من منظور القرآن، العلم والإيمان ليسا متعارضين؛ بل هما متكاملان. العلم يساعد على فهم الكون، بينما يمنحه الإيمان المعنى والتوجيه.
من منظور القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية الأصيلة، ليس العلم والإيمان متعارضين على الإطلاق، بل هما يكملان بعضهما البعض دائمًا، ويمهّدان الطريق للإنسان للوصول إلى فهم أعمق للوجود وخالقه. يدعو القرآن باستمرار الإنسان إلى التفكر والتدبر في الآفاق والأنفس. هذه الدعوة للبحث والتعمق في آيات الله في الكون هي بذاتها أساس العلم والمعرفة. في الحقيقة، كل اكتشاف علمي يكشف النقاب عن أسرار الخلق، لا يضعف الإيمان، بل يزيد من وضوح تجليات قوة الخالق وحكمته وعظمته التي لا تحصى، ويزيد من يقين المؤمن. العلم هو أداة لكشف النظام المدهش والقوانين التي تحكم الكون، وكلها علامات على الخالق الحكيم والقدير. يدعو الله تعالى في آيات عديدة من القرآن الكريم الإنسان إلى النظر العميق والمتأمل في الظواهر الطبيعية وفي خلقه نفسه. على سبيل المثال، في سورة آل عمران، الآيتان 190 و 191، يقول سبحانه: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» أي: «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات وعلامات دالة على قدرة الله ووحدانيته لأصحاب العقول السليمة. الذين يذكرون الله في جميع أحوالهم، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، فيقولون: ربنا ما خلقت هذا الكون باطلاً بلا حكمة أو عبثاً؛ سبحانك، نزهناك عن كل ما لا يليق بك؛ فاحمنا من عذاب النار.» هذه الآية تظهر بوضوح أن التفكر في الخلق، وهو أساس العلم، لا يتعارض مع ذكر الله والإيمان، بل هو طريق للوصول إلى معرفة أعمق بالرب وزيادة الإيمان. يساعد هذا التفكر العميق الإنسان على فهم أن هذا النظام المدهش والتعقيدات اللامتناهية في الكون لا يمكن أن تكون صدفة، بل تنبع من خالق عليم وقوي. أول أمر إلهي نزل في القرآن الكريم هو «اقْرَأْ» (اقرأ) في سورة العلق. هذا الأمر بذاته شاهد على الأهمية التي لا تقدر بثمن لطلب العلم والدراسة واكتشاف الحقائق. القراءة والتعلم هما العمود الفقري لأي تقدم علمي. يوضح الله في هذه الآيات بوضوح أن القلم والتعلم هما أدوات تنقل الإنسان من الجهل إلى المعرفة، وهذا هو المسار الذي يتبعه العلم. لم ينه الإسلام أبدًا عن البحث عن الحقيقة، بل شجعه دائمًا. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة». هذا التأكيد على اكتساب العلم هو علامة واضحة على الانسجام العميق بين العلم والدين في الإسلام. العلم هو العين التي نرى بها العالم، والإيمان هو القلب الذي نشعر به العالم ونفهم معناه. عندما ننظر إلى تاريخ الحضارة الإسلامية، نجد أنه في العصر الذهبي للإسلام، حقق علماء مسلمون مثل ابن سينا، والخوارزمي، والرازي، وابن الهيثم، تقدمًا هائلاً في مجالات الطب والرياضيات والفلك والفيزياء والكيمياء، إلى جانب التزامهم العميق بإيمانهم ومعتقداتهم الدينية. هؤلاء العمالقة لم يروا أبدًا تناقضًا بين أنشطتهم العلمية ومعتقداتهم الدينية؛ بل اعتبروا العلم وسيلة لفهم أفضل لعظمة الخالق، والإيمان دافعًا للاكتشاف وخدمة البشرية. بالنسبة لهم، كان المختبر والمسجد كلاهما أماكن للعبادة والتقرب إلى الله. تعد هذه الفترة التاريخية مثالًا ساطعًا على التعايش السلمي، بل والتآزر، بين العلم والإيمان، حيث رافقت التطورات العلمية دوافع روحية وأخلاقية، مما جلب فوائد جمة للبشرية. بالطبع، قد تظهر أحيانًا تناقضات ظاهرية بين بعض النظريات العلمية (التي لم تثبت بعد بشكل قاطع) وبعض التفسيرات السطحية أو الخاطئة للنصوص الدينية. لكن هذه التناقضات لا تنبع من الطبيعة الحقيقية للعلم والدين، بل تكمن جذورها في قصور الفهم البشري لكليهما. العلم يتقدم ويتصحح باستمرار، وما هو نظرية اليوم قد يتغير غدًا بأدلة جديدة. ومن ناحية أخرى، قد تحتاج التفسيرات الدينية أيضًا إلى مراجعة وتدبر أعمق لكي لا تتعارض مع الحقائق العلمية المؤكدة. القرآن كتاب شامل وخالد، وقد ذكر العديد من الحقائق العلمية على سبيل الإشارة وفي قالب أمثلة بسيطة، والتي يتجلى عمقها أكثر مع تقدم العلم. على سبيل المثال، مراحل خلق الإنسان في الرحم، وتوسع الكون، ودوران الأجرام السماوية، هي إشارات موجودة في آيات القرآن وقد تم تأكيدها لاحقًا بالعلم الحديث. هذا التوافق يدل على وحدة مصدر الوحي ومصدر الخلق، ويؤكد على أن الحقائق الإلهية والحقائق العلمية لا يمكن أن تتصادم، لأن كلاهما ينبع من مصدر واحد أسمى. الإيمان يمنح رؤية شاملة للوجود ويوجه العلم. فبدون الإيمان، قد يصبح العلم أداة بلا هدف وأحيانًا مدمرة. الإيمان يمنح معنى عميقًا للبحوث العلمية ويذكر الإنسان بأن جميع الاكتشافات تهدف في النهاية إلى فهم أفضل لعظمة الخالق وتحقيق الهدف الأسمى للخلق. العلم يجيب على «كيف» تحدث الظواهر، والإيمان يجيب على «لماذا» توجد وما «الغرض» منها. هذان السؤالان هما وجهان لعملة واحدة، والإجابة على أحدهما تكمل الآخر. ونتيجة لذلك، من منظور القرآن، العلم والإيمان ليسا متعارضين، بل هما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما ضروري ومتلازم لفهم الحقيقة الكاملة وتحقيق السعادة الحقيقية للإنسان. الإيمان يضيء طريق العلم بالهداية، والعلم يمهد الطريق لتجليات عجائب الإيمان. وكما قال الشهيد مطهري: «العلم بلا دين أعمى والدين بلا علم أعرج.» هذا التعبير يوضح بشكل جيد الصلة التي لا تنفصم بين هاتين الحقيقتين في النظام الفكري الإسلامي، ويقدم توجيهًا للأجيال القادمة نحو التطور المتزامن للعلم والروحانية.
في قديم الزمان، سأل ملك حكيم أحد علماء عصره: 'يا حكيم، ما الذي يقرب الإنسان إلى الحقيقة أكثر؟' أجاب العالم: 'يا مولاي، هناك جناحان يرفعان الإنسان إلى قمة المعرفة: أحدهما جناح العلم، والآخر جناح الإيمان. العلم يفتح عيني الإنسان على عجائب الخلق، والإيمان يربط قلبه بخالق هذه العجائب. إذا حاولت الطيران بجناح واحد فقط، فسيكون طيرانك ناقصًا. لذلك، قدّر كلاهما دائمًا، فإن العلم بلا دين كالمصباح الذي ينير الطريق لكن لا يدل على الوجهة، والدين بلا علم كالوجهة التي طريقها مظلم.' سُرَّ الملك بهذا القول وفهم أنه لتحقيق الكمال، يجب على المرء أن يسعى وراء العلم والإيمان معًا.