نعم، يمكن للجميع أن يحسنوا الخاتمة من خلال الإيمان الصادق، الأعمال الصالحة، التوبة الحقيقية، والثبات على الحق. رحمة الله واسعة، وفرصة العودة والسعادة متاحة للجميع.
إن سؤال إمكانية تحقيق الجميع “الخاتمة الحسنة” أو “حسن العاقبة” في الحياة الدنيا والآخرة هو أحد أعمق وأكثر المواضيع إشراقاً وباعثة للأمل في النظرة الإسلامية والقرآنية للعالم. إن إجابة القرآن الكريم على هذا السؤال هي إجابة إيجابية قاطعة، مبنية على سعة رحمة الله، وعدله اللامتناهي، والدور المحوري لإرادة الإنسان وجهده. يعلمنا القرآن أن أبواب رحمة الله ومغفرته مفتوحة دائماً لعباده، ولا يُحرم أحد من الوصول إلى نهاية حسنة وسعيدة، إلا إذا اختار بنفسه، عبر الإهمال المستمر والعصيان، طريق الهلاك وأصر على ذنوبه وانحرافاته. هذه الحقيقة تشير إلى أن مسار الصلاح والخلاص ليس حكراً على أحد، بل هو متاح لجميع البشر، بغض النظر عن خلفيتهم أو ماضيهم. إن رحمة الله تشمل جميع العباد الذين يتوجهون إليه ويسعون لتكفير الماضي وبناء مستقبل أفضل. يؤكد القرآن الكريم بوضوح أن حسن الخاتمة ليس نتيجة للصدفة أو مجرد مشيئة أزلية تُحدد بمعزل عن أعمال الإنسان. بل هي ثمرة الإيمان الصادق (الإيمان)، والأعمال الصالحة (العمل الصالح)، والتوبة النصوح (التوبة)، والثبات على الحق (الاستقامة). وقد أكد الله تعالى في آيات عديدة على هذه الحقيقة بأن الجزاء والعقاب يقوم على أساس أعمال الإنسان، وأن كل نفس ستحصد ما سعت. يقول الله تعالى في سورة النجم (53:39): “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى”. هذه الآية الشريفة تعبر عن المبدأ الأساسي للعدل الإلهي الذي يؤكد أنه لا يُظلم أحد، وأن كل إنسان سيرى نتيجة سعيه وعمله. هذا المبدأ يعزز المسؤولية الفردية للإنسان عن خياراته ويمنحه الاستقلالية لتغيير مساره نحو السعادة أو الشقاء بإرادته. للوصول إلى حسن الخاتمة، يقدم القرآن الكريم عدة أركان أساسية، بالالتزام بها، يمكن لكل إنسان أن يحقق هذا الهدف السامي: 1. الإيمان الحقيقي والعميق: الإيمان هو الأساس لكل صلاح ونجاح. إيمان ليس مجرد كلام باللسان، بل يتغلغل في القلب ويتجلى في العمل. يشمل الإيمان بوحدانية الله، ورسالة الأنبياء، والكتب السماوية، واليوم الآخر، والقدر الإلهي. هذا الإيمان يشكل دافعاً قوياً للتحرك نحو الخير والصلاح والابتعاد عن الشرور، ويمنح الإنسان بصيرة إلهية لفهم الغاية الحقيقية من الخلق والمعنى الحقيقي للحياة. إنه إيمان يقود الإنسان إلى العبودية الخالصة لله، ويحرره من عبودية النفس والدنيا. 2. العمل الصالح والمستحق: الإيمان بلا عمل كشجرة بلا ثمر. وقد قرن القرآن الكريم مراراً بين “الذين آمنوا وعملوا الصالحات” واعتبره شرطاً للنجاة. وتشمل الأعمال الصالحة أداء الواجبات الدينية (مثل الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج)، والامتناع عن المحرمات، وحسن الخلق، وخدمة الخلق، ومراعاة حقوق الآخرين، والإحسان إلى الوالدين والأقارب، وكل عمل خير فيه رضا الله. هذه الأعمال لا تنظم حياة الإنسان الدنيوية فحسب، بل تكون ذخراً له في الآخرة، وتجلب له أجراً عظيماً في حضرة الله تعالى. 3. التوبة والعودة إلى الله: من أجمل التعاليم القرآنية وأكثرها إشراقاً، هو الباب المفتوح دائماً للتوبة. لا يوجد مذنب لا يستطيع العودة وتحقيق حسن الخاتمة. يقول الله الرحمن الرحيم بنفسه في القرآن (سورة الزمر، 39:53): “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”. هذه الآية تضيء نور الأمل في قلب كل مذنب، مشيرة إلى أنه حتى في اللحظات الأخيرة من العمر، يمكن للمرء أن يغير مساره من خلال التوبة النصوح وتصحيح الأخطاء، والسير نحو خاتمة طيبة. تتضمن التوبة الصادقة الندم القلبي على الذنوب المرتكبة، والعزم الجاد على تركها، وإعادة الحقوق لأصحابها إن لزم الأمر. 4. الاستقامة والثبات: طريق الحق له مصاعبه وتحدياته. فحسن الخاتمة ليس نتيجة عمل لحظي، بل هو حصيلة الاستمرارية في طريق الحق والمقاومة للوساوس والصعوبات. يقول الله تعالى في سورة فصلت (41:30): “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ”. هذه الاستقامة حاسمة، وتمتد حتى لحظة الوفاة، وتدل على ثبات الإنسان في عهده وميثاقه مع الله. من المهم فهم أن الله لا يضل أحداً إلا إذا اختار هو بنفسه طريق الضلال. فالمشيئة الإلهية مرتبطة بالإرادة البشرية. الله هو الهادي، لكن ليس بالقوة؛ بل يهديهم بإرسال الأنبياء والكتب السماوية والآيات الإلهية في الآفاق والأنفس. يقع اختيار الطريق في النهاية على عاتق الفرد نفسه. أولئك الذين، بدافع الكبر أو العناد أو الإهمال المستمر، يرفضون دعوة الحق ويثابرون في ذنوبهم، هم الذين يحرمون أنفسهم من رحمة الله وهدايته، وبالتالي يختمون على مصير تعيس لأنفسهم. هذا يعني أن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الإنسان نفسه، والله العادل، لا يحرم أحداً دون سبب. لذلك، يمكن التأكيد على أن نعم، كل إنسان لديه القدرة على تحقيق الخاتمة الحسنة. هذه فرصة عالمية ممنوحة للجميع على أساس العدل الإلهي. لا يشكل العمر أو العرق أو الماضي أو حتى شدة الذنوب السابقة (إذا تلتها توبة حقيقية وتصحيح) حواجز أمام تحقيق نتيجة طيبة. يمكن لكل فرد، من خلال قرار جاد، وإيمان قلبي، وعمل خالص، أن يوجه مسار حياته نحو السعادة الأبدية ويبلغ مقاماً عالياً. هذا هو الوعد المفعم بالأمل في القرآن: أن أبواب المغفرة والرحمة مفتوحة حتى آخر نفس، ولا ينبغي لأحد أن ييأس من تحقيق خاتمة حسنة. بل يجب على المرء أن يسعى دائماً ويدعو لتحقيقها. إن حسن الخاتمة هو التوفيق الأسمى الذي يناله العباد المخلصون، التائبون، والثابتون، وهذه الإمكانية متاحة لكل من يقرر ويسعى في طريق الحق.
يُروى أنه في عهد ملك عادل، كان هناك رجل قضى حياته في غفلة، وقلما كان يتذكر الله. ولكن في قلبه كانت هناك ذرة من الرحمة تجاه المحتاجين والشفقة على المنكوبين. ذات يوم، مر بجانب بئر فرأى كلباً عطشاناً يكاد يهلك من شدة العطش. رق قلب الرجل، فخلع حذاءه، وربطه بحبل، وسحب الماء من البئر، وأسقى الكلب. وقيل إن هذا العمل الخالص الواحد كان مرضياً عند الرب القدير لدرجة أن توبته قُبلت، وفي نهاية حياته، فارق الدنيا بقلب مطمئن وروح خفيفة، وحظي بحسن الخاتمة. يقول سعدي: “ما تدري أي رضا يكون في العمل الخفي؟ قطرة دمعة من عين مخلصة تطفئ بحر النار.” هذه القصة تعلمنا أن رحمة الله واسعة، وحتى عمل واحد خالص ينبع من الشفقة والنية الحسنة يمكن أن يفتح باباً نحو عاقبة طيبة ويكفّر عن ماضٍ طويل، إذا كان مصحوباً بتوبة صادقة.