نعم، يوضح القرآن الكريم أن حياة الإنسان كلها اختبار إلهي؛ تهدف هذه الابتلاءات ليس فقط إلى قياس الإيمان والأعمال، بل أيضًا إلى تعزيز النمو الروحي وتمييز الصادق من الكاذب، ليكون كل فرد مستحقًا للمكافأة أو العقاب في الآخرة.
نعم، بلا شك، بناءً على التعاليم الصريحة للقرآن الكريم وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإن حياة الإنسان في الدنيا هي كلها رحلة من الابتلاء والاختبار الإلهي. هذه حقيقة أساسية ومحورية في النظرة الإسلامية للعالم، مما يعني أن كل فرد، من الولادة حتى الموت، يتعرض لأنواع مختلفة من الامتحانات الإلهية. هذه الاختبارات ليست فقط لقياس إيمان الشخص وأفعاله، ولكن أيضًا لتسهيل نموه الروحي ورفعته. الغرض من هذه الاختبارات ليس أن الله لا يعلم نوايانا وأفعالنا؛ بل هو لإظهار جوهرنا الحقيقي، ولتمييز الصادقين من الكاذبين، ولتوفير فرصة لكل فرد لإظهار كمالاته أو نقائصه، حتى يكون مؤهلاً للمكافأة أو العقاب في الآخرة. يتناول القرآن، في آيات عديدة، هذا الأمر ويعرضه كفلسفة وراء خلق الموت والحياة. من أوضح الآيات في هذا الصدد هي سورة الملك، الآية 2، التي تقول: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"؛ أي "الذي خلق الموت والحياة ليختبركم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور." هذه الآية تنص صراحة على أن الغرض من خلق الحياة والموت هو اختبار البشر لتحديد من يقوم بأفضل الأعمال. هذا "العمل الأحسن" لا يتعلق فقط بالكمية بل بالجودة والإخلاص والتوافق مع الأوامر الإلهية. الاختبارات الإلهية تأتي بأشكال وأنماط متنوعة للغاية. فالله يختبر البشر ليس فقط من خلال الصعوبات والمحن، بل أيضًا من خلال النعم والرخاء. في سورة البقرة، الآية 155، نقرأ: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"؛ أي "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين." تشير هذه الآية إلى أن الكوارث والنواقص هي جزء طبيعي من عملية الاختبار الإلهي. كيف يمارس الإنسان الصبر في مواجهة هذه الصعوبات؟ هل يتوكل على الله أم ييأس؟ هل هو شاكر أم كافر؟ هذه هي الأسئلة الكامنة في كل اختبار. من ناحية أخرى، وفرة النعم والراحة هي أيضًا اختبار كبير. هل يصبح الإنسان متكبرًا وظالمًا عندما يُمنح الثروة والسلطة، أم شاكرًا وكريمًا؟ هل يتذكر الله في صحته وفراغه، أم ينساه؟ يشير القرآن إلى قصة قارون، الذي أدت ثروته الهائلة، بدلاً من أن تكون وسيلة للشكر، إلى التكبر وفي النهاية العذاب. لذلك، فليس الفقر والشدة علامة على غضب إلهي، ولا الثروة والراحة علامة على الرضا المطلق؛ كلاهما يمكن أن يكون ميدانًا لاختبار إيمان الإنسان وأفعاله. الاختبارات الإلهية لا تقتصر على الجوانب المادية؛ بل تشمل أيضًا الأبعاد الأخلاقية والروحية. على سبيل المثال، في سورة العنكبوت، الآيتان 2 و 3، يقول الله: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)"؛ أي "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (3)." تشير هذه الآيات بوضوح إلى أن ادعاء الإيمان دون المرور بالاختبارات لا معنى له. الاختبارات هي محك صدق الإيمان، وتميز الصادق من الكاذب. في الواقع، يرتبط مفهوم "الاختبار الإلهي" ارتباطًا لا ينفصم بمفهومي "الاختيار" و "المسؤولية" البشرية. لقد خلق الله الإنسان ذا إرادة حرة وأظهر له دروب الخير والشر؛ والآن، يختار الإنسان مسارًا بإرادته الحرة. تشكل هذه الاختيارات طوال الحياة الاختبارات نفسها. تنطبق هذه الاختبارات على أناس من جميع الأديان والمعتقدات والأعراق والمكانات الاجتماعية. لا يوجد أحد مستثنى؛ حتى الأنبياء واجهوا أشد المحن ليكونوا قدوة للبشرية. من اختبار النبي إبراهيم (ع) في تضحية ابنه إلى صبر النبي أيوب (ع) في مواجهة المرض وفقدان الثروة والأولاد، كلها أمثلة على اختبارات إلهية عميقة. الهدف الأسمى من هذه الاختبارات هو الوصول إلى الكمال والقرب الإلهي. كل اختبار هو فرصة للنمو، والتطهر من الذنوب، وتقوية الإرادة والإيمان. الشخص الذي يظهر الصبر في الشدائد، والشكر في النعم، والتقوى عند مواجهة الذنوب، هو في الواقع يتقدم في مسار التطور الروحي والقرب من الله. هذه الاختبارات هي جسر للعبور من هذا العالم والوصول إلى السعادة الأبدية. وهكذا، من منظور قرآني، الحياة ليست حدثًا عشوائيًا، بل هي خطة إلهية حيث كل لحظة يمكن أن تحتوي على درس لتحقيق الخلاص. قبول هذه الحقيقة يمنح الإنسان السكينة والبصيرة والمرونة في مواجهة تحديات الحياة، ويهديه نحو الهدف الأسمى من الخلق.
يُروى أنه في العصور القديمة، كان رجل يمتلك ثروة عظيمة ويعيش في رغد. في أحد الأيام، جاءت عاصفة قوية جرفت كل ممتلكاته، فتركه فقيرًا معدمًا. قام أصدقاؤه بمواساته قائلين: 'يا له من قدر قاسٍ!' لكنه ابتسم وأجاب: 'هذا أيضًا اختبار من الرب. في أوقات الغنى، كان يختبرني هل أنا شاكر أم مغرور؟ والآن في الفقر، يختبرني هل أنا صبور أم جزوع؟' وأضاف: 'كما قال سعدي:<br> في الشدة، كن صابرًا حتى يأتيك الفرج؛<br> وفي الرخاء، كن شاكرًا لتظهر العبودية.'<br> وبهذه النظرة، لم يتذمر من الفقر ولم يندم على الماضي، بل استمر في فعل الخير بمعونة الله، وخرج منتصرًا من هذا الاختبار، لأنه كان يعلم أن كل حال هو درجة لقياس الإيمان والوصول إلى مرتبة أعلى.