يؤدي الشكر على النعم إلى زيادتها ويخلق شعورًا بالرضا والسلام لدى الأفراد.
الشكر في القرآن الكريم هو أحد المبادئ الأساسية التي توجّه حياة المسلمين وإيمانهم. يتجلّى هذا المبدأ في العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على أهمية الشكر كنوع من التعبير عن الامتنان تجاه النعم الإلهية. في سورة إبراهيم، جاء في الآية 7: "وَإِذْ أَعَذَّنَا رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ". هذه الآية تحمل في طياتها معنى عميق يربط الشكر بزيادة النعم، وهو ما يمثل قاعدة أساسية في حياة المسلم. إن مفهوم الشكر ليس مجرد كلمات تُنطق، بل هو شعور داخلي عميق يعكس الامتنان لله تعالى على كل ما منّ به علينا من نعم لا تعد ولا تحصى. يبدأ الشكر من القلب وينعكس على السلوكيات والأقوال، حيث يؤدي الاعتراف بالنعم إلى تحسين الحالة النفسية والمزاجية للإنسان. لذلك، نجد أن الأشخاص الذين يمارسون الشكر بانتظام يعيشون حياة أكثر سعادة ورضا. يرتبط الشكر أيضًا باستجابة أكبر للتحديات الحياتية، حيث أن الأشخاص الذين يظهرون شكرهم على النعم يستطيعون التعامل بشكل أفضل مع الأوقات الصعبة. فالإيجابية التي تظهر من الشكر تمنح الفرد قدرة على تجاوز العقبات وتحمل المحن، مما يسهم في تعزيز المرونة النفسية. في المقابل، نجد أن الكفر بالنعم أو عدم الاعتراف بها يمكن أن يقود إلى انخفاض مستوى رضا الإنسان وحالته النفسية. وعندما ينشغل الفرد بالهموم والأزمات دون أن يتذكر النعم التي يمتلكها، فإنه يعرض نفسه لمزيد من التوتر والقلق. لذا، فإن الشكر يكون بمثابة حلقة وصل بين الفرد والله، تساعد في تعزيز العلاقة الروحية وتفيد في التغلب على المصاعب، لأن الشكر يجعل الإنسان يدرك القيمة الحقيقة لما لديه. الشكر يُعد أيضًا من العوامل المحورية في تأثير الفرد على الآخرين. فالشخص الممتن ينشر الطاقة الإيجابية من حوله، ويمكن أن يُلهم الآخرين لممارسة الشكر أيضًا. على سبيل المثال، إذا كان والد يعبر عن شكره لنعمة الأسرة والصحة والاعتناء بالطفل، فإنه يُشجع أفراد أسرته على إظهار الشكر بدورهم، مما يخلق بيئة مليئة بالاحترام والتقدير المتبادل. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي الشكر إلى تحسين العلاقات الاجتماعية. عندما نعبر عن امتناننا للآخرين، سواء كانوا أفرادًا من العائلة أو أصدقاء أو زملاء عمل، فإننا نساهم في بناء جسور من التواصل الثقة والمحبة. إذ يُعتبر الشكر بمثابة تأسيس لثقافة إيجابية تعزز من الروابط الإنسانية وتساعد في تقريب القلوب. عند تكرار ممارسة الشكر، يحوّل الشخص تركيزه من ما يُفتقر إليه إلى ما يُمتلكه، مما يعزز من الوعي باللحظة الحالية والتقدير لكل شيء جيد في الحياة. هذا التقدير لا يتوقف عند النعم الكبيرة فقط، بل يمكن أن يشمل حتى الأمور الصغيرة، كفنجان القهوة الصباحي أو ابتسامة من شخص عزيز. ويظهر الشكر أيضًا تأثيره الإيجابي على الصحة الجسدية. الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين يُظهرون الشكر بانتظام يميلون إلى تجربة مشاعر أكثر إيجابية، مما يسهم في تقليل مستويات التوتر والقلق، ويزيد من مناعة الجسم. فالشعور بالامتنان يحرر المواد الكيميائية في الدماغ التي تساعد على تحسين المزاج، مثل السيروتونين والدوبامين. ويمكن القول أن الشكر هو أحد أسس النجاح في الحياة، حيث أن تقدير النعم يسهم في خلق بيئة من الرضا والتوازن النفسي، مما يُساعد على تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية بطريقة أفضل. كما أن الشكر يمكن أن يُعتبر استثمارًا في الذات؛ فكلما زاد شكر الإنسان على ما لديه، زادت الفرص والخيارات المتاحة له في المستقبل. ختامًا، يمكن القول إن الشكر هو من أعظم القيم التي حثّ عليها الدين الإسلامي، وهو نظام حياة يمكن أن يُحدث تغييرًا جذريًا في طريقة تفكير وإدراك الشخص لما يملك. إنه مفتاح السعادة والهدوء الداخلي، وينبغي أن يُمارس بشكل يومي لكي تتجلى آثاره الإيجابية في كل جوانب الحياة. في ضوء ذلك، يجب علينا أن نتذكر ونُعيد التفكير دائمًا في النعم التي منحنا إياها الله، وأن نُظهر شكرنا وامتناننا بحياتنا اليومية وفي تعاملاتنا مع الآخرين، فالشكر ليس مجرد واجب، بل هو أسلوب حياة.
في يوم من الأيام ، كان هناك صديقان باسم علي وحسن يتحدثان عن الحياة والنعم التي يمتلكانها. قال علي: "أحاول دائمًا أن أكون شاكراً لكل شيء لدي". سأل حسن: "لماذا؟" أجاب علي: "لأنني أعلم أن هذا الشكر يجلب لي المزيد من النعم". سأل حسن: "هل حصلت على أي نتائج من هذا؟" ابتسم علي وقال: "نعم ، عندما أعبر عن امتناني ، أشعر بسعادة ورضا أكبر ، وألاحظ تغييرات إيجابية في حياتي". قرر حسن أيضًا أنه سيسعى ليكون أكثر شكرًا.