هل يرى القرآن تعارضًا بين العلم التجريبي والوحي؟

لا يرى القرآن الكريم أي تعارض بين العلم التجريبي والوحي، بل يدعو الإنسان للتأمل في الخلق واكتشاف قوانين الكون؛ لأن جميع الظواهر الكونية هي آيات ودلائل على قدرة الله وحكمته، مما يجعل العلم والوحي مسارين متكاملين.

إجابة القرآن

هل يرى القرآن تعارضًا بين العلم التجريبي والوحي؟

الإجابة على سؤال ما إذا كان القرآن الكريم يرى تعارضًا بين العلم التجريبي والوحي الإلهي هي “لا” قاطعة. بل إن القرآن ينظر إلى الوحي الإلهي والاكتشاف العلمي كجناحين متكاملين للإنسان ليحلق بهما نحو الحقيقة والمعرفة الإلهية. من منظور القرآن، لا يتعارض العلم التجريبي مع الوحي فحسب، بل هو أداة ومجال لتعميق فهم آيات الله وعلاماته في الكون. يدعو القرآن الإنسان مرارًا وتكرارًا إلى التفكر والتدبر والتعقل في خلق الكون والظواهر الطبيعية، وحتى في وجوده الخاص. هذه الدعوات هي في جوهرها دعوة إلى شكل من أشكال البحث العلمي والمراقبة الدقيقة للوجود، بهدف نهائي هو الوصول إلى معرفة الخالق وتعميق الإيمان. أحد المفاهيم المحورية في القرآن التي تظهر هذا التآزر هو مفهوم “الآية”. تشير “الآية” إلى كل من آيات كتاب القرآن نفسه، وإلى العلامات والدلائل على وجود الله في “الآفاق” (العالم الخارجي للإنسان) و”الأنفس” (داخل وجود الإنسان). يزخر القرآن بالآيات التي تقدم الظواهر الطبيعية كدلائل لا تقبل الشك على قدرة الله وحكمته وتدبيره الدقيق. على سبيل المثال، في سورة الروم، الآية 22، يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾. توضح هذه الآية بوضوح الصلة بين ملاحظة الظواهر الطبيعية (خلق السماوات والأرض، تنوع اللغات والألوان) واكتشاف العلامات الإلهية من قبل “العالمين”. وهؤلاء “العالمون” لا يشملون فقط العلماء الدينيين، بل يشملون كل من يسعى لاكتشاف حقائق الوجود من خلال المنهجيات العلمية. من خلال تشجيعه على السير والنظر في الخلق، يمهد القرآن الطريق للاكتشافات العلمية. إن الآيات التي تشير إلى الحركة المنتظمة للنجوم والكواكب، ودورة الماء، ونمو النباتات، وحياة الحيوانات، وحتى تعقيدات خلق الإنسان، كلها دعوات للتأمل والدراسة العلمية لهذه الظواهر. ليس الهدف النهائي من هذه التحقيقات هو مجرد الحصول على المعرفة المادية، بل هو الوصول إلى فهم أعمق للخالق والوقوف إجلالاً أمام عظمته. العلم التجريبي يوضح لنا “كيف” يعمل الكون؛ من قوانين الفيزياء والكيمياء إلى العمليات البيولوجية المعقدة. وهذه “الكيفيات” هي بحد ذاتها مظاهر لنظام عالي ودقيق لا يمكن أن ينبع إلا من مصدر حكيم وقوي بلا حدود. أما الوحي، فيخبرنا “لماذا” وجد الكون و”ما هو الغرض” من خلق الإنسان. يجيب الوحي على أسئلة لا يمكن للعلم التجريبي أن يصل إليها أبدًا؛ أسئلة مثل: من أين أتينا؟ إلى أين نذهب؟ ما هو معنى الحياة؟ كيف يجب أن نعيش؟ هذه قضايا تتعلق بالبعد الميتافيزيقي والغاية النهائية لوجود الإنسان والكون. هنا، لا يتعارض العلم والوحي؛ بل إنهما متكاملان. العلم أداة للكشف عن أسرار الطبيعة، والوحي إرشاد لفهم معنى هذه الأسرار ووضعها في الإطار الهادف للخلق. على سبيل المثال، يمكن لعلم الفيزياء أن يشرح العملية المعقدة لتكوين قطرة المطر والقوانين الفيزيائية التي تحكمها. لكن الوحي (مثل سورة النور، الآية 43: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾) يؤكد، إلى جانب وصف ظاهرة المطر، أن كل هذا ينبع من تدبير وحكمة إلهية، وهو علامة على قدرته ورحمته. العلم يكتشف القوانين، والوحي يشرح أصل هذه القوانين وغايتها وعلاقة الإنسان بها. نقطة أخرى مهمة هي عدم وجود “فراغ” في القرآن للعلم. فالقرآن، على عكس بعض النصوص الدينية الأخرى، لا يغلق أبواب العلم، بل يفتحها على مصراعيها. الآيات التي تشير إلى “أولي الألباب” تصف أولئك الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، ويدركون عظمة الله (سورة آل عمران، الآيات 190-191). هؤلاء الأفراد، في الواقع، هم العلماء والمفكرون الذين، من خلال الملاحظة والتحليل، يصلون إلى فهم أعمق للواقع. تاريخ الحضارة الإسلامية يشهد على هذا الادعاء. فخلال العصر الذهبي للإسلام، حقق العلماء المسلمون، مستلهمين من آيات القرآن، تقدمًا هائلاً في مختلف المجالات العلمية بما في ذلك الطب والفلك والرياضيات والكيمياء والفيزياء. لم يروا أي تناقض بين الإيمان والعلم؛ بل اعتبروا العلم وسيلة لاكتشاف عظمة الخالق وخدمة البشرية. وقد أصبح هذا النهج الأساس للعديد من التطورات العلمية اللاحقة في العالم الغربي. في الختام، فإن أي تعارض ظاهري بين العلم والوحي عادة ما ينشأ عن أحد الأمور التالية: إما سوء تفسير للنص الديني، أو فهم ناقص وبدائي للاكتشافات العلمية (والتي قد يتم تصحيحها مع تقدم العلم)، أو محاولة فرض وجهات نظر فلسفية معينة على كلا المجالين. القرآن، ككلام إلهي، يعبر عن حقائق ستظل دائمًا متوافقة مع الاكتشافات العلمية الصحيحة والقطعية، لأن كلاهما ينبع من مصدر حقيقة واحد – الله تعالى. لذلك، لا يرى القرآن أي تعارض بين العلم التجريبي والوحي، بل يشجعهما ويؤكدهما كمسارين متوازيين ومتكاملين للوصول إلى فهم شامل للوجود وخالق الوجود.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن طالب علم سافر بعيدًا وجَمع الكثير من المخطوطات واستمع إلى العديد من العلماء. كان يفتخر بعلمه الواسع. في أحد الأيام، صادف حكيمًا عجوزًا يجلس بجانب نهر يتدفق، يتأمل الماء. بدأ الطالب، حريصًا على إظهار معرفته، في سرد النظريات العديدة حول منشأ النهر، وتركيبه الكيميائي، وفيزياء جريانه. استمع الحكيم بصبر، ثم ابتسم بلطف وقال: 'يا بني، لقد تعلمت الكثير عن جسد النهر. ولكن هل فكرت في روحه؟ هل رأيت الطائر العطشان يرتوي منه، أو الحقول التي يسقيها، أو الحياة التي يدعمها؟ هل تأملت حكمة جريانه المستمر، الذي هو شهادة على قوة الخالق الدائمة، أو همسه اللطيف، الذي هو ترنيمة تسبيح؟ المعرفة الحقيقية ليست مجرد تشريح الأجزاء، بل هي فهم الكل العظيم والهدف المنسوج فيه.' أدرك الطالب أن سعيه وراء 'الكيفية' قد طغى على 'السبب' العميق والبصيرة الروحية التي يمكن أن تنتج عن الملاحظة المقترنة بالتأمل.

الأسئلة ذات الصلة