يؤكد القرآن أن الشيطان عدو مبين لأنه يكن العداء للبشرية منذ البداية وقد أقسم على إضلالهم عن الصراط المستقيم. يستخدم الوسوسة والخداع ليجر الإنسان إلى الخطيئة والبعد عن الله، ويحذر القرآن المؤمنين بأن يكونوا يقظين دائمًا لمكره ليتجنبوا شباكه.
في تعاليم القرآن الكريم السامية، يتم التأكيد مراراً وتكراراً وبطرق مختلفة على حقيقة أن الشيطان (إبليس) عدو مبين ومعلن للبشرية. هذا التأكيد القرآني ليس مجرد تحذير، بل هو دعوة دائمة للاستيقاظ، حتى لا يغفل الإنسان عن هذا العدو الخفي لكنه نشط. تعود جذور هذه العداوة إلى بداية خلق آدم (عليه السلام)؛ فعندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، رفض إبليس، بدافع الكبرياء والغرور، أن يطيع هذا الأمر، معتبراً نفسه أرفع من البشر لأن آدم خُلق من طين وإبليس من نار. هذا العصيان كان أساس حقده وحسده تجاه آدم وذريته، مما أدى إلى طرده من رحمة الله. ومنذ ذلك الحين، أقسم الشيطان، بإذن الله تعالى (لغرض ابتلاء الإنسان)، أنه سيضل عباد الله عن الصراط المستقيم ويقودهم إلى الضلال حتى يوم القيامة. يوضح القرآن الكريم هذه العداوة بعدة طرق. أولاً، من خلال تقديم شخصية الشيطان وقسمه على إضلال البشر. على سبيل المثال، في سورة ص، الآيات 82 و 83، يقول الشيطان: «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ». هذا القسم يدل على عزم الشيطان الجاد والمستمر على معاداة البشرية. ثانياً، يذكر القرآن بوضوح أساليب الشيطان وحيله. فهو يستخدم الوسوسة، والغَرور، وتزيين السيئات والذنوب في نظر الإنسان (التزيين)، وبث الخوف واليأس، وإلقاء الشبهات والشكوك في العقائد، والتحريض على الكبر والعجب. هدفه دائماً إبعاد الإنسان عن ذكر الله، والعبادات، والأخلاق الفاضلة، وكل ما يؤدي إلى كماله وسعادته. إنه يسعى لدفع الإنسان نحو الذنوب، والشهوات، والغرور، والحقد، والنفاق، حتى يخرج عن مسار العبودية لله. ثالثاً، يؤكد القرآن أن هذه العداوة خفية وغير مرئية، لكن آثارها واضحة وملموسة تماماً. فالشيطان لا يؤذي الإنسان مباشرة جسدياً، بل يوقعه في الخطيئة والخطأ من خلال الإيحاءات الذهنية وتحريض الغرائز. هذا الخفاء يجعل خطره مضاعفاً، لأن العديد من الناس غافلون عن وجوده ومكائده، ويعتقدون أن الأفكار والرغبات السيئة تنبع فقط من داخلهم، بينما الشيطان هو المحرك الرئيسي لها. لهذا السبب، يحذر القرآن المؤمنين مراراً وتكراراً بأنه عدو مبين ويجب عليهم أن يكونوا دائمًا يقظين لمكره وخدعه. هذا التحذير بمثابة منارة إرشاد حتى لا يضل الإنسان في مسار حياته ويتمكن من خلال معرفة العدو، من إيجاد سبل لمواجهته. رابعاً، يذكر القرآن صراحة عواقب اتباع الشيطان؛ عواقب تؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة. فمن يتبع خطوات الشيطان، سيقع في النهاية في الهلاك وعذاب جهنم. هذا التحذير يهدف إلى تحفيز الإنسان على مقاومة الإغراءات الشيطانية. في سورة فاطر، الآية 6، يقول تعالى: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ». هذه الآية توضح بجلاء أن الطريق الوحيد للنجاة هو اعتباره عدواً والتصرف بناءً على ذلك بالامتناع عن اتباعه. في الختام، فإن تأكيد القرآن على وضوح عداوة الشيطان يهدف إلى توعية الإنسان وتنبيهه. إنها دعوة إلى اليقظة الروحية، والرقابة على النفس، واتباع التقوى، ودوام ذكر الله. إذا لم يأخذ الإنسان هذه العداوة على محمل الجد، فإنه سيقع دون قصد في شركه ويبتعد عن طريق السعادة. فمعرفة هذا العدو هي الخطوة الأولى لحماية الإيمان والمسار الصحيح في الحياة. من خلال هذا التأكيد، يمنح القرآن الإنسان الأدوات اللازمة لمواجهة الشيطان: التوكل على الله، والاستعاذة به، والذكر، والتقوى، والتفكر في الآيات الإلهية، والاقتداء بأولياء الله. كل هذه أمور تشكل حصوناً منيعة ضد هجوم الوساوس الشيطانية. وهكذا، كلما وصف القرآن الشيطان بأنه «عدو مبين»، فإنه يعلمنا في الواقع أن نكون يقظين دائمًا وأن نعتبره ليس وهماً، بل حقيقة قوية يمكن التغلب عليها بالإرادة الإلهية وتمسك الإنسان بأوامر الله.
جاء في گلستان سعدي أن ملكًا سأل وزيره: «كيف يمكن للمرء أن يتعرف على الأعداء الخفيين ويظل في أمان من مكائدهم؟» فأجاب الوزير الحكيم: «أيها الملك، إن العدو الذي يظهر بوجه صديق ولسان عذب، أخطر من مائة عدو مكشوف. إنه مثل أفعى مختبئة تحت الزهور، تنتظر اللحظة المناسبة لتلدغ. طريقة التعرف عليه هي في مراقبة سلوكه في أوقات القوة والشدة. إذا كان رفيقاً في الرخاء وهارباً في الشدة، فاعتبره عدواً! وكذلك، من يدعوك إلى الأفعال السيئة والتكاسل في الدين، حتى لو ادعى أنه ناصح لك، فهو عدوك الحقيقي.» هذه القصة، بمثابة تذكير لنا بألا نخدع بالمظاهر وأن نعتبر عداوة الشيطان، الذي يتربص بنا باستمرار، واضحة، وأن نظل يقظين ضد وسوسته.