هل يستطيع الإنسان أن ينقذ نفسه؟

لا يستطيع الإنسان أن ينقذ نفسه بمفرده؛ فالخلاص النهائي هو هبة إلهية تتحقق بجهد العبد الصادق وإيمانه وأعماله الصالحة، مقترناً برحمة الله التي لا حدود لها. هذا الجهد لا يؤتي ثماره إلا بفضل الله وهدايته.

إجابة القرآن

هل يستطيع الإنسان أن ينقذ نفسه؟

السؤال العميق حول ما إذا كان الإنسان يستطيع أن "ينقذ نفسه" يمس مبادئ لاهوتية أساسية في الإسلام، وتحديداً فيما يتعلق بالإرادة البشرية، والسيادة الإلهية، وطريق النجاة (الخلاص من العقاب الأبدي ودخول الجنة). من منظور إسلامي، المتجذر بعمق في القرآن الكريم، فإن الإجابة دقيقة ومتعددة الأوجه: فبينما يتحمل البشر مسؤولية كاملة عن أفعالهم ويجب عليهم بذل الجهد، إلا أنهم لا يستطيعون تحقيق الخلاص *بشكل مستقل* أو *فقط* من خلال وسائلهم الخاصة، بمعزل عن رحمة الله وفضله وهدايته التي لا حدود لها. النجاة النهائية هي هبة من الله، تُكتسب من خلال الإيمان الصادق والأعمال الصالحة، ولكنها تعتمد أساساً على مشيئته الإلهية وشفَقته. بعبارة أخرى، لا يستطيع الإنسان أن ينقذ نفسه دون عون وإذن إلهي. يؤكد القرآن مراراً وتكراراً أن الله هو المعطي المطلق، والرازق، والمنقذ الوحيد. هو "الرحمن" (الرحيم بذاته) و "الرحيم" (الرحيم بخلقه). فبدون رحمته، لن يكفي أي جهد بشري. وهذا يتجلى بجمال في سورة الزمر (الآية 53)، حيث يقول الله تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم). هذه الآية تبعث أملاً عظيماً، لكنها تعترف ضمنياً بأن المغفرة والرحمة تأتيان *من الله*، وليس من عملية يولدها الإنسان بنفسه. يستطيع البشر أن *يطلبوا* ذلك من خلال التوبة، لكن فعل المغفرة إلهي. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد على الرحمة الإلهية لا يلغي مسؤولية الإنسان أو ضرورة بذل الجهد. ينسج القرآن الكريم ببراعة مفاهيم القدر الإلهي والإرادة الحرة للإنسان. فقد وهب الله البشر العقل والاختيار، وأمرهم بالإيمان بالله ورسله، وأداء الأعمال الصالحة، والالتزام بأوامره، والابتعاد عن نواهيه. هذه الأفعال هي التي تشكل "الوسيلة" التي من خلالها يصبح الفرد مؤهلاً للنعمة الإلهية. وتوضح سورة الكهف (الآية 110) بإيجاز: "...فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً). هذه الآية تحدد بوضوح الشرطين الأساسيين: الأعمال الصالحة والتوحيد الخالص (تجنب الشرك). وهذان الشرطان ضمن قدرة الإنسان واختياره. قد يشير مفهوم "إنقاذ الذات" إلى القدرة على تصحيح الذنوب، أو التغلب على الصراعات الداخلية، أو ضمان المصير الأبدي ب purely by personal strength, intellect, or material possessions. يرفض الإسلام هذا المفهوم. قد يحاول الشخص "إنقاذ نفسه" من مأزق دنيوي باستخدام مهاراته أو موارده، ولكن حتى في مثل هذه الحالات، فإن النجاح أو الفشل النهائي يتوقف على إذن الله. أما فيما يتعلق بالخلاص الروحي والأبدي، فإن هذا الاعتماد على الذات ليس كافياً فحسب، بل يمكن أن يكون خطيراً، ويقترب من الكبر أو الشرك بالله. الخلاص الحقيقي يأتي من مواءمة إرادة المرء مع إرادة الله، الأمر الذي يستلزم الاستسلام (الإسلام) وطلب عونه. تأمل الحالة البشرية: عرضة للخطأ، والنسيان، والضعف. فبدون هادي إلهي، وبوصلة أخلاقية، ووعد بالمغفرة، ستكون البشرية تائهة. يوفر القرآن هذا الهادي، ويوضح للبشرية طريق الطهارة والعدالة والرفاهية الروحية. وعندما يخطئ الأفراد، يُشجعون على العودة إلى الله بالتوبة. عمل الندم الصادق هذا وطلب المغفرة هو جهد بشري، لكن قبوله وتطهير الذنوب بعد ذلك يعتمدان كلياً على فضل الله. وتوضح سورة النساء (الآية 17): "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، فأولئك يتوب الله عليهم، وكان الله عليماً حكيماً). وهذا يسلط الضوء على الفورية والصدق المطلوبين من الجانب البشري، والتي تقابلها رغبة الله في المغفرة. علاوة على ذلك، يؤكد القرآن على المسؤولية الفردية. ففي سورة الأنعام (الآية 164) يقول الله تعالى: "...وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ..." (ولا تزر وازرة وزر أخرى...). هذا يعني أن كل شخص مسؤول عن اختياراته وأفعاله. وبينما يمكن للآخرين أن يقدموا النصيحة أو الدعم أو الدعاء لشخص ما، إلا أنهم لا يستطيعون "إنقاذ" شخص آخر من عواقب أفعاله يوم القيامة. تؤكد هذه المسؤولية الفردية على أهمية جهود الشخص نفسه في الإيمان والبر. ومع ذلك، فهذا يعني أيضاً أنه لا يمكن لأحد أن يعتمد على تقوى شخص آخر لخلاصه؛ يجب على كل فرد أن يسعى بنفسه. إن التوازن بين الجهد البشري والرحمة الإلهية يتم التعبير عنه بجمال من خلال مفهوم "التوكل" (التوكل على الله). التوكل ليس قدراً سلبياً؛ بل هو اعتماد فعال على الله *بعد* بذل أقصى الجهد. يزرع المزارع البذور ويسقيها ويعتني بالمحصول، ولكنه في النهاية يتوكل على الله ليمنح المطر والمحصول الوفير. وبالمثل، يسعى المؤمن في الأعمال الصالحة، ويتجنب الذنوب، ويتوب، ثم يضع أمله وثقته النهائية في رحمة الله للنجاة. تضمن هذه العلاقة التكافلية أن يظل البشر متواضعين، معترفين بحدودهم، بينما يكونون في نفس الوقت استباقيين في رحلتهم الروحية. في جوهر الأمر، بينما لا يستطيع الإنسان *بشكل مستقل* أن يقرر خلاصه أو يضمن دخول الجنة بدون إذن الله الصريح ورحمته، فإنه يلعب دوراً حيوياً للغاية في تحقيق الشروط التي وضعها الله للحصول على ذلك الخلاص. إنها رحلة يقدم فيها الإنسان النية الصادقة والإيمان والجهد، ويقدم الله الخلاص النهائي والمكافأة. فأن يظن المرء أنه يستطيع "إنقاذ نفسه" بدون الله هو شكل من أشكال الكبر؛ وأن يظن أن الله سينقذه دون أي جهد هو شكل من أشكال الإهمال السلبي. يكمن الطريق الحقيقي في السعي الدؤوب المقترن بالثقة الراسخة في رحمة الله الواسعة ومغفرته. لذلك، فإن "إنقاذ الذات" هي عملية ييسرها الفضل الإلهي، وتنشطها الجهود البشرية الصادقة والخضوع لإرادة الله. إنها رحلة مستمرة من الإيمان والتوبة والعيش الصالح، ودائماً مع الأمل والإدراك بأن القرار النهائي يقع على عاتق الخالق الرحيم الحكيم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة القديمة، عاش رجل ذو قوة عظيمة وعمل دؤوب، وكان يفتخر بنفسه وبقدراته بشكل مفرط. كان يمتلك مزرعة، وبيديه كان يحرث الأرض، ويزرع البذور، ويهتم بمحاصيله بكل طاقته. وكلما سأله أحد عن سبب وفرة محصوله، كان يجيب بفخر: "كل هذا يأتي من ذراعي وعرق جبيني؛ فأنا فلاح لا يُضاهى ولا أحتاج إلى أحد." ذات يوم، حل جفاف عظيم، وجفت الينابيع، وامتنع السماء عن إنزال المطر. حاول الرجل القوي أن يستخرج الماء من الآبار الجافة بيديه، لكن دون جدوى. كانت محاصيله على وشك الهلاك، وهو الذي لم يذق طعم العجز من قبل، ركع أخيراً. في تلك اللحظة، اتجهت عيناه نحو السماء، وبقلب منكسر، طلب العون من الله. بدأت قطرات المطر، وإن كانت قليلة، تتساقط، وفهم الرجل أنه على الرغم من جهده الكبير، إلا أن رحمة الله اللامحدودة وحدها هي التي يمكن أن تنقذه من حافة الهلاك. ومنذ ذلك الحين، لم يعمل بجد ومثابرة فحسب، بل اتخذ كل خطوة بالتوكل والشكر لله. وبعد ذلك، بفضل الجهد والتوكل، كانت مزرعته دائماً مزدهرة ومثمرة.

الأسئلة ذات الصلة