لماذا يصف القرآن بعض الناس بأنهم 'عمي وصمّ'؟

يستخدم القرآن وصف 'أعمى وأصم' للأشخاص الذين، على الرغم من امتلاكهم الحواس الجسدية، عاجزون عن إدراك الحقائق وقبول الهداية الإلهية بسبب الغرور والغفلة والعناد. هذه العجز استعارة لجمود القلب والفشل في استخدام العقل للتعرف على آيات الله.

إجابة القرآن

لماذا يصف القرآن بعض الناس بأنهم 'عمي وصمّ'؟

في القرآن الكريم، تتناول العديد من الآيات وصفًا لأشخاص، على الرغم من امتلاكهم حواس البصر والسمع الظاهرة، إلا أنهم في الواقع عاجزون عن إدراك الحقائق وقبول الهداية الإلهية. إن هذا الوصف بـ'العمى والصمم' لا يعني إعاقة جسدية، بل هو استعارة عميقة وذات مغزى، تشير إلى جمود وعدم فعالية الحواس الداخلية والقلبية. هؤلاء الأفراد، أمام آيات الله وعلاماته، سواء في عالم الخلق أو في كلام الوحي، يتصرفون وكأنهم عمي وصم، لأنهم حرموا قلوبهم وعقولهم من فهم الحقيقة وقبولها. ويعزو القرآن هذه الحالة إلى اختيار وأفعال الأفراد أنفسهم؛ أي أنهم بأنفسهم، من خلال التكبر والعناد والكفر والغفلة، قد أقاموا حُجبًا على قلوبهم وعقولهم تمنعهم من رؤية وسماع الحق. من الضروري توضيح أن الله سبحانه وتعالى لا يُضل أحدًا بالإكراه ودون اختياره. في الواقع، هذا الوصف بـ'العمى والصمم' يعبر عن حقيقة أنه عندما ينكر الإنسان عن وعي وتكبر الآيات الإلهية، ويغلق أذنيه عن الحق، ويستر عينيه عن علامات الله الواضحة، فإن الله تعالى، نتيجة لهذا العناد والإصرار على الباطل، يضع حجاب الغفلة على قلبه. هذا عقاب إلهي هو نتيجة منطقية لأفعال الفرد واختياراته. هؤلاء الأفراد يتظاهرون بالجهل والإنكار إلى درجة أنهم حتى لو رأوا معجزات عظيمة أو سمعوا أوضح الحقائق، فإنهم لا يؤمنون. قلوبهم مختومة، آذانهم صماء، وعلى أبصارهم غشاوة. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 18، يقول الله تعالى: "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ"، أي: "صمٌّ (عن سماع الحق)، بكْمٌ (عن النطق به)، عمْيٌ (عن رؤية الحق)؛ فهم لا يرجعون (إلى طريق الهداية)". هذه الآية تظهر بوضوح أن عدم القدرة على العودة إلى طريق الحق هو نتيجة لهذا الجمود الداخلي. لا يمكنهم السماع لأنهم لا يريدون؛ لا يمكنهم الرؤية لأنهم لا يريدون؛ ولا يمكنهم النطق بالحق لأنهم لا يؤمنون به. هذه الحالة هي وضع يرثى له وخطير، يحرم الفرد من تلقي أي نور هداية. بالإضافة إلى ذلك، في سورة الأعراف، الآية 179، يقدم وصفًا أكثر صدمة: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" أي: "ولقد خلقنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يدركون بها الحق، ولهم أعين لا يرون بها آيات الله، ولهم آذان لا يسمعون بها مواعظه. أولئك بمنزلة الأنعام، بل هم أشد ضلالًا؛ أولئك هم الغافلون عن آيات الله." هذه الآية توضح بجلاء أن هؤلاء الأفراد لا يستخدمون قدراتهم الإدراكية بشكل صحيح. فالقلب والعين والأذن هي أدوات للفهم والمعرفة، ولكن إذا لم تستخدم أو استخدمت في الاتجاه الخاطئ، فإنها تصبح عديمة الفائدة عمليًا. تشبيههم بالأنعام يدل على سقوط الإنسان من مقام الكرامة والعقل إلى مستوى أدنى، فالأنعام تعمل بالغريزة وتفتقر إلى العقل والتفكير، في حين أن هؤلاء البشر، على الرغم من امتلاكهم العقل، لا يستخدمونه. وتأكيد "بل هم أضل" يشدد على وخامة وضعهم، لأن الحيوان الذي لا يملك عقلًا ليس مسؤولًا عن أفعاله، أما الإنسان الذي يملك عقلًا ولا يستخدمه فهو أشد مسؤولية وأكثر ضلالاً. هذه الحالة من العمى والصمم لا تسبب المشاكل في الآخرة فحسب، بل تؤثر أيضًا على حياة الأفراد في الدنيا. فهم غير قادرين على تمييز الصديق من العدو، والحق من الباطل، والخير من الشر. يغرقون في أوهامهم ويضلون طريق السعادة. يشير القرآن مرارًا إلى أن هؤلاء الأفراد هم الذين رفضوا الحق بتكبر وعناد، وقد أغلق الله عليهم طريق الهداية نتيجة اختيارهم هذا. وهذا الوصف تحذير جاد لجميع البشر بأن يحذروا الوقوع في الغفلة والكبر، وأن يبقوا دائمًا قلوبهم وعيونهم وآذانهم مفتوحة لتلقي نور الحقيقة. في الختام، تعلمنا هذه الآيات أن الهداية عملية ذات اتجاهين. فالله يرسل العلامات والرسل، لكن القبول يعتمد على إرادة الإنسان الحرة واستعداده القلبي. إذا لم يرغب الإنسان في الرؤية أو السماع بنفسه، فإنه حتى مع أوضح المعجزات، سيبقى أعمى وأصم. هذا الوصف القرآني يؤكد، أكثر من أي شيء آخر، مسؤولية الإنسان عن خياراته ومصيره. نحن مسؤولون عن استخدام نعمة العقل والعين والأذن في سبيل معرفة الله وعبادته، لئلا نُحشر في زمرة 'العميان والصم' ونُحرم من نور الهداية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري ولكنه كان عنيدًا جدًا وغافلًا. كلما نصحه الحكماء وأهل المعرفة بأن يتفكر في عواقب الأمور وأن يطلب الحق، كان يسد أذنيه ويغمض عينيه قائلًا: "ما أراه وأسمعه هو الحقيقة، ولا حاجة لي بنصح الآخرين." لقد كان غارقًا في عالمه الخاص لدرجة أنه لم ير علامات الحكمة الإلهية في الطبيعة والأحداث من حوله، ولم يسمع أصوات الأنبياء. مرت الأيام، وتلاشت ثروته، وفي النهاية، في شيخوخته، وجد نفسه محاصرًا في الوحدة والندم. حينها فقط تذكر أن البصر والسمع الحقيقيين هما بصر وسمع القلب اللذين لم يستخدمهما قط. يقول السعدي: "من كان له قلب لا نور الله فيه، فعلى عينه لا آية، وعلى أذنه لا صوت."

الأسئلة ذات الصلة