هل الجهد غير المثمر له أجر عند الله؟

نعم، في المنظور القرآني، الجهد الصادق والمخلص بنية رضا الله، حتى لو لم يؤدِ إلى نتيجة مادية فورية، له أجر عند الله. القيمة الحقيقية تكمن في النية، الإخلاص، والثبات على طريق الحق، وليس فقط في النتيجة الظاهرية.

إجابة القرآن

هل الجهد غير المثمر له أجر عند الله؟

السؤال الذي طرحته عميق ومهم للغاية، فهو يتناول جوهر العدل الإلهي وآلية الثواب والعقاب في المنظور القرآني. هل الجهد غير المثمر له أجر عند الله؟ الجواب على هذا السؤال بشكل قاطع، واستنادًا إلى تعاليم القرآن الكريم، هو "نعم". ففي الرؤية الإلهية، لا تقتصر قيمة العمل على نتيجته الظاهرية فحسب، بل إن النية والإخلاص واستمرارية الجهد والثبات على طريق الحق تحظى بأهمية قصوى. فالله تعالى، على عكس المعايير البشرية التي غالبًا ما تقوم على النجاحات الملموسة والقابلة للقياس، ينظر إلى أعماق القلوب، والنوايا الصادقة، والمجاهدات المخلصة. يشير القرآن الكريم في آيات متعددة إلى أن أعمال البشر، حتى لو لم تحقق نتيجة ملموسة في الظاهر، محفوظة عند الله ولها أجرها الخاص. هذه المسألة هي أحد أسس الأمل للمؤمنين ودافع قوي للاستمرار في الطريق رغم الصعوبات وخيبات الأمل. على سبيل المثال، في سورة الكهف، الآية 30، يقول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا"؛ أي: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً". هذه الآية توضح بجلاء أن أجر العمل الصالح، حتى لو لم يؤدِ إلى النتيجة التي نتوقعها، لن يضيع. المهم هو "إحسان العمل"، أي إتقان العمل وإخلاصه، وليس مجرد الوصول إلى نتيجة معينة. وفي سورة التوبة، الآية 120، يشير الله إلى أجر المجاهدين في سبيل الله ويقول: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"؛ أي: "ذلك بأنهم لا يصيبهم عطش ولا تعب ولا جوع في سبيل الله، ولا يطأون موطئًا يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلًا إلا كتب لهم به عمل صالح؛ إن الله لا يضيع أجر المحسنين". هذه الآية توضح بجلاء أن حتى المشقات والجهود التي تبذل في سبيل الله، بغض النظر عما إذا كانت تؤدي إلى النصر النهائي أم لا، تعتبر في حد ذاتها عملاً صالحًا ولها أجرها. المقصود ليس أن النتيجة غير مهمة، بل أن الجهد والنوايا الحسنة، حتى لو لم تتحقق النتيجة المرجوة، لها قيمة كبيرة عند الله. من الأمثلة الواضحة على هذا المفهوم، جهود الأنبياء والأولياء. فكثير من الأنبياء دعوا أقوامهم لسنوات طويلة، وقد آمن بهم عدد قليل، مثل نوح عليه السلام الذي دعا قومه لأكثر من 900 عام، ولم يؤمن به إلا قليلون. فهل كانت جهودهم بلا ثمر؟ حاشا لله! فالله يمنحهم أجرًا كاملاً لا حد له على جهودهم وصبرهم وثباتهم. هذا يدل على أن واجبنا هو بذل الجهد، والنتيجة بيد الله. نحن مكلفون بأداء الواجب بأفضل نية وأخلص عمل، وأجر ذلك على عاتق الرب. نقطة مهمة أخرى هي دور البلاء والابتلاءات في مسيرة الحياة. ففي بعض الأحيان، يبذل الإنسان جهدًا كبيرًا ولكنه لا يحقق النتيجة المرجوة، وهذا بحد ذاته قد يكون اختبارًا من الله لقياس صبر الفرد وتوكله وثباته. في مثل هذه الظروف، إذا لم يتخل العبد عن الجهد والأمل رغم الصعوبات وغياب النجاح الظاهري، وتوكل على الله، فإن جهده لن يذهب سدى فحسب، بل سيُمنح أجرًا أعظم وأكثر قيمة بفضل صبره وتوكله. يمكن أن يتجلى هذا الأجر في النمو الروحي، والسكينة القلبية، ومغفرة الذنوب، وفي النهاية، الفلاح الأخروي. هذا المفهوم يعلمنا أنه يجب علينا أن نكون دائمًا متفائلين برحمة الله وفضله، وأن أي جهد يتم بنية صادقة ولأجل الله لن يكون بلا ثمر أبدًا. في سورة آل عمران، الآية 195، نقرأ: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ"؛ أي: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم، من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض؛ فالذين هاجروا وأُخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتلوا لأُكفرن عنهم سيئاتهم ولأُدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ثوابًا من عند الله؛ والله عنده حسن الثواب". هذه الآية تتحدث صراحة عن "الأذى في سبيل الله" و"القتل"، والتي قد لا تؤدي إلى نصر عسكري في الظاهر، ولكن الوعد الإلهي يشتمل على أجر عظيم لهم. وبناءً على ذلك، فإن المنظور القرآني للجهد شامل وعميق، ويتجاوز المقاييس السطحية للنجاح والفشل. كل جهد مخلص يتم بنية صافية لرضا الله، سواء أدى إلى نتيجة مادية أم لا، يسجل في صحيفة أعمال الإنسان وله أجره. قد يتجلى هذا الأجر في شكل بركة في الحياة، أو راحة نفسية، أو بأفضل أشكالها، في الأجور الأخروية العظيمة. هذا المبدأ هو مصدر عظيم للأمل والتحفيز لكل مؤمن لكي يسير دائمًا في طريق الخير والصلاح بثقة وتوكل على الله، حتى لو كان الطريق مليئًا بالتحديات ويبدو غير مثمر. فليعلم أن الله لا يتجاهل أبدًا جهود عباده المخلصين، وأن كل ذرة من العمل الصالح محفوظة عنده. هذا هو العدل الإلهي المطلق الذي يمنعنا من اليأس والإحباط أمام المشاكل، ويدعونا إلى مواصلة الكفاح. هذا الأمل بحد ذاته هو من أعظم الأجور الروحية التي تتجذر في قلب المؤمن وتمنحه القدرة على مواصلة المسير.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

كان درويش جالسًا بجانب بئر، يجذب دلوًا بصعوبة بالغة، وكان حبله ينقطع مرارًا فيعود الدلو إلى البئر. رآه عابر سبيل وسأله: "يا درويش، لماذا تبذل كل هذا الجهد؟ في كل مرة تسحب الدلو، يعود إلى البئر ولا تحصل على ماء. ألا تعلم أن هذه البئر جافة ولا ماء فيها؟" أجاب الدرويش بابتسامة: "يا صديقي، أنا لا أسعى للحصول على الماء. أنا أسعى لكي لا يضعف حبل همتي وإرادتي. أحرك هاتين اليدين حتى لا تنسيا أنه يجب السعي، حتى لو لم أرَ نتيجة. أجري يكمن في هذا الجهد نفسه، لا في الماء الذي يخرج من البئر." تعجب العابر، وأدرك أن قيمة العمل ليست دائمًا في ناتجه، بل في جوهر الفعل نفسه والنية الصافية.

الأسئلة ذات الصلة