نعم، الله يقبلنا بضعفنا؛ لأنه خالقنا وعالم بحدودنا. قبوله مشروط بالتوبة الصادقة، والسعي للتحسن، والتوكل على رحمته الواسعة، لا بالكمال.
السؤال العميق حول ما إذا كان الإله يقبلنا بضعفنا المتأصل يتردد صداه عميقاً في قلب الإنسان. في النسيج الواسع للقرآن الكريم، تتجلى الإجابة بوضوح مدوٍ: نعم، إن الله تعالى لا يقبلنا بضعفنا فحسب، بل يفهمها ضمنياً؛ لأنه خالقنا، العليم بكل شيء، الرحمن الرحيم، والغفور الودود. إن نسيج الخلق البشري، كما كشفه القرآن، يقر بضعفنا ونقصنا وقابليتنا للخطأ. وبعيداً عن كونها حاجزاً أمام القبول الإلهي، فإن هذه الضعف، عندما يتم التعامل معها بتواضع ورغبة صادقة في القرب من الله، يمكن أن تصبح دروباً إلى فضله ورحمته اللامتناهية. يصرح القرآن الكريم بوضوح في سورة النساء، الآية 28: "يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا." هذه الآية أساسية. إنها تخبرنا أن ضعفنا ليس سهواً، بل هو جانب أساسي من تصميمنا. لقد خلقنا الله، في حكمته اللانهائية، بقيود، وميول نحو الخير والشر، وبحاجة فطرية لهدايته ودعمه. وهو يعلم صراعات النفس البشرية، وهمسات الإغراء، ولحظات الشك، والأخطاء الناتجة عن الجهل أو التسرع. لذلك، عندما نتعثر، أو نسقط، أو نستسلم لعيوبنا، فإن ذلك ليس مفاجأة له؛ بل هو جزء متوقع من رحلتنا واختبارنا في الدنيا. ما يصبح حاسماً بعد ذلك هو استجابتنا لهذه الضعف. فالقرآن لا يطالب البشرية بالكمال المستحيل، بل يطلب سعياً صادقاً، واعترافاً متواضعاً بنقائصنا، وعودة لا تتزعزع إلى الله. هذا المفهوم يتجسد بجمال في صفات الله الحسنى "الغفور" و"الرحيم". إن أسماء الله هذه ليست مجرد ألقاب؛ بل تجسد جوهر وجوده وعلاقته بخلقه. رحمته تشمل كل شيء، ومغفرته جاهزة دائماً لمن يطلبها. تأمل الإعلان القوي في سورة الزمر، الآية 53: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ." هذه الآية تقدم منارة أمل، دعوة عالمية لكل نفس، بغض النظر عن حجم ضعفها أو ذنوبها. إنها تحظر صراحة اليأس من رحمة الله، مؤكدة أنه مهما بلغ تصورنا لأنفسنا من النقص، فإن باب التوبة والمغفرة يظل مفتوحاً على مصراعيه. هذا يشير إلى مستوى عميق من القبول – قبول ليس فقط على الرغم من ضعفنا، بل قبول يدعونا لأن نحمل ضعفنا وصراعاتنا إليه مباشرة. آلية هذا القبول الإلهي تكمن في التوبة الصادقة. التوبة في الإسلام ليست مجرد التعبير عن الندم؛ بل هي عودة قلبية عن الخطأ، ونية ثابتة لعدم تكرار الخطأ، وجهد حقيقي للإصلاح إن أمكن. سورة النساء، الآية 17، تقول: "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا." حتى لو أدى ضعف إلى أخطاء متكررة، ما دام القلب يعود باستمرار إلى الله بتواضع، طالباً مغفرته وساعياً للتحسن، فإن قبوله مضمون. يخبرنا القرآن في سورة البقرة، الآية 222: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ." هذا إعلان مدهش: إن الله يحب أولئك الذين يعودون إليه باستمرار، معترفين بأخطائهم، وساعين إلى الطهر. هذا الحب شهادة على قبوله العميق لرحلتنا البشرية، بكل تقلباتها. ضعفنا ليس مجرد عثرات روحية؛ بل هي أيضاً معلمات عظيمة. إنها تعلمنا التواضع، مذكرة إيانا بأننا نعتمد كلياً على الله في القوة والهداية والنجاح. إنها تمنع الغطرسة والبر الذاتي، وتعزز التعاطف مع الآخرين الذين يكافحون أيضاً. عندما ندرك ضعفنا، نكون أقل عرضة للحكم على الآخرين بقسوة وأكثر ميلاً لمد يد العون لهم، مما يعكس الشفقة الإلهية التي نسعى إليها. هذا الإدراك لضعفنا يدفعنا إلى طلب القوة من المصدر الحقيقي الوحيد للقوة – وهو الله تعالى. إنه يجعل صلواتنا أكثر إلحاحاً، وتوكلنا أعمق، وشكرنا أصدق. في الختام، يرسم القرآن صورة لإله يدرك تماماً الطبيعة البشرية، خلقنا بضعف متأصل، ورحمته ومغفرته اللامتناهيتين متاحتان دائماً. إن قبوله لنا ليس مشروطاً بكمالنا، الذي لا يمكن للبشر بلوغه؛ بل مشروط بصدقنا وتواضعنا وعودتنا المستمرة إليه، طلباً لمغفرته وسعياً لتحسين أنفسنا. لذا، نعم، بكل تأكيد، يقبلك الله بضعفك، بشرط أن تأتيه بقلب تائب، ورغبة في الطهارة، وثقة لا تتزعزع في فضله اللامتناهي. إن الباب الإلهي للقبول مفتوح دائماً للمتواضعين والمجتهدين. لا تدع نقاط ضعفك تتحول إلى جدار بينك وبين خالقك؛ بل دعها تكون الدافع الذي يدفعك إلى المحيط الشاسع لرحمته وقبوله. إنه ينتظرك، مستعداً للمغفرة، مستعداً للهداية، ومستعداً لاحتضانك.
في الأزمنة الغابرة، كان هناك رجل ذو قلب نقي، ولكن لسانه كان يتحول أحياناً إلى سيف حاد، فينطق بكلمات قاسية. بعد كل مرة، كان يندم على أفعاله ويحزن لعدم قدرته على التغلب على ضعفه. فذهب إلى درويش حكيم، من أتباع سعدي، وروى له حاله. قال الدرويش بابتسامة لطيفة: "يا بني، هل تتوقف الشمس عن الإشراق لأن سحابة عابرة تغطيها؟ أم هل يتوقف النهر عن الجريان لأن حجراً يعترض طريقه للحظة؟ ضعفُكَ هو سحبُكَ وأحجارُكَ. المهم هو أن تظل متجهاً نحو الشمس وتسعى لإزالة العوائق. إن الله يرى جهدك وإخلاصك، وليس فقط زلاتك العابرة." أخذ الرجل هذه الكلمات إلى قلبه. ورغم أنه كان لا يزال يتعثر أحياناً، إلا أنه لم ييأس بعد الآن. بقلب مليء بالأمل والإخلاص، شرع في طريق إصلاح الذات، وفي هذا الإخلاص بالذات، وجد سلاماً قربه من القبول الإلهي.