يوصي القرآن الأفراد بتجنب التقليد الأعمى والانخراط في تفكيرهم وتقييماتهم الخاصة.
يتناول القرآن الكريم مسألة التقليد وأهمية التفكير النقدي في سياقات متعددة، وهذا يشكل أحد السمات المميزة لشريعة الله - سبحانه وتعالى - التي أُنزِلت لتكون منارة للحياة الإنسانية. يشجع القرآن الأفراد على تقديم تأملاتهم الخاصة بدلاً من مجرد اتباع معتقدات الآخرين؛ إذ إن ذلك يساهم في تجاوز العديد من التحديات الفكرية والأخلاقية. على سبيل المثال، في سورة البقرة الآية 164، ينص الله تعالى على: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب". تعكس هذه الآية دعوة صريحة لإعمال الفكر والتمعن في آيات الله التي تحيط بنا، مما يثري تجربتنا الحياتية ويعزز إيماننا. إن التفكير والتأمل في خلق الله يعدّان من أسمى أشكال العبادة، حيث يُحدثان نوعاً من التفاعل الروحي والفكري مع ظواهر الكون. بالتالي، يجب أن يتحلّى الإنسان بالقدرة على التفكير النقدي والتحليل، مما يعينه على التمييز بين الحق والباطل. وبالمثل، نجد في سورة الأنعام الآية 116، تحذيرًا جديرًا بالاعتبار حيث يقول الله: "وإن أطعته أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله". هذه الآية تُظهر بوضوح أن اتباع الأكثرية ليس معيارًا للحق. لقد تم تصوير هذا الواقع المتنوع في التاريخ مرارًا وتكرارًا، حيث يُسْتغلّ العدد الكبير من الناس من قبل قوى لا تتسم بالحق. لذا، يشدد القرآن على أهمية البحث والتحليل في القضايا الأساسية، وأن يُعمل الإنسان عقله في كل ما يحدث حوله. يتطرق القرآن الكريم أيضًا إلى أهمية استخدام العقل في شؤون الحياة، حيث ينبغي أن يكون السعي وراء المعرفة والفهم هما القاعدة التي يرتكز عليها الإنسان في حياته. علاوة على ذلك، فإن التقليد الأعمى قد يقود إلى أخطاء في الحكم واتخاذ قرارات غير صحيحة. في هذا السياق، نجد أن المؤمن الحق هو الذي يسعى لتطوير فكره وتحليل الأمور بدقة قبل اتخاذ أي قرار. وفي سياق تعزيز التفكير النقدي، نجد في سورة الزمر الآية 18 ذكرًا رائعًا لأولئك الذين يتبعون الحق. تقول الآية: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه". تُعبر هذه الآية عن قيمة اختيار الفحص والتمييز بين الآراء والأفكار، مما يؤكد مجددًا أن القرآن يعلي من شأن الفكر والتفكير على التقليد الأعمى. فكما أظهرت التجارب الإنسانية، كثيرًا ما تؤدي الأذان الموصولة بالمجتمع والتي تطلب الاستسلام إلى قيود عقلية قد تمنع تطور الفكر. وعلى الرغم من أن التقليد قد يحمل فوائد في بعض السياقات، إلا أنه يجب ألا يؤدي أبدًا إلى تحريف عن الحقيقة أو تجاهل البحث. وفي هذا السياق، يجب على المسلم أن يسأل ويدقق، بأن يُستخدم عقله في التحقق والتساؤل. فالتقليد، حين يتم بشكل غير موضوعي أو مُبَرّر، يُمكن أن يؤدي إلى فقدان الهوية الشخصية والإيمان الفعال. علاوة على ذلك، يُظهر القرآن لنا أهمية الاستكشاف والتفكير الذاتي. فالله - جل وعلا - أعطى الإنسان القدرة على التأمل والتفكير، وبالتالي يُفترض بنا جميعًا أن نأخذ زمام المبادرة في حياتنا ونفكر بأنفسنا. فالتفكير النقدي ليس فقط عبارة عن عملية عقلية، ولكن هو أيضًا عملية روحية وعمق يشدنا إلى الله، ويقربنا من الحقيقة. في النهاية، يُوجهنا القرآن نحو التفكير والاستكشاف، ويعلمنا أن نتخذ قرارات الحياة باستخدام عقلنا وبصيرتنا. يجبرنا هذا على تحمل المسؤولية الفردية، ويفتح لنا آفاقًا جديدة من الفهم والتقدير لأنفسنا وللآخرين. إذا كانت المجتمعات تتسم بالتفكير النقدي وتكسير القيود التقليدية، فإنها ستشهد تغييرات جذرية وفوائد عظيمة تعود على الأفراد والجماعات. إن هذه الرسالة تُظهر كيف أن القرآن يدعو إلى تغيير مفهوم التقليد، ويخلق مساحة للحوار والنقاش الإيجابي الذي يُسهم في تقدم الفرد والمجتمع.
في يوم من الأيام في قرية، كان هناك مجموعة من الشباب الذين اتبعوا دائمًا الأساليب التقليدية ولم يسألوا أبدًا عن ممارساتهم. في يوم من الأيام، اقترب منهم رجل حكيم وسأل، "لماذا لا تسألون أبدًا لماذا تفعلون هذه الأشياء؟" أجاب الشباب: "لقد تعلمنا من الشيوخ، والحكمة تكمن في أيديهم." ابتسم الرجل الحكيم وقال، "ألا تعتقد أنه ينبغي عليك تحدي نفسك؟" من ذلك اليوم، بدأ الشباب في التساؤل، مما فتح آفاقًا جديدة. أدركوا أنه بدلاً من التقليد، يجب عليهم التفكير بأنفسهم، وبالتالي الاقتراب من الحقيقة.