرفونه أو لا يفهمونه. عندما يظهر إيمان يختلف عن المعتقدات التقليدية أو السائدة في المجتمع، أو عندما يتأثر الأفراد بالدعاية السلبية والتعصب الأعمى، يتحول هذا النقص في المعرفة الحقيقية إلى خوف وشك. يذم القرآن مرارًا وتكرارًا أولئك الذين ينكرون الحقيقة دون بحث أو تفكير، لمجرد التزامهم الأعمى بتقاليد الأجداد أو عادات الماضي. هذا الاتباع الأعمى للسلف ومقاومة الأفكار الجديدة يؤدي إلى بناء جدار من الجهل، يمنع الفهم الصحيح لإيمان الآخرين. ونتيجة لذلك، بدلاً من النظر إليه من منظور العقل والقلب، يُنظر إليه من وراء حجاب الخوف والتشاؤم. هذا الخوف من الحقيقة هو، في جوهره، خوف من معرفة شيء قد يتحدى المفاهيم الخاطئة السابقة ويجبر الأفراد على إعادة تقييم حياتهم. إن الخوف من التغيير ومواجهة المجهول هو أحد أكبر العوائق أمام قبول الحقائق الجديدة. عامل آخر يؤكد عليه القرآن مرارًا هو «الاستكبار» و «الغطرسة». كثير ممن يقاومون الإيمان أو يخشونه هم أفراد في مراكز القوة أو الثراء أو النفوذ المتصور. إنهم يرون الإيمان تهديدًا لمكانتهم ونفوذهم ومصالحهم الدنيوية. في الروايات القرآنية، غالبًا ما أنكر الفراعنة والملوك ونخبة القبائل الأنبياء وأتباعهم وعارضوهم بسبب غطرستهم وخوفهم من فقدان السلطة. تمنع هذه الكبرياء النظر بموضوعية إلى الحقيقة، لأن قبولها يستلزم التواضع أمام الله والاعتراف بحدودهم. إنهم يخشون المساواة التي يدعو إليها الإيمان، والتي تفكك التسلسلات الهرمية المصطنعة وتدعو إلى التواضع أمام الخالق. خوفهم ليس من الإيمان نفسه، بل من فقدان السيطرة والامتيازات والتفوق الزائف الذي نسبوه لأنفسهم. الإيمان الحقيقي يتحدى الهياكل الظالمة، ومن الطبيعي أن يشعر من يستفيد من هذه الهياكل بالتهديد من قوة الإيمان. غالبًا ما يتصاعد هذا الخوف إلى العداء والقمع، حيث لا يجدون طريقة أخرى لقمعه. ويلعب «الحسد» أيضًا دورًا مهمًا في هذا الخوف. ففي بعض الأحيان، يخشى الأفراد إيمان الآخرين ويعادونه بسبب الحسد الذي يشعرون به تجاه الهداية والسلام والروحانية الواضحة في حياة المؤمنين. قد يستاؤون من رؤية الآخرين يسلكون طريق الحق ويستفيدون من النعم الإلهية، بينما يعيشون هم أنفسهم في الضلال والاضطراب. يمكن أن يتحول هذا الحسد إلى حقد وعداوة، مما يدفع الأفراد إلى محاربة نور الهداية بدلاً من احتضانه. يشير القرآن صراحة إلى حسد بعض الأقوام بسبب النعم الإلهية التي وهبت للآخرين. هذا الحسد لا يعيق تقدم الفرد فحسب، بل يدفعه أيضًا إلى معارضة وخوف كل ما يساهم في نمو الآخرين وازدهارهم. إن التعلق الشديد بـ «المصالح الدنيوية» و «المتعة المادية» هو سبب آخر للخوف من الإيمان. فغالبًا ما يدعو الإيمان الحقيقي إلى التضحية ونكران الذات والالتزام بالتقوى، مما قد يتعارض مع نمط الحياة المادي لبعض الأفراد. أولئك الذين ينصب كل همهم على جمع الثروة والسلطة والملذات العابرة يخشون إيمانًا يدعوهم إلى الاعتدال والعطاء والحياة الأخروية. إنهم يخشون أنه بقبول الإيمان، سيُجبرون على التخلي عن الملذات الدنيوية الزائلة أو أن مصالحهم الاقتصادية ستتعرض للخطر. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا البشر من التعلق المفرط بالحياة الدنيا، ويحددها كسبب رئيسي لنسيان الآخرة والانحراف عن الصراط المستقيم. يمكن أن يكون هذا الخوف من الخسارة أقوى بكثير من الميل إلى قبول الحقيقة، مما يدفع الأفراد إلى مقاومة الإيمان ومعاداته. علاوة على ذلك، يجب ألا نغفل دور «وساوس الشيطان». فالشيطان، العدو اللدود للبشرية، يسعى باستمرار إلى تضليل البشر وغرس الشك وإثارة الشحناء بينهم. يزين الباطل ويشوه الحق، ويزرع بذور الخوف في قلوب البشر. فالخوف من الفقر، والخوف من فقدان المكانة الاجتماعية، والخوف من النبذ من قبل المجتمع، من بين تكتيكات الشيطان لإبعاد الناس عن الإيمان. يؤكد القرآن الكريم أن الشيطان عدو واضح للبشرية، وأنه يجب الاستعاذة بالله من وساوسه. هذه المخاوف التي لا أساس لها هي نتاج إيحاءات شيطانية تدفع الأفراد نحو العداء ضد الإيمان والمؤمنين. في الختام، غالبًا ما يكون الخوف من إيمان الآخرين خوفًا من نور الحقيقة الذي يرفع حجاب الجهل والغطرسة والجشع. يوصي القرآن الكريم المؤمنين بالصبر والثبات عند مواجهة مثل هذه المخاوف والعداوات، ودعوة الناس إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وألا يكون هناك إكراه في الدين أبدًا (لا إكراه في الدين). لأن الهدف من الإيمان هو الهداية والسلام، وليس الإكراه والخوف. هذه المخاوف هي أعراض لضعف داخلي وعدم ثقة بالنفس، مما يجبر الفرد على إغلاق عينيه ومحاربة الحقيقة بدلاً من فتح ذراعيه لها. في الواقع، أولئك الذين يخشون إيمان الآخرين، يخشون أكثر من أي شيء آخر، الحقيقة نفسها ونتائج اعتناقها في حياتهم.
يُحكى أن ملكًا كان يخشى كل غريب يأتي إلى مدينته. كان يعتقد أن كل من تختلف عاداته وتقاليده عن عاداته ينوي الإطاحة به. ذات يوم، وصل درويش حكيم وخيّر إلى المدينة وبدأ يعظ في المسجد. اجتمع الناس حوله، يتلقون العبر من كلامه. وصل الخبر إلى الملك، واستولى عليه الخوف. فقال لوزيره: «هذا الدرويش يستحوذ على قلوب الناس، وربما في يوم من الأيام يخلعني من عرشي!» فأجاب الوزير، وكان رجلاً حكيمًا: «أيها الملك، الدراويش الحقيقيون لا يطلبون الدنيا ولا الحكم؛ بل يدعون القلوب إلى الله. خوفك ينبع من الجهل، لا من الحقيقة.» استمع الملك إلى كلام وزيره وقرر زيارة الدرويش بنفسه. وجد الدرويش يتحدث إلى الناس بتواضع ولطف، ولا يعلمهم إلا التقوى والإحسان. أدرك الملك أن خوفه كان لا أساس له، ومنذ ذلك اليوم، أبدى احترامًا للدرويش وانجذب هو نفسه نحو الطريق المستقيم. فكم من المرات يعمي الخوف، الناشئ عن الجهل والتعلق بالدنيا، عين القلب عن رؤية الحقيقة.