لقد أوضح الله تعالى طريق الحق والباطل للبشرية جمعاء، ومنحهم حرية الاختيار. يصوغ كل فرد، من خلال خياراته وأعماله، مساره الفريد ضمن إطار الصراط المستقيم الإلهي.
سؤالكم "هل لكل الناس مسار خاص عند الله؟" هو سؤال عميق وأساسي يتجذر في تعاليم القرآن الكريم والحكمة الإلهية. الإجابة على هذا السؤال تتطلب فهم مفاهيم مثل الهداية الإلهية، والإرادة الحرة للإنسان، وهدف الخلق. بشكل عام، يعلمنا القرآن الكريم أن الله تعالى قد أوضح طريق الحق والباطل للبشرية، وقد خلق الإنسان كائناً يتمتع بحرية الاختيار، قادراً على اختيار أحد هذين المسارين. لذلك، بالمعنى الحرفي للكلمة، لا يوجد "مسار خاص" لكل فرد كقدر محدد مسبقاً لا يملك فيه أي خيار. بل إن مسار كل شخص هو نتاج خياراته وجهوده واستجاباته للهداية الإلهية. لقد صرح الله تعالى في القرآن الكريم أنه أضاء سبيل الحق وترك الإنسان حراً في الاختيار. على سبيل المثال، في سورة الإنسان، الآية 3، يقول سبحانه: "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا". هذه الآية توضح بجلاء أن الله قد أظهر طريق الهداية لجميع البشر، ولكن الخيار النهائي يقع على عاتق الإنسان نفسه. هذا "السبيل" يعني منهجاً عاماً ومبادئ توجيهية تؤدي إلى صلاح الدنيا والآخرة للإنسان. هذا الطريق هو طريق الإيمان، والتقوى، والعمل الصالح، والطاعة لأوامر الله. وفي المقابل، يوجد أيضاً طريق الكفر والنكران، والذي قد بيّنه الله أيضاً للإنسان. هذا التمييز الواضح بين الطريقين يؤكد على المسؤولية الفردية التي يحملها كل إنسان في اتخاذ قراراته المصيرية. بالإضافة إلى ذلك، خلق الله الإنسان بفطرة التوحيد وميل إلى الحق. هذه الفطرة هي ذلك الإحساس الداخلي الذي يدفع الإنسان نحو الخير وقبول الحقيقة. في جوهر الأمر، فإن المسار العام الذي حدده الله لسعادة البشر هو "الصراط المستقيم". هذا هو المسار الذي نطلب من الله أن يهدينا إليه في سورة الفاتحة: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ". هذا المسار ليس مجرد مفهوم تجريدي؛ إنه إطار شامل للمبادئ الأخلاقية، والعبادات، والمعاملات التي تضع حياة الإنسان على مسار الكمال والنجاح. إنه يشمل جميع جوانب الحياة، من السلوك الشخصي إلى التفاعلات الاجتماعية، ويوجه المؤمنين نحو حياة مرضية لخالقهم ومفيدة لجميع المخلوقات. ومع ذلك، فإن فهمنا لـ "المسار الخاص" قد يشير أيضاً إلى جوانب أخرى. يولد كل إنسان بمواهب فريدة، وقدرات، وتحديات، وظروف حياة خاصة به. يذكر الله في القرآن أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها (سورة البقرة، الآية 286). هذا يعني أن كل فرد، ضمن إطار خياراته وظروفه، مسؤول عن اختيار السير في الطريق الإلهي. قد يختلف مسار عالم الدين في تفاصيله عن مسار التاجر أو الفنان، ولكن المبادئ العامة للمسار الإلهي تظل واحدة للجميع: الإيمان بالله، والعمل الصالح، والتقوى، والعدالة، وخدمة الخلق. التنوع في الخلق والرزق والقدرات هو جزء من الحكمة الإلهية التي تمكّن البشر من المساهمة في العبادة ورفعة المجتمع في أدوار مختلفة. هذا النسيج المتنوع من التجارب البشرية يثري العالم ويسمح بتعدد الطرق لتحقيق غرض المرء كعبد لله. القرآن يؤكد أيضاً على المساءلة الفردية في اختيار المسار. كل شخص مسؤول عن أفعاله وخياراته، وسوف يحاسب عليها يوم القيامة. في سورة الزلزلة، جاء قوله تعالى: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (الآيتان 7-8). هذه الآيات تؤكد أن كل عمل، سواء كان خيراً أو شراً، له عواقب، وأن هذه العواقب مرتبطة مباشرة بالخيارات الفردية. هذا يسلط الضوء على الأهمية الكبيرة لكل قرار يتخذ، مهما كان صغيراً، لأنه يساهم في مصير الفرد النهائي. تعزز هذه المساءلة مفهوم الإرادة الحرة، إذ لن يكون هناك عدل في المساءلة لو كانت الخيارات محددة سلفاً. قد يبدو للبعض أن بعض الأفراد "مجبرون" على اتباع مسار معين، ولكن هذا يتناقض مع مبدأ الإرادة الحرة، الذي يُعد أحد الأعمدة الأساسية في الرؤية الكونية القرآنية. فالله ليس بمجبر يُكره البشر على فعل شيء. لقد أوضح السبيل، وأرسل الأنبياء والكتب السماوية، ووضع الآيات في الآفاق وفي الأنفس، لكن القرار النهائي يعود للإنسان. حتى عندما يُذكر "القضاء والقدر"، فإنه لا يعني نفي اختيار الإنسان؛ بل يشير إلى علم الله المطلق وتدبيره للكون، والذي لا يتعارض مع حرية اختيار الإنسان. فالقدر الإلهي يشمل كل الاحتمالات والنتائج بناءً على اختيارات الإنسان، مما يعكس علم الله الشامل، وليس قدراً مبرمجاً يتجاوز إرادة الإنسان. في الختام، يمكن القول إن الله قد حدد "مساراً رئيسياً" لجميع البشر، وهو "الصراط المستقيم". هذا المسار يؤدي إلى الفلاح الأبدي. ومع ذلك، فإن طريقة سلوك هذا المسار، والتحديات والفرص المحددة التي تواجه فيه، فريدة لكل فرد. هذه الاختلافات لا تعني "مسارات خاصة محددة سلفاً" بل تعني "رحلات فردية" ضمن إطار المسار الإلهي الكوني نفسه. كل شخص، باستخدام عقله وفطرته السليمة وهدايته الإلهية، وبممارسة الإرادة الحرة الممنوحة له، يصوغ مساره الشخصي على هذا الطريق الرئيسي. هذا المنظور يمنح الحياة معنى عميقاً ويضاعف مسؤولية الإنسان عن خياراته وأفعاله، مما يعكس عدل الله وحكمته، الذي يمنح الجميع الفرصة لتشكيل مصيرهم الأخروي من خلال اختياراتهم. هذا الفهم يعلمنا أيضاً أنه بدلاً من البحث عن "مسار سري" أو "قدر حتمي" لأنفسنا، يجب علينا التركيز على السعي لمعرفة الله بشكل أفضل، وطاعة أوامره، وتنمية الأخلاق الفاضلة، وخدمة البشرية. هذه هي المكونات الرئيسية للصراط المستقيم المفتوح للبشرية جمعاء. لذا، نعم، كل الناس، بالمعنى العام، مدعوون إلى "مسار" واحد وهو المسار الإلهي. ولكن في تفاصيل السير فيه وكيفية الاستجابة لهذه الدعوة، يصوغ كل فرد مساره الخاص والفريد، الذي هو نتيجة أعماله واختياراته. هذا التنوع في المسارات الفردية يعرض أيضاً جمال الخلق وحكمة الخالق، حيث يمكن لكل شخص بقدراته أن يصل إلى كمال فريد.
في يوم من الأيام، كان درويش يتأمل في نفسه متسائلاً: «ما هو طريق الحياة؟ هل القدر يحملني إلى مكان ما، أم يجب أن أجد طريقي بنفسي؟» رآه حكيم، وبابتسامة رقيقة، قال له: «يا أيها العابر الكريم! البستاني الذي يزرع شجرة يعلم ما إذا كانت ستعطي تفاحاً أم إجاصاً. ومع ذلك، فإن نمو تلك الشجرة وإثمارها يعتمد على الماء والضوء والتربة وجهد البستاني وعنايته. كذلك، قد بيّن الله لك سبل الخير والشر. أنت هو من يميل أغصان مسار حياتك نحو الخير والسعادة أو الشر والهلاك، بكل خطوة وكل اختيار. لذا، اختر طريقاً نهايته ربيع أبدي وثمار حلوة، وليس خريفاً أبدياً مليئاً بالندم والخسارة.» عند سماعه هذه الكلمات الحكيمة، فهم الدرويش أن المسار العام واضح والدعوة الإلهية شاملة للجميع، لكن خطواته الصغيرة وخياراته اليومية هي التي تشكل مصيره الحقيقي وتصنع مساره الخاص. ومنذ ذلك الحين، سار في دروب الحياة بمزيد من التدبر، مدركاً أن كل خطوة هي بحد ذاتها طريق.