لماذا يُعرف الله أحيانًا بـ 'الرحمن' وأحيانًا بـ 'الجبار'؟

يُعرّف الله بصفة «الرحمن» (الرحمة الشاملة) و«الجبار» (القوة والإصلاح) لإظهار كمال ذاته الإلهية الفريد والتوازن بين رحمته وقوته. هاتان الصفتان تكملان بعضهما البعض، مقدمتين صورة شاملة للرب الذي هو رحيم ومهيمن في آن واحد.

إجابة القرآن

لماذا يُعرف الله أحيانًا بـ 'الرحمن' وأحيانًا بـ 'الجبار'؟

عرّف الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم نفسه بأسماء وصفات عديدة، كل منها يعكس جانبًا من كماله اللامتناهي. هذه الأسماء، المعروفة بـ «الأسماء الحسنى»، تزيد عن تسعة وتسعين اسمًا، وكل منها يرسم بجمال ودقة بعدًا من أبعاد وجوده، وقوته، وعلمه، وحكمته، ورحمته سبحانه. والسؤال المطروح هو: لماذا يُعرف الله أحيانًا بصفة «الرحمن» التي ترمز إلى الرحمة والشفقة اللامتناهية، وأحيانًا بصفة «الجبار» التي تدل على القوة والقهر والجبروت؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في فهم الشمولية والكمال الفريد للذات الإلهية. فالله تعالى ليس مجرد تجلٍ لصفة واحدة، بل هو جامع لكل الكمالات والصفات المتعارضة ظاهريًا، والتي تصل إلى الكمال المطلق في الذات الإلهية، لتخلق توازنًا لا مثيل له. **شرح صفة "الرحمن"**: «الرحمن» هو أحد أبرز أسماء الله وأكثرها تكرارًا في القرآن الكريم، لدرجة أنه يأتي مع «الرحيم» في بداية كل سورة (باستثناء سورة التوبة). «بسم الله الرحمن الرحيم» هو فاتحة الكلام الإلهي، وهذا بحد ذاته يشير إلى محورية الرحمة الإلهية. «الرحمن» يعني صاحب الرحمة الواسعة والشاملة التي تمتد لتشمل جميع المخلوقات، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، محسنين أو مسيئين. هذه الرحمة هي رحمة عامة وشاملة، تشكل أساس الخلق، والرزق، والهداية التكوينية والتشريعية، وحفظ الكون. فجميع النعم التي يتمتع بها البشر وسائر الكائنات، من رزق وصحة وذكاء وقدرات وفرص حياة، كلها مظاهر من رحمة الله الرحمنية. بفضل هذه الرحمة الواسعة، يمنح الله حتى العصاة والغافلين فرصة للحياة، والتوبة، والعودة. هذه الصفة تعبر عن الحب اللامتناهي، واللطف الجزيل، والتعاطف المطلق من الرب تجاه مخلوقاته. في الواقع، إن وجود الكون وبقاءه نابع من رحمته الرحمنية. **شرح صفة "الجبار"**: «الجبار» هو أيضًا من الأسماء الحسنى التي تحمل معاني عميقة ومتعددة. وقد وردت هذه الصفة في سورة الحشر، الآية 23، إلى جانب صفات أخرى للعظمة والقوة الإلهية مثل «القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، المتكبر». أحد معاني «الجبار» هو «الغالب» و «المسيطر»؛ أي الذي تنفذ إرادته ولا يستطيع شيء أو أحد أن يقف في وجه قوته وأمره. هو الذي يحقق ما يشاء، وينجز ما يريد. يشير هذا الجانب من صفة «الجبار» إلى قوة الله المطلقة وسلطانه اللامحدود، الذي لا شيء يقارن به. المعنى الآخر لـ «الجبار» هو «المصلح» و «المعالج». هو الذي يجبر النواقص، ويزيل العيوب، ويلئم الكسور، ويصلح ما فسد. يشير هذا الجانب من صفة «الجبار» إلى قدرة الله على الترميم والإصلاح، ورفع الظلم، وإقامة العدل. هو الذي يسكّن القلوب المنكسرة، وينصر المظلومين، ويجازي الظالمين على أفعالهم. هذه الصفة هي مظهر لقدرة الله في إقامة العدل وتثبيت النظام في الكون. المعنى الثالث لـ «الجبار» هو «العالي» و «العظيم»؛ أي الذي هو فوق كل نقص وعيب وحاجة، والذي يمتلك عظمة وكبرياء لا متناهية. **التعايش والتوازن بين صفتي "الرحمن" و "الجبار"**: السبب الرئيسي لتعريف الله بهذه الصفات المتناقضة ظاهريًا هو إظهار الكمال المطلق وشمولية الذات الإلهية. فالله ليس فقط رحيمًا وغفورًا، بل هو في الوقت نفسه قدير ومهيمن. لو أن صفة الرحمة الإلهية وحدها كانت هي المطروحة، لربما ظن البعض أنهم يستطيعون ارتكاب أي ذنب دون عقاب، وهذا التصور يتعارض مع هدف الخلق ونظام العدل الإلهي. ولو أن صفة القوة والجبروت (الجبار) وحدها كانت هي البارزة، لربما فقدت القلوب الأمل، وما تجرأ أحد على الاقتراب من الحرم الإلهي، ولغرق الناس في الخوف والرعب من العقاب. إن الجمع بين هاتين الصفتين يقدم صورة كاملة ومتوازنة للرب: فهو لطيف يمنح عباده الفرص ويكرمهم (الرحمن)، وفي الوقت نفسه، هو قدير ومهيمن يستطيع العقاب وإعادة الحقوق لأصحابها وتحقيق إرادته (الجبار). هذا التوازن ظاهر أيضًا في الكون. فخلق الكون يقوم على النظام، والرحمة، والرزق، والحياة، وهذا مظهر «الرحمن». ولكن في الوقت نفسه، تحكمه قوانين صارمة لا يمكن خرقها، وخرقها يؤدي إلى عواقب محددة (قوانين الطبيعة، الموت، الزلازل، الأمراض، إلخ). هذه الجوانب تدل على قدرة الله وجبروته الذي يمارس إرادته من خلال القوانين الطبيعية أيضًا. بالنسبة للمؤمنين، فإن هذا الجمع بين الصفات يولد الرجاء والخوف: الرجاء في رحمة الله ومغفرته (الرحمن)، والخوف من قوته وعقابه في حال العصيان (الجبار). هاتان الصفتان تنميان الإيمان في قلب الإنسان، وتحفظانه دائمًا في حالة وسط بين الرجاء والخوف، حتى لا ييأس من رحمة الله ولا يأمن من مكره أو عذابه. في الختام، يوضح هذا الجمع أن الله عادل؛ فهو يرحم، وفي مكانه الصحيح، يتصرف بحزم ليحافظ على النظام والعدل في الوجود. صفة «الجبار» هي مكملة لـ «الرحمن»، لأن الرحمة بدون قوة تنفيذية لا يمكن أن تحقق هدفها، والعدل لا يمكن أن يُفرض بدون قوة. والقوة بدون رحمة تؤدي إلى الطغيان. لذلك، يقدم «الرحمن الجبار» معًا صورة شاملة لرب كامل وحكيم لا نهاية له، فهو الخالق والحافظ، الرحيم والعادل، الرازق والمحاسب. يظهر هذا التوازن جمال الله وكماله المطلق.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في «بستان سعدي» أن ملكًا عظيم القدر، كان يُعرف بعدله وحزمه الشديدين، لدرجة أن الناس كانوا يخشون سطوته. وفي إحدى الليالي، جلس الملك مع حكيم وقور، يسأله عن سر بقاء الدول وازدهارها. أجاب الحكيم: «أيها الملك، إن القوة وحدها لا تدوم، والعدل الذي لا يمتزج بالرحمة، قد يصبح ظلمًا في نظر القلوب الضعيفة. انظر إلى خالق السماوات والأرض، هو «الجبار» الذي لا يغلبه شيء، والذي ينفذ إرادته بقوة لا تقهر، ولكنه في ذات الوقت «الرحمن الرحيم»، الذي وسعت رحمته كل شيء. بمزجك للقوة بالرحمة، تكتسب قلوب الرعية، وتثبت أركان ملكك.» لم يفهم الملك الحكمة كلها في بادئ الأمر، واستمر في حكمه بشدة. ولكن بعد فترة، تورط أحد الأمراء المقربين في قضية كبرى تستدعي عقوبة شديدة، وكان الجميع يتوقع أشد العقاب. حينها، تقدمت أميرة شابة، ابنة الأمير، ببراءة ودموع إلى الملك، تناشده الرحمة بحق والدها المسنّ. نظر الملك إلى دموعها الصافية وتأثر قلبه، وتذكر كلمات الحكيم عن رحمة الله الواسعة. فقرر الملك أن يعفو عن الأمير، ليس لضعف في العدل، بل لتطبيق الرحمة التي تلطف القلوب. هذا العفو أحدث دوياً عظيماً من الفرح والولاء في المملكة، وعلم الملك أن القدرة الحقيقية تكمن في القدرة على العفو والرحمة، وأن هذه الصفات هي التي تبني الجسور وتصلح القلوب، تمامًا كما أن الله يظهر نفسه بصفة «الجبار» لتأكيد قوته وسلطانه، وبصفة «الرحمن» ليغمر خلقه باللطف والرحمة، فتتكامل الصفتان في ذاته العلية.

الأسئلة ذات الصلة