هل الله يعاني في القرآن؟

لا، إن الله في القرآن منزه تمامًا عن أي معاناة أو ألم أو نقص. فهو الغني المطلق، الكامل، والمتعالي، وأفعال البشر تؤثر على أنفسهم فقط ولا تؤثر أبدًا على الذات الإلهية.

إجابة القرآن

هل الله يعاني في القرآن؟

السؤال عما إذا كان الله يعاني أو يتألم أو يحزن بالمعنى البشري هو استفسار لاهوتي عميق، ومن منظور إسلامي، كما توضحه آيات القرآن الكريم، فإن الإجابة القاطعة هي "لا". إن جوهر الله، كما وصفه القرآن، هو الكمال المطلق والتعالي والاستغناء التام، مما يجعل أي فكرة عن المعاناة أو النقص غير متوافقة تمامًا مع طبيعته الإلهية. الله منزه ومبرأ من أي ضعف أو حاجة أو تأثرات سلبية شبيهة بالبشر. في اللاهوت الإسلامي، يختلف الله (عز وجل) اختلافًا جوهريًا عن خلقه. فهو ليس مقيدًا بالقيود أو الضعف أو العيوب التي تميز الوجود البشري أو أي وجود مخلوق آخر. يُعرف هذا المبدأ الأساسي بـ "التنزيه"، والذي يعني تنزيه الله عن أي صفات تشبه المخلوقات. المعاناة، بحكم تعريفها، تنطوي على حالة من الضعف، أو الحاجة، أو التأثر السلبي بالظروف الخارجية. هذه كلها سمات للكائنات الوجودية التي تعتمد على غيرها، وليست سمات للواجب الوجود، خالق كل شيء ومصدر الكمالات. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على استغناء الله المطلق، وهي صفة تجسدها أسماؤه الحسنى مثل "الغني" (الذي لا يحتاج إلى شيء، الغني بذاته). في سورة فاطر (الآية 15)، يعلن الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ". هذه الآية توضح بشكل جميل التمييز الأساسي: البشر فقراء بطبيعتهم ومحتاجون، بينما الله مستقل تمامًا وخالٍ من جميع الاحتياجات. لو كان الله يعاني، لكان ذلك يعني اعتماده على عوامل خارجية لتجنب المعاناة، وهذا يتناقض مع استقلاله المطلق. وبالمثل، يصف القرآن الله بـ "القيوم" (القائم على ذاته، والذي تقوم به كل الكائنات)، كما هو مذكور في آية الكرسي العظيمة (سورة البقرة، الآية 255): "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ". هذه الآية تنفي حتى أدنى نقاط الضعف البشرية مثل النوم، فكيف بشيء عميق مثل المعاناة؟ إنها تصور كيانًا وجوده كامل، مستمر، وغير متأثر بأي تغيير خارجي أو داخلي. علاوة على ذلك، غالبًا ما يشير مفهوم المعاناة إلى نقص القوة أو السيطرة على الظروف. ومع ذلك، يصف القرآن الله بـ "القدير" (القدير على كل شيء)، و"القوي" (القوي العظيم)، و"العزيز" (العزيز الذي لا يغلب). له سيطرة مطلقة على كل شيء؛ لا يحدث شيء بدون علمه وإذنه. إن القول بأن الله يمكن أن يعاني سيتناقض مع قدرته المطلقة وسيطرته المطلقة. فهو ليس خاضعًا لأي قوة، أو أي إرادة، أو أي حدث لا ينبع من إرادته. أحكامه مطلقة، وإرادته عليا. قد يفسر البعض خطأً الآيات التي تصف الله بـ "الغاضب" على الكافرين أو "المحب" للمحسنين على أنها حالات عاطفية شبيهة بالبشر. ومع ذلك، تُفهم هذه الصفات في اللاهوت الإسلامي على أنها صفات إلهية تتجلى بطرق تليق بعظمة الله وسموه، وليس كعواطف بشرية تدل على الضعف أو التغير. عندما يعبر الله عن "الغضب"، فهذا يعني عقابه العادل أو نتيجة العصيان، وليس شعورًا بشريًا بالضيق أو الكرب. وعندما يعبر عن "المحبة"، فهذا يعني إسباغه النعمة والبركات والقبول، وليس ارتباطًا عاطفيًا بشريًا يسبب الفرح أو الحزن. هذه تصرفات وأفعال إلهية، وليست حالات عاطفية رد فعلية تدل على الضعف. أفعال البشر، سواء كانت صالحة أو سيئة، تؤثر في النهاية على أنفسهم فقط. يقول القرآن بوضوح في سورة الإسراء (الآية 7): "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا". إن سيادة الله وكماله لا يقلان بعصيان البشر، ولا يزيدان بطاعتهم. عبادتنا وأعمالنا الصالحة هي لمصلحتنا الروحية ونجاتنا، وليس لأن الله يحتاجها أو يتأثر بغيابها. إذا كفرت البشرية بأكملها وارتكبت الشرور، فلن يتسبب ذلك في معاناة الله؛ بل سيؤدي ذلك فقط إلى هلاكهم وعقابهم المستحق. وبالمثل، إذا أصبحت البشرية بأكملها صالحة تمامًا، فلن يزيد ذلك من كمال الله، لأنه كامل فوق كل قياس. الهدف من الأوامر والنواهي الإلهية هو توجيه البشرية نحو ما هو خير لهم في هذه الحياة والآخرة، وإقامة العدل، وتعزيز مجتمع متناغم. عندما ينحرف البشر عن هذا المسار، فإنهم يجلبون المشقة على أنفسهم، وليس على الله. عواقب أفعال الإنسان، سواء كانت جيدة أو سيئة، يتحملها البشر. على سبيل المثال، يؤدي الظلم والقمع والفساد في الأرض إلى تدهور المجتمع والعقاب الإلهي، لكن هذا العقاب هو فعل من عدل الله، وليس نتيجة معاناته من أخطاء البشر. ختامًا، يصور القرآن الكريم الله بأنه الكائن المطلق، الأزلي، الكامل، المنزه عن جميع العيوب والقيود والنقائص البشرية. مفهوم المعاناة غريب عن طبيعته الإلهية. فهو الخالق، الرازق، القدير المطلق، والغني بذاته. صفاته هي صفات الكمال والجلال والتعالي، مما يضمن أنه فوق أي مفهوم بشري للألم أو الحزن أو الضعف. يجب أن يُفهم إدراكنا لله دائمًا من خلال عدسة "التنزيه"، مؤكدين على تفرده ولا مثيل له مع أي شيء في الخلق. هذا الفهم العميق يجلب الراحة واليقين للمؤمنين، مع علمهم أن خالقهم ثابت أبدًا، وقوي، ومتعالي تمامًا عن القيود البشرية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يحكى أنه كان هناك ملك قوي وثري في أرضه. ذات يوم، بينما كان جالسًا في حديقة غناء، جاء خادم وأخبره أن أحد الرعايا الفقراء قد تفوه بكلمات غير لائقة في البلدة، معتقدًا أن الملك غافل عن حاله. ابتسم الملك وقال: "هل تظن أن الشمس تنقص من إشراقها إذا اختبأ أحدهم في الظلام؟ أو أن البحر يفقد عظمته إذا ألقيت فيه حجر؟" ثم أضاف: "إن ثروتي ومجدي لا حدود لهما، فلا مدح الرعية يزيد منه، ولا ذم الأعداء ينقص منه. فأفعال وأقوال كل إنسان تعود بالنفع أو الضرر على نفسه فقط، ولا تؤثر أبدًا على روعة المملكة وجلالها. إنها مثل نسيم الصباح الذي يهب على خيمة الملك ويمر، دون أن يترك أي أثر على أساسها أو أعمدتها." دلت كلمات الملك هذه على أن القوة الحقيقية والعظمة اللانهائية تتجاوز التأثيرات الدنيوية التافهة، تمامًا كما أن الله، الخالق الحقيقي وملك الكون، منزه ومطهر من أي معاناة أو تأثير ناجم عن أفعال البشر. فهو الغني المطلق، وكل شيء محتاج إليه.

الأسئلة ذات الصلة