لماذا يضل الله بعض الناس في القرآن؟

الله لا يضل أحداً قسراً، بل الضلال نتيجة لاختيارات الإنسان وأفعاله. من ينكر الحق عمداً يُحرم من التوفيق الإلهي، وهذا تجلٍ لعدل الله.

إجابة القرآن

لماذا يضل الله بعض الناس في القرآن؟

إنّ أحد الأسئلة العميقة والمهمة التي تثار عند دراسة القرآن الكريم، والتي قد تؤدي أحيانًا إلى سوء فهم، هي مسألة إضلال الله لبعض الناس. لفهم هذا الموضوع فهمًا صحيحًا، من الضروري أن نتناوله بدقة ووفقًا لجميع آيات القرآن ومبادئ العدل الإلهي. في المقام الأول، يجب التأكيد على أن الله تعالى، وفقًا للعديد من آيات القرآن، لا يرتكب ظلمًا أو جورًا أبدًا، ولا يجبر أحدًا على الضلال قسرًا دون إرادته واختياره. يقتضي العدل الإلهي أن يميّز كل إنسان بين الطريق المستقيم والطريق الباطل، ثم يختار مسار حياته بناءً على اختياره. لا ينبغي تفسير مفهوم "الإضلال" في القرآن على أنه سلب للإرادة والاختيار من الإنسان وتوجيهه قسرًا نحو الباطل، بل لهذا الموضوع أبعاد أعمق ترجع إلى أفعال واختيارات الإنسان نفسه. يُصرّح القرآن الكريم بأن الله قد بيّن للناس طريق الهدى. فقد أرسل الأنبياء، وأنزل الكتب السماوية، ووضع آيات بيّنة في الآفاق والأنفس لكي يتمكن الناس من تمييز الحق من الباطل. هذه "الهداية الابتدائية" و"الهداية التشريعية" متساوية لجميع البشر. ولكن إلى جانب ذلك، هناك مفهوم يُعرف باسم "الهداية التكوينية" أو "التوفيق"، والذي يعني عون الله ومساعدته للذين يختارون بإرادتهم واختيارهم طريق الهدى ويسعون إليه. وبالمثل، فإن "الإضلال" الإلهي، في الحقيقة، هو سحب أو سلب هذا التوفيق والعون من الذين اختاروا بوعي وتكبر وظلم وفسق وكذب وعناد طريق الباطل، وأعرضوا عن الآيات الإلهية الواضحة. هؤلاء هم الذين أغلقوا قلوبهم على الحقيقة، وحرموا آذانهم من سماع كلمة الحق، وأعموا أعينهم عن رؤية الآيات الإلهية. هذا الضلال هو النتيجة المنطقية والعادلة لاختياراتهم هم، وليس فعلًا ظالمًا من جانب الله. على سبيل المثال، نقرأ في سورة البقرة، الآية 7: "خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة، ولهم عذاب عظيم). هذه الآية توضح بجلاء أن ختم القلوب والآذان والغشاوة على الأبصار هي نتيجة لأعمال الإنسان واختياراته. فالذين ينكرون الحقيقة مرارًا وتكرارًا وعمدًا، ويجادلون في آيات الله، ويصرون على كفرهم، تصبح قلوبهم قاسية وغير قابلة للنفاذ تدريجيًا. هذا الختم لا يعني عجزهم المطلق عن قبول الحقيقة، بل يعني سلب توفيق الله وعونه منهم، لأنهم هم أنفسهم أغلقوا الأبواب على أنفسهم. في الواقع، هذه نتيجة طبيعية لسلوكهم واختياراتهم. كما يذكر القرآن الكريم فئات معينة من الناس لا يهديهم الله؛ وهؤلاء هم الذين حرموا أنفسهم من فيض الهداية الإلهية بسبب صفاتهم الذميمة. ومن هذه الفئات يمكن ذكر "القوم الفاسقين" (المائدة: 108)، و"القوم الكافرين" (البقرة: 264)، و"القوم الظالمين" (آل عمران: 86)، و"القوم المسرفين" (غافر: 28)، و"القوم الكاذبين" (غافر: 28)، و"القوم المتكبرين" (غافر: 35). هذه الصفات هي سمات أخلاقية وسلوكية تمنع من تلقي الهداية. على سبيل المثال، تقول سورة المائدة، الآية 108: "وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (والله لا يهدي القوم الفاسقين). الفاسق هو من خرج عن طريق الحق وتجاوز حدود الله. عندما يبتعد الإنسان بإرادته عن طريق الهدى ويصر على الذنب والفسق، فإن الله يسلب منه توفيق الهداية، لا أن يضله إجبارًا. لذلك، فإن الإضلال في القرآن لا يعني تفعيل الضلال في الإنسان، بل يعني عدم الهداية التوفيقية وسلب العون الإلهي من الذين اختاروا بأنفسهم وبوعيهم طريق الضلال، وأغلقوا قلوبهم على النور الإلهي. هذا الأمر يتجلى فيه العدل المطلق لله الذي يجازي كل إنسان بناءً على نيته وعمله أو يحرمه من فضله. الله لا يظلم أحدًا، بل البشر هم الذين يظلمون أنفسهم. هذا درس يوضح أن المسؤولية الرئيسية عن الهداية أو الضلال تقع على عاتق الإنسان نفسه، والله هو فقط مستجيب لاختياراته. هذه المسألة لا تسلب حرية الإنسان بأي شكل من الأشكال، بل تزيدها تأكيدًا، لأن عواقب اختياراتنا تعود إلينا. فهم هذه النقطة أساسي، ففي القرآن، تُفهم الهداية والضلال ضمن إطار العدل والاختيار الإنساني، وكل نفس ترى نتيجة أعمالها واختياراتها. لقد بيّن الله دائمًا طريق النجاة، والإنسان هو الذي يقرر ما إذا كان سيسير على هذا الطريق أم لا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن رجلاً في الأزمنة الغابرة كان دائم الإعراض عن كل نصيحة وموعظة، وكان يظن نفسه الأعلم بين الناس بزهو وتكبر. وكلما دعاه عالم إلى سبيل الرشاد والسعادة، وبيّن له آيات الحق، كان يُعرض عن تلك الأقوال بابتسامة على شفتيه وقلب مغلق، ويقول: "أنا أعرف طريقي ولا أحتاج إلى إرشاد الآخرين!" مضت الأيام، وضل هذا الرجل المتكبر طريقه في صحراء الحياة. لم يعرف طريق العودة، وتورط في حيرة وعسر. حينها تذكر تلك الأقوال الحكيمة التي كان قد استخف بها من قبل. أدرك أن ضلاله لم يكن من جور القدر، بل من اختياره هو نفسه وإغلاقه عينيه وأذنيه عن نور الحقيقة. وهكذا، أصبح الندم مفتاح صحوته.

الأسئلة ذات الصلة