هل خلق الإنسان بفطرة جيدة؟

بسم الله الرحمن الرحيم تعد مسألة طبيعة الإنسان الفطرية من الموضوعات الجوهرية التي تناولها القرآن الكريم، حيث يتحدث الله تعالى عن خلق الإنسان وأصله وما يتصف به من خصائص فطرية . إن هذه الطبيعة لا تقبل التغيير ، وهو ما بينه سبحانه وتعالى في قوله {فأقم وجهك للدين حنيفا. فطرة الله التي فطر الناس عليها} (الروم: 30). هذه الآية تمثل دعوة صريحة للناس للعودة إلى فطرتهم الأصلية، حيث يُخاطَبون بأن يوجهوا وجوههم إلى الدين الحنيف، أي الدين الصحيح الذي يتماشى مع فطرتهم. إن الفطرة هنا تعني أن الله خلق الناس على الميل لطاعته وعبادته، وهذا يشير إلى أن الإنسان في أصل خلقه كان لديه توجه غريزي نحو معرفة الخالق والعبادة له. وقد تكررت هذه الفكرة في مواضع أخرى من القرآن حيث أكد الله على أن الهرم في شخصية الإنسان يأتي من اختياراته الشخصية والتأثيرات الخارجية، على الرغم من فطرته السليمة والميل الغريزي إلى الخير. ولكن هناك تحدٍ لا بد من ذكره وهو سوء الاختيار والانحراف عن الطريق الصحيح. في هذا الإطار يشير الله تعالى في قوله سبحانه وتعالى: {ومكرهم ومكر الله} (آل عمران: 54) إلى أن مع وجود الفطرة النقية والعناية الإلهية، فإن هناك عوامل خارجية قد تؤدي إلى الضلال. ### الفطرة والطبيعة النقية الحديث عن طبيعة الفطرة الإنسانية يتطلب توضيح مفهوم الفطرة نفسها. يُعرف العلماء الفطرة بأنها مجموعة الخصائص البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تميز البشر وتؤدي بهم إلى البحث عن معناهم في الحياة. إن الإنسان منذ نشأته يميل إلى معرفة الله ويحب الخير، وهذا يظهر بوضوح في تعاليم الأديان التي جاءت لتدليل الناس على الخير. كما أن هذه الفطرة تتجلى في الحب والتعاون بين الأفراد، ولذا فإن المجتمع الذي يعتمد على دعم الفطرة سيعزز من الروابط الإنسانية. فالإنسان الاجتماعي هو موضوع دراسات متعددة، حيث أظهرت الأبحاث أن الأفراد الذين ينموون في بيئات صحية ومبنية على قيم إنسانية سامية يميلون إلى اتخاذ قرارات تتماشى مع فطرتهم. ### التأثيرات الخارجية والفوضى عندما نرجع إلى الآية الثانية من سورة آل عمران، نجد أن الله تعالى يشير إلى "مكرهم" أي الأساليب الخفية والطرق الملتوية التي قد تستخدم من قبل البعض لإبعاد الناس عن فطرتهم. وهذا يوضح التداخل بين ما هو فطري وما هو مكتسب، حيث يمكن أن يواجه الإنسان ضغوطًا أو وجهات نظر سلبية تؤثر على اختياراته. إن التأثيرات الخارجية تشمل مختلف الجوانب من الحياة، مثل الأسرة، المدرسة، والثقافة المجتمعية. فعلى سبيل المثال، تظهر بعض الدراسات أن التنشئة الأسرية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل قيم الإنسان ومعتقداته. إذا كانت الأسرة تحتضن قيم الفطرة النقية وتوجه الأفراد نحو الخير، فإن النتيجة ستكون إيجابية. غير أن العكس قد يؤدي إلى انحراف في السلوكيات والقيم. ### الخير والشرّ إن الطبيعة الأصلية للإنسان تميل نحو الخير، لكن بشرط أن يكون محاطًا ببيئة إيجابية. الإنسان لديه القدرة على التمييز بين الخير والشر، ولكنه قد يتخلى عن فطرته النقية نتيجة للتحديات التي يواجهها. لذا، يقع على عاتق كل فرد مسؤولية الاختيار ما بين الخير والشر، وهذا اختيار يتطلب الحكمة والرؤية. وهنا يأتي دور الوعي الشخصي والإرادة القوية في التغلب على الضغوط الاجتماعية. إن الالتزام بالفطرة النقية ليس بالأمر السهل، وإنما يتطلب العمل الجاد والمواظبة على تعزيز القيم الفطرية السليمة في النفس ومدى تأثيرها الإيجابي على المحيط والمجتمع. ### التعزيز من خلال الخيارات الحكيمة لذا، من الضروري أن يعمل الأفراد على تعزيز فطرتهم السليمة من خلال اتخاذ خيارات واعية وإرادة قوية. إن الاستعانة بالمعرفة والتعلم يعتبر من أهم وسائل تقوية هذا الإحساس بالفطرة، حيث يجب على الأفراد تطوير أنفسهم ومهاراتهم في اتخاذ القرارات. إن التوجيه الحكيم ينبغي أن يأتي من ذات الشخص حيث يجب أن يكون لديه القدرة على انتقاء ما هو أنفع له وللآخرين. كما أن الاستمرار في مراجعة الاختيارات استنادًا إلى المبادئ النقية سيعزز من هذه الفطرة. ### الخاتمة في الختام، فإن العودة إلى الفطرة النقية التي خلقنا الله عليها هي دعوة للناس جميعًا للبحث عن الحق والخير في حياتهم. إن الالتزام بالدين الصحيح والخيارات السليمة يمكن أن يقود البشر نحو حياة متوازنة ومعناها. علينا المحافظة على هذه الفطرة وتعزيزها من خلال الوعي واختيار ما يتماشى معها. إن الله قد أكرمنا بخلق جميل وفطرة نقية، ومن العبث أن نغفل عنها أو ننحرف عنها، بل يجب علينا أن نكون حراسًا عليها وحاملين لها في مجتمعاتنا.