هل يمكن للأمل المفرط أن يعيق العمل؟

الأمل في القرآن دافع للعمل، لكن إذا تحول إلى وهم وتقاعس، فقد يعيق الجهد. يؤكد القرآن على التوازن بين الأمل والخوف، وضرورة اقتران الأمل بالعمل الصالح والاجتهاد.

إجابة القرآن

هل يمكن للأمل المفرط أن يعيق العمل؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية، يحتل مفهوم الأمل (الرجاء) مكانة خاصة، حيث يُعتبر دائمًا نعمة إلهية وقوة دافعة للحركة والتقدم. ولكن هل من الممكن أن يصبح هذا الأمل، إذا تجاوز الحد وفُهم بطريقة خاطئة، عائقًا أمام العمل والجهد؟ إجابة القرآن على هذا السؤال ليست "لا" مطلقة، بل هي "لا" مشروطة مصحوبة بتوضيح. في الواقع، القرآن لا يذم الأمل أبدًا، بل ينكر الإفراط فيه إذا أدى إلى الوهم والتقاعس والإهمال. الأمل الحقيقي في القرآن هو الأمل الذي يمتزج بالجهد والمسؤولية وفهم السنن الإلهية. يدعو القرآن المؤمنين مرارًا وتكرارًا إلى الأمل في رحمة الله ومغفرته وعونه. هذا الأمل، في جوهره، هو ترياق لليأس والقنوط، والذي يجعل الإنسان صامدًا في مواجهة المشاكل والصعوبات. على سبيل المثال، في سورة الزمر الآية 53، يقول الله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»؛ قل: يا عبادي الذين أفرطوا في معصيتهم وارتكبوا الذنوب، لا تيأسوا من رحمة الله الواسعة؛ فإن الله يغفر جميع الذنوب لمن تاب منها، إنه هو الغفور الذي يستر الذنوب ويتجاوز عنها، الرحيم الذي يتفضل على عباده بالنعم. هذه الآية تُظهر ذروة الأمل في المغفرة الإلهية، ولكن هذا الأمل يأتي بعد ارتكاب الذنب ومصحوبًا بالندم والتوبة، وليس قبل الذنب مع توقع ساذج للمغفرة دون جهد للإصلاح. هذا الأمل يدفع الإنسان المذنب للعودة إلى الله والسعي نحو التغيير. من ناحية أخرى، بقدر ما يؤكد القرآن على الأمل، فإنه يشدد أيضًا على أهمية العمل الصالح والاجتهاد والمثابرة. في العديد من الآيات، يُذكر الإيمان والعمل الصالح جنبًا إلى جنب. هذا الاقتران يدل على أن الإيمان والأمل بدون عمل سيكونان ناقصين بل وعقيمين. سورة الكهف، الآية 110، تقول: «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»؛ فمن كان يرجو لقاء ربه يوم القيامة، فعليه أن يعمل عملاً صالحًا خالصًا لوجه الله لا يشرك فيه أحدًا. هذه الآية تُبين بوضوح أن الأمل في لقاء الله يجب أن يقترن بالعمل الصالح. الأمل بدون عمل هو مجرد وهم أو أمنية لا أساس لها، لا فائدة منها، بل يمكن أن تؤدي إلى الجمود واللامبالاة. مثل هذا الأمل يدفع الإنسان إلى حالة من السلبية، حيث يعتمد الفرد، بدلاً من السعي والاجتهاد لتحقيق أهدافه، على مجرد اللطف والرحمة الإلهية غير المشروطة، ويتخلى عن مسؤولياته. يُبين القرآن بوضوح أن الثواب والعواقب هما نتيجة لأعمال الإنسان. في سورة النجم، الآيات 39 إلى 41، يقول الله تعالى: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ»؛ وأنه لا يحصل الإنسان إلا على جزاء ما عمل وسعى له في الدنيا، وأن عمله وسعيه سوف يُرى يوم القيامة، ثم يجزى الجزاء الأكمل على ما قدمه. هذه الآيات ترفض أي تصور بتحقيق النجاح أو النجاة دون بذل جهد. الأمل الزائف الذي يؤدي إلى عدم العمل يتناقض تمامًا مع هذا المبدأ القرآني. في الواقع، التوكل على الله لا يعني التخلي عن الأسباب وعدم بذل الجهد؛ بل التوكل يعني بذل أقصى الجهد ثم تفويض النتيجة إلى الله. قال النبي الأكرم (ص): "اعقلها وتوكل"، أي "اربِط ناقتك (بذل جهدك) ثم توكل". هذا الحديث الشريف يُظهر بوضوح أن التوكل الحقيقي لا يؤدي أبدًا إلى ترك العمل والتقاعس، بل هو مكمل له. لذلك، إذا خرج الأمل عن طبيعته المحفزة وتحول إلى نوع من الغرور الكاذب أو الوهم، نعم، يمكن أن يعيق العمل. يحدث هذا عندما ينظر الإنسان إلى الأمل كبديل لجهده وسعيه بدلاً من رؤيته كوقود للحركة وتجاوز الصعوبات. على سبيل المثال، من يرتكب الذنوب عمدًا على أمل المغفرة، أو من يتوقف عن السعي لكسب الرزق على أمل رزق لا يُحتسب، قد وقع في أمل مفرط وغير مكانه. هذا النوع من الأمل ليس مفيدًا فحسب، بل هو ضار ويمنع الإنسان من مسار النمو والكمال. يُشدد القرآن والتعاليم الإسلامية دائمًا على ضرورة التوازن بين "الخوف" (الخوف من عقاب الله) و"الرجاء" (الأمل في رحمة الله). هذا التوازن يضمن ألا يصاب الإنسان باليأس المطلق فيتخلى عن الجهود، ولا يصل إلى الغرور واللامبالاة فيتجاهل مسؤولياته. الأمل الحقيقي يكون دائمًا مصحوبًا بالمسؤولية والجهد، ولا يعني أبدًا السلبية أو التوقف عن العمل. في الخلاصة، يمكن القول إن الأمل في حد ذاته ليس عائقًا للعمل أبدًا، بل هو محرك له؛ ولكن إذا فُهم هذا الأمل بطريقة خاطئة وخارج إطار السنن الإلهية (التي تقوم على الجهد والنتائج)، فقد يؤدي إلى آفة التقاعس والوهم. لذلك، يدعو الإسلام الإنسان إلى أمل ديناميكي وفعال، حيث يدفع الأمل في اللطف الإلهي الإنسان نحو المزيد من العمل والجهد، لا نحو السكون والركود.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في قديم الزمان، كان هناك أخوان: أحدهما حكيم ومجتهد، والآخر مفرط في التفاؤل وكسول. الأخ المجتهد كان يستيقظ كل صباح ويقوم بعمله، مؤملاً فضل الله ومتوكلاً عليه، ولكن بجهد لا يتوقف. كان كل يوم يزرع البذور بيديه ويسقيها بعرق جبينه، آملاً في نزول مطر من الرحمة الإلهية. أما الأخ الآخر، فكان يجلس مكتوف الأيدي، ويقول باستمرار: "الرازق هو الله، وهو سيتفضل ويرزقني دون عناء." كان لديه أمل كبير، لكن هذا الأمل كان فارغًا وغير فعال، مما جعله ينتظر ويثبطه عن أي حركة. مرت الأيام، ووجد الأخ المجتهد بستانًا مثمرًا وحصد الكثير من ثمار عمله. أما الأخ المفرط في التفاؤل، فلم يحصل إلا على الحسرة والندم، لأن الأمل بدون جهد، يشبه العصفور الذي يغني ولكنه لا يبني عشًا أبدًا. ولقد صدق سعدي في قوله: "من لم يتحمل المشقة، فلن ينال الكنز؛ الجزاء يناله يا أخي، من عمل واجتهد."

الأسئلة ذات الصلة