الشعور بالفشل لا يؤدي بحد ذاته إلى القرب من الله، لكنه يمكن أن يكون محفزًا للتواضع والصبر والتوبة والتوكل على الله، وكل هذه الأمور تقرب العبد من ربه. رد الفعل الروحي الصحيح تجاه الفشل هو ما يفتح الطريق إلى القرب الإلهي.
إن فهم العلاقة بين شعور الفشل والقرب من الله يتطلب تأملاً عميقاً في تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية. فالقرآن الكريم لا يذكر صراحة أن "شعور الفشل" بحد ذاته يؤدي إلى القرب من الله؛ بل إن رد فعل الإنسان وطريقة تعامله مع الفشل هي التي يمكن أن تقربه من الحضرة الإلهية أو تبعده عنها. في الحقيقة، يمكن أن يكون الفشل محفزاً قوياً للتحول الروحي والمعنوي، ولكن هذا التحول يحدث فقط إذا كان لدى الفرد نظرة صحيحة وقرآنية تجاهه. من أهم الدروس التي يعلمنا إياها القرآن أن الحياة الدنيا هي دار ابتلاء واختبار. يشير الله تعالى في آيات عديدة إلى هذه الحقيقة، مبيناً أن البشر سيمتحنون في هذه الدنيا، وقد تشمل هذه الاختبارات فقدان الأموال، أو المصاعب الجسدية، أو الفشل في أمور الدنيا. (سورة البقرة، الآية 155: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ") عندما يتذوق الفرد مرارة الفشل، غالباً ما يتهاوى كبرياؤه وغروره، ويدرك ضعفه وعجزه المتأصل أمام القدرة الإلهية المطلقة. هذا التواضع والخضوع هو الخطوة الأولى للعودة إلى الله. الفشل يمنع الإنسان من الاعتماد الكلي على قدراته المحدودة ويجبره على التوجه إلى المصدر الحقيقي للقوة والعون، وهو الله سبحانه وتعالى. في هذه اللحظات، ترتفع الدعوات والتضرعات من أعماق الروح، وتنشأ علاقة أكثر أصالة ونقاء مع الخالق. يأمر القرآن الكريم المؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة عند مواجهة الصعوبات والمشاكل (سورة البقرة، الآية 153: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"). الفشل أيضاً هو نوع من الصعوبة والابتلاء. فالذي يتحلى بالصبر أمام الفشل، لا يستسلم لليأس، وبدلاً من لوم نفسه أو الآخرين، يسعى للتعلم والإصلاح، يسير في الحقيقة على طريق التقرب إلى الله. الصلاة والدعاء في هذه الظروف لا يقتصران على تهدئة القلب، بل هما وسيلة للتعبير عن العجز والاحتياج إلى الرب، وطلب الهداية والعون منه. هذا النوع من الاعتماد على الله، والثقة في حكمته، والاستسلام لقضائه، يزيد من عمق الإيمان ويؤدي إلى القرب الروحي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الفشل إلى التوبة والعودة إلى الله. ففي بعض الأحيان، تكون الإخفاقات نتائج مباشرة أو غير مباشرة لذنوبنا، أو أخطائنا، أو غفلتنا. عندما يواجه الإنسان العواقب الوخيمة لأفعاله، يمكن أن تدفعه هذه التجربة إلى الندم الحقيقي والتوبة النصوح. يؤكد الله في القرآن الكريم أن باب التوبة مفتوح دائماً لعباده، وأن الذين يتوبون بنية خالصة ينالون رحمته ومغفرته (سورة الزمر، الآية 53: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"). هذه العودة والتوبة هي قمة القرب من الله؛ لأنها تدل على الاعتراف بالعبودية، والإقرار بالخطأ، والأمل في الرحمة الإلهية الواسعة. كذلك، قد يتبع الفشل شعور باليأس. ولكن القرآن ينهى بشدة عن اليأس ويعتبره من صفات الكافرين (سورة يوسف، الآية 87: "وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"). وفي المقابل، يؤكد على الأمل في فضل الله ورحمته. فعلى الرغم من أن شعور الفشل قد يدفع الإنسان إلى اليأس، إلا أن المؤمن الحقيقي يعلم أن بعد كل عسر يسراً (سورة الشرح، الآيتان 5 و 6: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٦﴾"). هذا الأمل في العون والفرج الإلهي، حتى في ذروة اليأس وظلام الفشل، هو نور يهدي القلب نحو الله ويقوي الرابط الروحي. خلاصة القول، إن شعور الفشل بحد ذاته ليس هو السبب المباشر للقرب من الله، بل هو فرصة يمنحها الله لعباده ليستخدموها كمنطلق نحو الكمال والقرب. ويتحقق ذلك من خلال تبني التواضع، والتوكل على الله، والصبر والثبات، والتوبة الصادقة، والأمل في رحمة الله. الفشل يزيل حجاب الغرور ويفتح الطريق لإدراك حضور الرب واللجوء إليه، وبالتالي يمكن أن يكون تجربة روحية عميقة تؤدي إلى القرب الإلهي.
يُروى أنه في الأزمنة القديمة، كان هناك تاجر غني يمتلك ثروة وفيرة وكان ناجحًا جدًا في تجارته. في أحد الأيام، انقلبت عجلة الزمان فجأة، وفقد كل ثروته في صفقة كبرى. غارقًا في الفشل واليأس، انزوى في ركن، واعتزل الناس وكل شيء. في تلك الحالة المضطربة، تذكر قولًا لحكيم كان يقول: "إذا أغلقت عليك أبواب الدنيا، فتوجه إلى باب لا يغلق أبدًا." بقلب مكسور وعينين دامعتين، رفع رأسه إلى السماء ولجأ إلى الله بكل كيانه. هو الذي كان يعتمد فقط على الأسباب المادية حتى ذلك اليوم، أدرك فجأة أن القوة الحقيقية لله وحده وأن السلام الحقيقي لا يوجد إلا في قربه. منذ ذلك الحين، بقلب هادئ ومتوكل على الله، حاول مرة أخرى، وعلى الرغم من أن ثروته السابقة لم تعد، إلا أنه وجد قلبًا مليئًا بالنور الإلهي والرضا الداخلي، وهو أثمن من أي ثروة. أدرك أن الفشل الدنيوي كان جسرًا للوصول إلى الفرج والسلام الروحي وبوابة نحو اتصال أعمق مع الرب.