هل يرى الله حتى أصغر الأعمال الصالحة؟

نعم، يرى الله تعالى حتى أصغر الأعمال الصالحة، ولا يخفى عليه شيء. يؤكد القرآن الكريم أن مثقال الذرة من الخير سيُرى ويُجازى، مؤكداً أن لا عمل صالح يذهب سدى.

إجابة القرآن

هل يرى الله حتى أصغر الأعمال الصالحة؟

في تعاليم القرآن الكريم السامية، يُعتبر أحد أهم المفاهيم وأكثرها راحةً، أن الله تعالى عليم بكل شيء وبصير بكل ما يحدث، ولا يخفى عليه أي عمل، ولو كان مثقال ذرة. هذه الحقيقة الإلهية لا تشمل الأعمال الكبيرة والظاهرة فحسب، بل تمتد لتشمل أدق الأعمال الصالحة وأصغر الجهود المبذولة في سبيل الخير. يوضح القرآن صراحة أن كل عمل، سواء كان خيراً أو شراً، يعود في النهاية إلى فاعله وسوف يُعرض عليه يوم الحساب. هذا الفهم يشجع الإنسان على فعل الخير باستمرار وبإصرار، مهما بدا العمل تافهاً، لأنه يعلم أن أي ذرة من الخير لن تضيع عند ربه وأن أجرها محفوظ. تؤكد آيات القرآن الكريم بقوة ووضوح لا مثيل لهما أن الله تعالى، الخالق والرقيب المطلق على الوجود، يحيط علماً بأدق تفاصيل الخلق وأعمال عباده. لا تسقط ورقة من شجرة إلا بإذنه وعلمه، ولا دابة في الأرض إلا ورزقها عليه. هذه الرقابة الشاملة تشمل جميع أعمال ونوايا البشر، سواء ما يتم منها في الخفاء أو ما يظهر للعيان. الأهم من حجم العمل ومقدار فاعليته، هي النية والإخلاص الكامنين وراءه. فقد تكون ابتسامة لطيفة، أو إزالة حجر من طريق، أو مساعدة بسيطة لمحتاج، إذا تمت بنية خالصة لوجه الله، أثقل في ميزان الأعمال من أعمال عظيمة قد شابها الرياء والتفاخر. الله، العليم الحكيم، يدرك خبايا القلوب ونواياها، وعلى أساسها يجزي. تعبر الآيتان 7 و 8 من سورة الزلزلة، بشكل قاطع وحاسم، عن هذه الحقيقة: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾﴾. تقدم هاتان الآيتان صورة واضحة للعدالة الإلهية المطلقة؛ فإنه حتى بمقدار ذرة، لن يضيع أي عمل أجره أو عقابه. هذا المفهوم يضاعف مسؤولية الإنسان تجاه كل عمل من أعماله، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، ويذكره بأن الحياة الدنيا هي ميدان للزرع، والحصاد سيكون في الآخرة. وتشير آيات أخرى أيضاً إلى المفهوم ذاته، مثل الآية 16 من سورة لقمان التي تقول: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَکُن فِی صَخْرَةٍ أَوْ فِی السَّمَاوَاتِ أَوْ فِی الْأَرْضِ یَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ خَبِيرٌ﴾. تظهر هذه الآية بجمال بالغ مدى دقة وحساسية علم الله وبصره؛ فلو كان العمل الصالح صغيراً كحبة الخردل ومخفياً في صخرة أو في أعماق السماوات والأرض، فإن الله سيظهره. هذا يدل على الدقة الإلهية المتفردة في تسجيل وحساب الأعمال، ويؤكد للمؤمن أن لا عمل خيراً له يذهب سدى. وكذلك في سورة النساء، الآية 40، جاء: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا یَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَکُ حَسَنَةً یُضَاعِفْهَا وَیُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِیمًا﴾. تؤكد هذه الآية أيضاً أن الله لا يظلم أحداً مثقال ذرة، وليس فقط يرى الأعمال الحسنة، بل يضاعف أجرها ويؤتي من لدنه أجراً عظيماً. هذا العطاء والفضل الإلهي هو دافع قوي للإنسان ليسعى دوماً إلى فعل الخير، لأنه يعلم أن الله لا يرى عمله فحسب، بل يكافئه بسخاء عظيم. تفتح هذه التعاليم آفاقاً جديدة في نظرة الإنسان للحياة. فلم يعد أي عمل خير، مهما صغر، يُعد بلا قيمة. إلقاء القمامة في سلتها، إزالة عائق من الطريق، كلمة تشجيع، أو حتى دعاء خالص للآخرين، كلها يمكن أن تكون ذات قيمة عظيمة عند الله. هذا الفهم لا يحفز الفرد على النظر إلى أعماله في حياته بدقة وعناية أكبر فحسب، بل يقوي إحساسه بالمسؤولية الاجتماعية أيضاً. فعندما يعلم الإنسان أن كل خطوة يخطوها، وكل كلمة ينطق بها، وكل فكرة تدور في ذهنه، يراقبها ناظر لا مثيل له وسامع لا نظير له، فإنه يبذل قصارى جهده لتكون أعماله مرضية له. هذا المبدأ القرآني يبني مجتمعاً صالحاً وتقياً يرى فيه كل فرد نفسه مسؤولاً عن تحسين بيئته ومساعدة إخوانه، واثقاً أن نتيجة هذه الجهود لن تذهب سدى أبداً. لذلك، فإن الإجابة على سؤال ما إذا كان الله يرى حتى أصغر الأعمال الصالحة هي نعم قاطعة. لقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة مراراً وتكراراً وبصراحة، وعلمنا أن الله مطلع على كل ما تخفيه القلوب، وعلى كل ما ينطق به اللسان، وعلى كل عمل يتم إنجازه، حتى لو كان بحجم ذرة، وله لكل منها حساب دقيق. هذا العلم الإلهي الشامل هو مصدر للأمل والطمأنينة للمحسنين وتذكير جاد لمن قد يتجاهلون دقة أعمالهم. هذا الإيمان ببصر الله المطلق هو حجر الزاوية للأخلاق والتقوى والمسؤولية في حياة المؤمن.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في زمن بعيد، كان ملك يمر عبر أحد الأزقة بكبرياء. رأى امرأة عجوزاً ضعيفة، بيدين مرتجفتين، تجمع بعناية أشواكاً صغيرة وحطاماً من الطريق. سألها الملك متعجباً: «يا أماه، ما هذا الجهد العبثي؟ ما أهمية هذه الأشواك الصغيرة؟» أجابت العجوز بهدوء وابتسامة: «أيها الملك، على الرغم من أن هذه قد تبدو ضئيلة، إلا أن كل ذرة أزيلها من الطريق، سأجدها مسجلة في صحيفة أعمالي. ففي يوم الحساب، عندما تُكشف أصغر الأعمال الصالحة والسيئة، ربما ترجح هذه الأشواك الصغيرة ميزاني وتجلب لي رضا الرب.» تأثر الملك بكلمات العجوز تأثراً عميقاً، وأدرك أن في نظر الرب، حتى أصغر الأعمال الصالحة لا تخفى ولها قيمة لا تُقاس.

الأسئلة ذات الصلة