هل الله بحاجة إلى أعمال الإنسان في القرآن؟

الله غني مطلق، وأعمال الإنسان لا تنفعه شيئًا. هذه الأعمال هي لنمو الإنسان وسعادته الذاتية، وليس لتلبية أي حاجة إلهية.

إجابة القرآن

هل الله بحاجة إلى أعمال الإنسان في القرآن؟

السؤال العميق عما إذا كان الخالق العظيم، الله سبحانه وتعالى، يحتاج إلى أعمال مخلوقاته البشرية هو أمر تمت الإجابة عليه بوضوح لا لبس فيه في جميع أنحاء القرآن الكريم. الإجابة القاطعة، التي أكدتها آيات عديدة ومبادئ إسلامية أساسية، هي "لا" مدوية. فالله، في جوهره الإلهي المطلق، مستقل تمامًا، ومكتفٍ بذاته، ويتجاوز كل الاحتياجات. إنه الغني؛ أي الذي لا يحتاج إلى أحد، المكتفي بذاته، الغني بلا حدود، والمستقل. هذه الصفة الأساسية لله تشكل حجر الزاوية في اللاهوت الإسلامي وتشكل فهمنا لعلاقته بمخلوقاته. عندما نتدبر القرآن، نجد هذا المفهوم يتكرر مرارًا وتكرارًا. على سبيل المثال، في سورة فاطر (35:15)، يعلن الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ». هذه الآية تجسد بشكل جميل الديناميكية الأساسية بين الخالق والمخلوق. إنها تؤكد حالة البشرية المتأصلة من الاعتماد والاحتياج إلى الله، بينما تؤكد في الوقت نفسه كفاية الله المطلقة واستحقاقه للحمد، بغض النظر عن أفعال البشر. إن وجودنا ذاته، أنفاسنا، رزقنا، هدايتنا، وفي الواقع، كل جانب من جوانب وجودنا، يعتمد كليًا عليه. إنه لا يكتسب شيئًا من طاعتنا، ولا يفقد شيئًا من عصياننا. إن جلاله وقوته وكماله لا يمسها أعمال مخلوقاته. وبناءً عليه، فإن الغاية من أفعال الإنسان ليست تلبية حاجة إلهية، بل خدمة رفاهية البشرية الروحية والدنيوية نفسها. فالله، بحكمته اللامتناهية ورحمته الواسعة، قد وضع الأوامر والنواهي لا لأنه يحتاجها، بل لأنها مفيدة لنا بطبيعتها. إنها خريطة طريق لحياة مُرضية، ودليل للسلام الداخلي، وسبيل للنجاح في الدنيا والآخرة. إن عبادتنا، صلواتنا، صدقاتنا، صدقنا، عدلنا، وكل عمل صالح نؤديه هو في النهاية استثمار في رأسمالنا الروحي. إنها تطهر أرواحنا، وتقوي شخصيتنا، وتعزز المجتمعات المتناغمة، وتقربنا من خالقنا. تأمل الآية في سورة الذاريات (51:56): «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ». هذه الآية تحدد الغاية الأساسية من خلقنا. ومع ذلك، فإن هذه «العبادة» ليست خدمة يحتاجها الله ليكتمل مجده. بل هي اعتراف بربوبيته، وإقرار بعبوديتنا، وعمل لمواءمة إرادتنا مع إرادته. عندما نعبد، فإننا في الأساس نرعى أرواحنا، ونلبي تطلعاتنا الروحية الفطرية، ونقيم صلة عميقة بمصدر الوجود كله. من خلال العبادة نجد الهدف، والاتجاه، وفي النهاية، السلام. لو أن جميع البشر عبدوه بلهفة وشغف، لما زاد ذلك في ملكه قيد أنملة. ولو أن جميع البشر كفروا وتمردوا، لما انتقص ذلك من قوته أو سيادته أدنى مثقال ذرة. إن قوته مطلقة ومستقلة عن خياراتنا. علاوة على ذلك، يبرز القرآن أن أعمالنا هي اختبار، وسيلة نُحاسَب بها ونُجازَى. في سورة الملك (67:2)، جاء: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا». هذا الاختبار هو لحسابنا ولفرز الصالحين من المسيئين، وإعداد كل نفس لمصيرها النهائي. نتائج هذا الاختبار – سواء كانت نجاحًا أو فشلاً – تؤثر علينا، وليس على الله. إنه العليم بالكل، ويعلم النتائج مسبقًا، لكن الاختبار نفسه يخدم إظهار إرادتنا الحرة وإقامة العدل للآخرة. يزيد مفهوم الشكر تأكيدًا على استغناء الله المطلق. في سورة النمل (27:40)، جاء: «وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ». هذه الآية توضح بجلاء: عندما نعرب عن شكرنا لنعم الله التي لا تحصى، فإننا نخدم أنفسنا. الشكر يفتح أبوابًا لمزيد من النعم، ويعزز الرضا، ويثري حياتنا. على العكس من ذلك، إنكار نعمه (الكفر أو الجحود) يضر الفرد، لا الله. جوده يبقى بلا حدود، بغض النظر عما إذا كانت مخلوقاته تعترف به أم لا. إنه لا يحتاج إلى شكرنا؛ بل شكرنا يرتقي بنا ويقربنا إليه. يمكن تصور الأمر على النحو التالي: ملك ثري محسن يأمر رعاياه بالحفاظ على النظافة، وتثقيف أنفسهم، والعيش بسلام. هذه الأوامر ليست لأن الملك يحتاجهم للقيام بذلك من أجل رفاهيته أو سلطته؛ فهو بالفعل قوي ومكتفٍ بذاته. بل إنه يأمرهم من أجل مصلحتهم هم، من أجل صحة مملكته وازدهارها وانسجامها. وبالمثل، فإن أوامر الله للأعمال الصالحة ونواهيه عن الشر هي في جوهرها لتحسين البشرية وإقامة العدل والسلام على الأرض. في الختام، يؤكد القرآن تأكيدًا عميقًا على استقلال الله المطلق وكفايته الذاتية. أعمالنا الصالحة لا ترفعه، ولا تقلل ذنوبنا منه شيئًا. إنه الغني، الذي لا يحتاج شيئًا من أحد، بينما كل شيء وكل شخص يعتمد عليه كليًا. أعمالنا هي انعكاس لإيماننا، ووسيلة لنمونا الروحي، وإظهار لشكرنا، و آمادگی لمقرنا الأبدي. إنها بالكامل لمصلحتنا، وشهادة على حكمته ورحمته وعدله اللامتناهي. إن فهم هذه الحقيقة الأساسية يحرر الروح البشرية، ويعزز التواضع والشكر والتقدير العميق للإحسان الإلهي الذي يقوم عليه الوجود كله. وهذا الفهم يشجعنا على السعي للخير، ليس بدافع سوء فهم للحاجة الإلهية، بل اعترافًا بحاجتنا المتأصلة لهدايته ورحمته، والفوائد العميقة التي يجلبها هذا السعي لأرواحنا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن رجلاً صالحًا كان دائمًا يجتهد في العبادة والطاعة لله. وكان يتصور أن أعماله تزيد من جلال البلاط الإلهي وروعته. ذات يوم، قال له حكيم: «يا صديقي، أتظن أن الشمس تستمد نورها من مصباحك، أو أن البحر اللامتناهي يرتوي من قطرة مائك؟» فكّر الرجل الصالح للحظة. ثم تابع الحكيم: «إن الله غني مطلق، وأعمالك الصالحة ليست لكماله، بل لتهذيب روحك وتزكية نفسك. كل بذرة تزرعها، يعود نفعها عليك أنت، لا على البستاني السماوي الذي خلق حديقة الوجود.» عند سماع هذه الكلمات، أدرك الرجل الصالح أن كل ما يفعله هو لكماله وسعادته هو، وأن الله مستغنٍ عنه. وقد زادت هذه البصيرة تواضعه وإخلاصه في الطاعة.

الأسئلة ذات الصلة