الشعور بالضيق ليس بالضرورة ضعفاً في الإيمان؛ قد يكون جزءاً من التجربة الإنسانية، أو اختباراً إلهياً، أو حاجة جسدية/نفسية. الأهم هو كيفية استجابتنا: فبالصبر والدعاء وذكر الله والتوكل عليه، يمكننا تقوية إيماننا.
سؤالكم عميق ومهم للغاية، لأن الكثير من الناس يواجهون هذا التساؤل خلال حياتهم. هل الشعور بالضيق، الحزن، القلق، أو ببساطة 'عدم الشعور بالراحة' يعني ضعف الإيمان؟ هذا موضوع تناوله القرآن الكريم، لكن ليس بالضرورة أن يربط كل حالة نفسية سلبية بضعف الإيمان مباشرة. في الواقع، يعلمنا القرآن أن الحالات النفسية والعاطفية هي جزء طبيعي من الوجود البشري، وحتى الأنبياء والأولياء الصالحون قد مروا بالحزن أو الضيق أو المصاعب. ما يهم حقًا في تعاليم القرآن هو كيفية تعامل الإنسان مع هذه الحالات. أولاً، يجب أن نفهم أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بحدود متعددة؛ لديه جسد وروح ومشاعر وعواطف. هذه المشاعر، بما فيها الفرح والحزن، الخوف والأمل، هي جزء لا يتجزأ من كياننا. يشير القرآن الكريم إلى هذه الجوانب البشرية في آيات عديدة. على سبيل المثال، في سورة المعارج (الآيات 19-21) يقول الله تعالى: «إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا» أي: «إن الإنسان خلق كثير الجزع، إذا أصابه الشر كثير الشكوى، وإذا ناله الخير كثير المنع». هذه الآية تبين أن الجزع والاضطراب أمام الصعاب هو سمة بشرية، ولا يعني بالضرورة ضعف الإيمان، بل يحتاج إلى تربية النفس وتهذيبها. ثانياً، الحياة الدنيا هي دار ابتلاء وامتحان. يوضح الله تعالى في القرآن صراحة أنه يختبر عباده بأمور مختلفة ليقيس درجة إيمانهم وصبرهم. في سورة البقرة الآية 155 يقول: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» أي: «ولنختبرنكم بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين». هذا الخوف والجوع والفقدان يمكن أن يؤدي بلا شك إلى الشعور بالضيق والحزن. ولكن هل هذا يعني ضعف الإيمان؟ لا، بل هو فرصة للصابرين لإظهار إيمانهم والنجاح في هذه الامتحانات. ثالثاً، يقدم القرآن حلولاً للتعامل مع هذه الحالات النفسية، وهي بحد ذاتها علامات على قوة الإيمان، وليس ضعفه. من أهم هذه الحلول الصبر والصلاة. في سورة البقرة الآية 153 نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» أي: «يا أيها الذين آمنوا استعينوا على أموركم بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين بالعون والتوفيق». إذا كان الفرد لا يشعر بالراحة، ولكنه بدلاً من اليأس والابتعاد عن الله، يتحلى بالصبر ويلجأ إلى الصلاة والدعاء، فهذا بحد ذاته دليل على قوة إيمانه. الإيمان القوي يعني عدم التخلي عن حبل الله حتى في أصعب الظروف والثقة بوعوده. علاوة على ذلك، ذكر الله هو أحد أهم العوامل التي تجلب الطمأنينة للقلوب. في سورة الرعد الآية 28 يقول تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» أي: «الذين صدقوا الله ورسوله، واستقرت في قلوبهم معاني الإيمان، وتطمئن قلوبهم بذكر الله تعالى، ألا بذكر الله تطمئن القلوب». إذا كان شخص ما في حالة ضيق ويبحث عن الطمأنينة بذكر الله، فهذا دليل على إيمانه. ضعف الإيمان يظهر عندما يبتعد الإنسان عن الله عند مواجهة المشاكل، أو يصيبه اليأس، أو يتخلى عن واجباته الدينية. لا ينبغي أن نغفل أن الشعور بالضيق قد يكون له أحياناً جذور جسدية أو نفسية خارجة عن نطاق ضعف أو قوة الإيمان. فالأمراض الجسدية، والإرهاق الشديد، والمشاكل النفسية مثل الاكتئاب السريري أو القلق المزمن، كلها يمكن أن تجعل الشخص لا يشعر بالراحة. وفي الإسلام، هناك أيضاً توصية بالاهتمام بالصحة الجسدية وزيارة الطبيب. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسه كان يحث على معالجة الأمراض. لذلك، إذا لم تكن تشعر بالراحة، فلا يجب أن تنسب ذلك فوراً إلى ضعف الإيمان؛ بل يجب عليك التحقق من السبب. قد تحتاج إلى الراحة، أو التغذية السليمة، أو حتى استشارة أخصائي نفسي، وهذه الأمور لا تتعارض مع الإيمان على الإطلاق، بل هي جزء من العناية بالأمانة التي وكلها الله إلينا. في الختام، الإيمان عملية ديناميكية حية تشهد تقلبات صعوداً وهبوطاً على مدار الحياة. قد يضعف الإيمان أحياناً بسبب الذنوب أو الغفلة، وقد يظهر هذا الضعف على شكل خمول أو ضيق في الصدر. في هذه الحالة، التوبة والاستغفار والعودة إلى الله هي العلاج. لكن الشعور بالضيق ليس دائماً يعني ضعف الإيمان، بل يمكن أن يكون علامة على اختبار إلهي، أو إرهاق جسدي، أو حتى فرصة لتعميق الصلة بالله من خلال الصبر والدعاء. لذا، الأهم هو ألا نفقد التوكل والأمل بالله في أي حال من الأحوال، ونستمر في طريق العبودية.
في بستان سعدي، يُروى أن ملكاً كان ذات ليلة مهموماً من هموم الدنيا، ولم يجد له قراراً. فجاء إليه وزيره، وكان رجلاً حكيماً وعارفاً، فوجد الملك يتقلب في فراشه ويتأوه. فسأله الوزير بلطف: «أيها الملك، أنت الذي تملك كل هذه النعم والسلطة، لماذا أنت قلق هكذا؟» تنهد الملك وقال: «قلبي ضيق ولست بخير، وكأن إيماني قد ضعف.» ابتسم الوزير وقال: «أيها الملك، إن الضيق لا يدل على ضعف الإيمان، بل هو علامة على إنسانية الروح وحساسيتها. المهم هو أنك في هذه الحالة لا تدير وجهك عن الله، وأن تظل تعلم أنه ملجأك. في هذه المدينة، هناك درويش يشكر الله كل ليلة على خبزه اليابس وماءه، وينام بسلام. ليس لديه ثروتك ولا سلطتك، لكن قلبه مطمئن بذكر الله. هل حالتك تدل على ضعف الإيمان، أم هي علامة على عودة أعمق إلى حضرة الله؟» تأمل الملك في هذه الكلمات، وأدرك أن السلام الحقيقي يكمن في ذكر الله، وليس في غياب المصاعب. وعرف أن المشاعر الإنسانية هي فرصة للنمو والاتصال الأعمق بالخالق.