هل يمكن الوصول إلى السكينة من قلب الأزمة؟

نعم، يوضح القرآن الكريم أنه يمكن الوصول إلى السكينة من قلب الأزمة عبر الصبر والصلاة والتوكل على الله وذكره، فمع العسر يسراً، والله ينزل السكينة على عباده.

إجابة القرآن

هل يمكن الوصول إلى السكينة من قلب الأزمة؟

نعم، بكل تأكيد يمكن للمرء أن يجد السكينة في قلب الأزمة، وهذا أحد التعاليم الجوهرية والعميقة للقرآن الكريم. يوضح لنا القرآن أن الحياة الدنيا مليئة بالاختبارات والتحديات. هذه الأزمات ليست فقط حتمية، بل هي، في الحكمة الإلهية، وسيلة لنمو الروح البشرية وتطهيرها ورفع درجاتها. السكينة الحقيقية لا تكمن في غياب المشاكل، بل في القدرة على إيجاد الاستقرار والطمأنينة الداخلية عند مواجهتها. يقدم القرآن الكريم طرقاً متعددة للوصول إلى هذه السكينة في خضم عواصف الحياة، وكل منها يمثل منارة للمسالكين على طريق الحق. من أهم المفاهيم المحورية في هذا السياق هو مفهوم «الصبر». فالصبر في القرآن ليس مجرد تحمل سلبي، بل هو صمود نشط وثبات وضبط للنفس أمام الصعوبات. في الآية 153 من سورة البقرة، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»؛ أي «يا أيها الذين آمنوا استعينوا على أموركم كلها بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين بالعون والتأييد». توضح هذه الآية بجلاء أن الصبر والصلاة هما ركيزتان أساسيتان لمواجهة الشدائد والوصول إلى السكينة. فالصبر يمنح الإنسان القوة ليمنع الانهيار الروحي في الأزمة، وبالمحافظة على الهدوء الداخلي، يستطيع التفكير والتدبير. وقد وعد الله الصابرين بمعيته، وهذه المعية بحد ذاتها هي أعظم مصدر للسكينة. ويرتبط بالصبر «الصلاة» و«ذكر الله». فالصلاة، باعتبارها عمود الدين ومعراج المؤمن، هي وسيلة للاتصال المباشر بالخالق. في اللحظات العصيبة، اللجوء إلى الصلاة يملأ النفس بالسكينة والطمأنينة. وذكر الله أيضاً يطمئن القلوب. جاء في الآية 28 من سورة الرعد: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»؛ أي «الذين صدَّقوا بالله ورسوله، واستقامت قلوبهم بذكر الله وطاعته. ألا بذكر الله تطمئن القلوب وتسكن، وتفرح وتأنس». هذه الآية شاهد قاطع على حقيقة أن السكينة الحقيقية تتوقف على الاتصال بمصدر السكينة الأبدي، وهو الله تعالى. فالذكر الدائم، سواء كان في التسبيح والتهليل، أو في التفكير والتأمل في عظمة الله، يخلق حجاباً بين الإنسان وقلق الدنيا، ويوصل القلب إلى شاطئ الاطمئنان الآمن. مفهوم آخر يجلب السكينة عند مواجهة الأزمات هو «التوكل» على الله. فالتوكل يعني تفويض الأمور إلى الله بعد بذل كل الجهد والسعي. عندما يعلم الإنسان أن زمام جميع الأمور بيد قوة لا متناهية وحكيمة، فإنه يتحرر من الهموم عديمة الجدوى. يعلمنا التوكل أن كل شدة ويسر ينبعان من الحكمة الإلهية، وأن كل ما يحدث فيه خير وصلاح، حتى لو بدا غير مرغوب فيه ظاهراً. هذا الفهم يرفع عبء المسؤوليات غير المكتملة والنتائج التي لا يمكن التحكم فيها عن كاهل الإنسان، ويجعله مقاوماً لأحداث الحياة. علاوة على ذلك، يعدنا القرآن الكريم بأن كل عسر يتبعه يسر. ففي الآيتين 5 و 6 من سورة الشرح يقول: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»؛ أي «فإن مع الضيق والشدة فرجاً ويسراً. إن مع الضيق والشدة فرجاً ويسراً». هذا التكرار هو تأكيد قاطع على هذا الوعد الإلهي بأن بعد كل فترة من الصعوبة، سيأتي الفرج واليسر. هذا الوعد يضيء شعاع الأمل في ظلمات الأزمة ويذكر الإنسان بأن الوضع الحالي عابر ومؤقت. هذا التوجه نحو المستقبل يقلل من قلق الحاضر ويحفز الإنسان على مواصلة طريقه بثبات أكبر. لذلك، فإن السكينة في قلب الأزمة هي نتيجة لعملية روحية تتضمن قبول القدر الإلهي، والصبر والثبات، واللجوء إلى الصلاة والذكر، والتوكل الكامل على الله. هذه السكينة ليست سكينة خارجية ولحظية، بل هي طمأنينة قلبية عميقة تنبع من الإيمان بقدرة الله وحكمته. وهكذا، يمكن للأزمات أن تكون ليست مجرد نهايات، بل بوابات إلى أعمق مستويات السكينة والاتصال الروحي، وتقود الإنسان إلى المصدر الحقيقي للقوة والاطمئنان. من هنا، يذكرنا القرآن في كل أزمة نمر بها أنها فرصة للعودة إلى ذواتنا وإلى ربنا. هذه العودة بحد ذاتها، مصدر سكينة عميقة لا يمكن لأي شدة أو صعوبة أن تسلبها منا. وبالعمل بهذه التعاليم، تتحول الأزمات من تهديدات إلى فرص، ويمكننا أن نصل من قلب عواصف الحياة إلى شاطئ السكينة الحقيقية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في قديم الزمان، كان هناك تاجر فاضل اسمه "نيكنام" في رحلة. في الطريق، أصابته عاصفة شديدة وتفرقت قافلته. فقدت ممتلكاته ووجد نفسه وحيداً في صحراء قاحلة لا معالم لها. غلبه الحزن واليأس، ولكن بدلاً من النحيب، رفع نيكنام بصره إلى السماء وقال: "يا ربي، كل ما أعطيت كان ملكك، وكل ما أخذت كان بحكمتك. لقد سلمت قلبي إليك." بقلب مطمئن، بدأ يمشي وهو يردد ذكر الله في نفسه. قضى الليل تحت النجوم، وعلى الرغم من الجوع والبرد، شعر بسلام داخلي لم يحصل عليه من أي ثروة. عند الفجر، وجدته مجموعة من المسافرين وساعدته. ومن قلب تلك الأزمة، وجد نيكنام سكينة لم يختبرها من قبل، وأدرك أن القوة الحقيقية تكمن في التسليم والتوكل على الرب الواحد. هذه الحكاية تذكرنا كيف تصل قلوب المؤمنين إلى شاطئ ذكر الله الآمن حتى في عواصف الأحداث.

الأسئلة ذات الصلة